موقف حبيب بن زيدٍ رضي الله عنه مع مسيلمة الكذاب: أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد رضي الله عنه إلى مسيلمة
الكذاب برسالة يزجره فيها عن غيِّه فلما وصل حبيب رضي الله عنه إلى مسيلمة ودفع الرسالة
إليه فلما قرأها مسيلمة انتفخ صدره ضغينةً وحقداً وبدا الشر والغدر على قسمات
وجهه الدميم الأصفر, وأمر بحبيبٍ رضي الله عنه أن يقيد وأن يؤتى به إليه ضحى اليوم التالي.
فلما كان الغد تصدر مسيلمة مجلسه وجعل عن يمينه وعن شماله الطواغيت من كبار
أتباعه وأذن للعامة بالدخول عليه ثم أمر بحبيبٍ رضي الله عنه فجيء به إليه وهو في قيوده.
وقف حبيب رضي الله عنه وسط هذه الجموع الحاشدة الحاقدة مشدود القامة مرفوع الهامة شامخ
الأنف وأحكموا تقويمه، فالتفت إليه مسيلمة وقال: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟
فقال حبيب رضي الله عنه : نعم أشهد أن محمد رسول الله فاغتاظ مسيلمة غيظاً, وقال : وتشهد
أني رسول الله ؟ فقال حبيب رضي الله عنه في سخريةٍ لاذعة : إن في أذني صمماً عن سماع ما
تقول . فامتقع وجه مسيلمة وارتجفت شفتاه حنقاً, وقال لجلاده: اقطع قطعةً من
جسده،فأهوى الجلاد على حبيب رضي الله عنه بسيفه وبتر قطعةً من جسده فتدحرجت على الأرض ، ثم
أعاد مسيلمة عليه السؤال نفسه فكان جواب حبيب رضي الله عنه نفس الجواب ، فأمر بأن تقطع من
جسده قطعةً أخرى فقطعت فتدحرجت على الأرض إلى جانب أختها والناس شاخصون
بأبصارهم مذهولون من تصميمه وعناده . ومضى مسيلمة يسأل والجلاد يقطع وحبيب رضي الله عنه
يقول: أشهد أن محمداً رسول الله حتى صار نحو من نصفه قطعاً مقطعةً منثورةً على
الأرض ونصفه الآخر كتلةً تتكلم, ثم فاضت روحه وعلى شفتيه الطاهرتين اسم النبي
الذي بايعه ليلة العقبة .