النزعة نحو
(( الكبر ))
([1])من أهم النزعات عند االمراهق ، ومنها كذلك تميز الشباب عن البنات بالخشونة
والاعتماد على النفس ، والتحرر من الأسرة ، وحب الطبيعة ، وهذه أهم وسائل النمو
النفسي في المعسكر :
1- الخشونة
:
يتدرب
المشاركون على الخشونة في المأكل والمشرب والملبس ، فالفتى الذي اعتاد على أصناف
الأطعمة المصفوفة بعناية على المائدة في غرفة الطعام بالمنزل ، والصحون والملاعق
والشوكات والكاسات والمناديل ... الخ مع أصناف الفواكه والمشروبات كل ذلك يلغى
ويحل مكانه لون واحد من الطعام كالأرز واللحم مع ( السلاطة ) ، تقدم في إناء واحد للأسرة
كلها ، ويتحلق الفتيان حول الإناء على الأرض ، وبعد الفراغ من الطعام يغسلون أواني
الطعام ، ويرفعون المخلفات وينظفون الخيمة ، والخيمة هي غرفة النوم وغرفة الطعام
والجلوس للأسرة طيلة فترة المعسكر .
وكذلك في
النوم ، فقد اعتاد الفتى على السرير الوثير ، ويد والدته تغطيه بعد أن ينام وتقفل
النوافذ وترخي الستائر ، أما في المعسكر فينام الفتى على بطانية واحدة أو اثنتين
إذا كان الطقس بارداً ، ووسادة متواضعة ، ومكان نومه في الخيمة لا يزيد عن حجمه
كثيراً ...
وتعود
المسلمون اليوم على الماء المثلج ، والشاي والقهوة ، والمرطبات الباردة والغازية
،حتى صار بعضهم أسيراً لها وخاصة الشاي والقهوة ، وفي المعسكر يقدم الشاي مرة
واحدة في اليوم ، ويقدم الماء العادي ( بتبريد قليل في المناطق الحارة ، وبدون
تبريد في المناطق المعتدلة ) . ويدرب الشباب على الأكل القليل والشرب القليل
والنوم القليل أيضاً ، حتى لا يفوتهم الخير الكثير . لأن ملء البطن مخالف لسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أن شهوة النوم مرتبطة بشهوة البطن ، وشهوة
الفرج ترتبط بهما معاً .
قال تعالى
: { كتب عليكم القتال وهو كره لكم ... } ( البقرة : 216 ) ، فالنفس البشرية تكره
القتال بفطرتها ، لأنها مدفوعة إلى الحياة ، لكن الإيمان بالجنة وما أعد الله
للشهيد فيها ، يجعل المسلم يحب الجهاد في سبيل الله ، ويقدم على القتال ، كما فعل
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومما يساعد المسلم على الجهاد في سبيل الله
عزوجل الخشونة في العيش ، والبعد عن الرفاهية ، والمجاهدون الأفغان اليوم نشأوا في
خشونة العيش ، وقسوة البيئة ، وقد عمل ذلك كعامل ثانوي إضافة إلى الإيمان وحب
الشهادة في سبيل الله عزوجل ، وجعل المجاهدين الأفغان أبطالاً حطموا امبراطورية
روسيا الشيوعية
([2]).
2-
الاعتماد على النفس :
تعود بعض
الشباب المسلم المعاصر على الخدم في المنزل
([3])، يقدمون له الطعام والشراب ، ثم يرفعون بقاياه بعد أن يشبع ، وينظفون له غرفته ،
ويرتبون له أثاثه وأدواته ، كما أن بعضهم الآخر تدللـه أمه ، وتبالغ في ذلك ، حتى
أنها تخدمه وهو شاب يافع ، فتقدم له كل ما يلزمه من الطعام والشراب ، وهو كالسيد
على المائدة ، وربما تقوم أخواته بمثل هذه الخدمة في البيت .
أما في
المعسكر فيتناوب الفتيان على طبخ الطعام وتوزيعه على الأسر ، وغسل أواني الطعام
الجماعية ، والصغيرة أيضاً . كما يقوم الفتيان في الأسرة بتنظيف خيمتهم وتربيتها ،
وربما يقوم الفتيان كذلك بنقل الماء وتوزيعه على الأسر ، وبكلمة مختصرة يتعود
الشباب على الخدمة الذاتية لأنفسهم . ويتدربون على الاعتماد على النفس في تأمين
طعامهم وشرابهم ونومهم .
3-
الخروج على المألوف : ومما يقدمه
المعسكر للشباب المسلم الخروج على المألوف في النوم والطعام والشراب ، حتى لا يصبح
الشاب المسلم أسيراً لعاداته في هذه الشهوات .
فكثير من
المسلمين – اليوم – ينام على سرير خاص ووسادة خاصة ، حتى لو اضطر للنوم على سرير
آخر عند السفر ، يقلق ويهرب النوم منه لأنه غير عادته ، ولأنه صار أسيراً لعادته
تلك التي لم يغيرها لمدة سنوات . ومن الأفضل للمسلم ألا يعود نفسه على شيء من هذا
لا في النوم ولا في الطعام أو الشراب ، والمعسكر وسيلة للتدرب على التحرر من هذه
العادات .
وبعض
المسلمين لا يستطيع أن يأكل الأرز مثلاً إلا مع اللبن ، أو أن يشرب الشاي بعد
الغداء ، وإذا حرم من ذلك ظهرت عليه علامات القلق والاضطراب ، والمعسكر يساعده على
التحرر من هذه العادات
([4])
.وكثير من
الناشئة في زماننا ؛ اعتادوا على المشروبات الغازية ،حتى أصبحت بديلة للماء ، وفي
المعسكر يمنع هؤلاء من المشروبات الغازية ، ويقدم لهم الماء ، فيعودون إلى الفطرة
.
4-
التدرب على المفاجآت : في اليوم
الأول الذي التحق به مجموعة من الشباب لتأدية الخدمة الوطنية ، وباتوا ليلتهم تلك
في مركز التدريب الأول ، على أسرة متواضعة ، تختلف عما اعتاده كثير منهم ، لكن
السفر بالباصات المزعجة ، ساعدهم على النوم ، وبعد منتصف الليل ، دخل الضابط
المناوب إلى مهجعهم ، ثم أطلق بضع عشرة طلقة من المسدس ، فهب الشباب مذعورين ،
منهم من هرب من المهجع ، وبعضهم اختبأ تحت السرير ، وآخر صرخ بأصوات عجيبة ، وقليل
منهم جاء إلى الضابط يحاول أن يفهم لماذا يطلق عليهم النار ، وأخيراً صاح الضابط :
الجميع يحضر الاجتماع أمام المهجع خلال ثلاث دقائق .
وبعد أن
اجتمع الشباب تبين لهم أن أحداً لم يمت ، ولم يجرح ، وعرفوا فيما بعد أن تلك
الطلقات (( خلبية )) ، ( أي بدون رصاص والغرض منها إحداث الصوت فقط ) ، وعرفوا أن
الهدف هو تدريبهم على المفاجآت .
والمفاجئة
: تغير سريع في الموقف ، غير متوقع ، وتغير كبير بحيث يصعب على الإنسان العادي
التكيف مع الموقف الجديد ، فيصدر عنه سلوك نكوصي كالإغماء أو الصراخ والبكاء ...
الخ .
وكلما عاش
الإنسان حياة هادئة ناعمة رتيبة ، تقل فيها التغيرات كان أثر المفاجئات عليه
كبيراً ، لذا من مهمات الدورات العسكرية تعويد العسكريين على التكيف السريع مع
المفاجأة .
والحرب –
والمسلمون أمة جهاد – سلسلة من المفاجئات ، والمعركة التي تجري كما يتوقع العدو
معركة فاشلة سلفاً ، لأن العدو يعد الاحتياطات لما يتوقعه ، وقد خرقت القوات
الصهيونية جبهات بعض الدول العربية من أماكن لا يتوقع أحد العبور منها
([5]).
ويتدرج
المعسكر في المفاجئات ، فقد يأتي الطلاب لاستلام طعام الغداء ، بعد بضعة أيام
اعتادوا فيها على ترتيب معين من الطعام ، فيجدوا نوعاً بسيطاً وكمية قليلة من
الطعام ، كأن يعطى لكل طالب نصف رغيف من الخبز وسبع تمرات فقط ، ويطلب من الطلاب
الاستيقاظ بعد منتصف الليل ،دون إعلامهم بذلك مسبقاً ، ثم تجري أحداث مشابهة
للطلقات الخلبية ، والقنبلة الدخانية وغير ذل .
لقد تأثرت
أجساد الناشئة في العالم الإسلامي بسبب الرفاهية ، ونعومة العيش ، وتوفر السيارات
التي حرمت الشباب من المشي .
ومع أن بعض
الشباب يمارس كرة القدم ، التي تنمي أجسادهم بصورة جيدة ، إلا أن المتفرجين
والمشجعين أضعاف أضعاف اللاعبين ، وبالتالي لا يمارس الشباب كلهم كرة القدم ، وقد
يمارسها بعضهم بدرجة غير كافية ، كما أن الجري مع الكرة ينمي عضلات الرجلين أكثر
من باقي العضلات . بينما يحتاج الرجل يديه أكثر من رجليه.
وفي
المعسكرات تنمية للجسم من الوجوه التالية :
1-
الاعتدال في الأكل والشرب والنوم : مع النوم المبكر والاستيقاظ المبكر ، والابتعاد
عن السهر وتناول المنبهات ، ( ومن تأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم وجد أن حفظ
الصحة موقوف على حسن تدبير المأكل والمشرب والملبس والسكن والهواء والنوم والحركة
... )
([6]) .
2- الرياضة
البدنية : فمن الدروس الأساسية في المعسكر التربية البدنية ، إذ تخصص حصة الصباح
للجري والتمارين السويدية وألعاب القوى ، وخاصة تمارين اليدين والبطن ، والقفز
العالي والقفز الطويل . وفي المساء يلعب الطلاب بالكرات ( القدم – السلة – الطائرة ) .
ويخصص في
المعسكرات حصص لركوب الخيل ، لأن ركوب الخيل رياضة شاملة تحرك معظم عضلات الجسم
كالجري والسباحة . كما تخصص حصص في المعسكر للسباحة ، ويدرب جميع المشاركين على
السباحة واتقانها تحت إشراف المدرب .
كما يدرب
الطلاب على ركوب الدراجات العادية ، لأنها رياضة لجميع عضلات الجسم . كما يدرب
الطلاب على قيادة الدراجات النارية ، والسيارات بأنواعها الصغيرة والكبيرة، وكل
ذلك يدخل تحت مصطلح (( ركوب الخيل )) ، لأن الخيل في أيامنا امتدت إلى السيارات والطائرات
والسفن ... الخ .
3- النظام
المنظم : هو المشي بالطوابير أثناء الاحتفالات ، وهذا المشي المنظم بنمي عضلات
الجسم ، ويعوّد الطلاب على الطاعة والصبر والنظام .
4- المشي
الطويل : من برامج المعسكر المشي لمسافات طويلة ، قد تصل إلى خمسين كيلومتراً ،
ويحمل الطالب أمتعته الضرورية كالبندقية والجعبة والمطرة
([7]) .
وكمامة الغاز ولوازم الإسعاف وطعام الطوارئ ... الخ ، والمشي الطويل من الرياضة
الجسدية والنفسية ، لأنه يعود على الصبر والثبات ، وينمي عضلات الجسم أيضاً .
129- أي أن المراهق يريد أن يعامل كالرجال .
130- انظر (( المسلمون والتربية العسكرية )) للباحث ، ص 102 .
131- وخاصة في بلدان الخليج العربية . انظر : خطر المربيات غير المسلمات
على الطفل المسلم . للباحث ، نشرته دار المجتمع بجدة 1412هـ .
132- انظر (( المسلمون والتربية العسكرية )) للباحث ، ص 104 .
133- خالد شنتوت ، التربية العسكرية ، ص 109 .
134- محمد مدحت صابر الشافعي ، ص 9 .
135- الجعبة هي حقيبة الذخيرة ،
والمطرة وعاء الماء .