دور العمل:
نزل أبو مسلم بقرية من قرى مرو يقال لها سفيذنج وهناك بث
دعاته في الناس ليجتمعوا إليه فانثال إليه الناس وكان ذلك في رمضان سنة129 ولخمس
بقين منه عقد اللواء الذي بعث به الإمام ويدعى الظل على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً
وعقد الراية التي تدعى السحاب على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً وهو يتلو قوله تعالى:
{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن اللَّه على نصرهم لقدير} ولبسوا السواد
الذي جعل شعاراً للدولة العباسية وقدم على أبي مسلم الدعاة من أهل مرو بمن أجاب
الدعوة.
كان أول ما فعله أبو مسلم أن أمر برم حصن سفيذنج وأقام به
هو ومن معه ولما حضر عيد الفطر سنة129 أمر سليمان بن كثير أن يصلي به وبالشيعة ونصب
له منبراً في العسكر.
كتب أبو مسلم إلى نصر بن سيار يقول له: أما بعد، فإن اللَّه
تباركت أسماؤه وتعالى ذكره غير أقواماً في القرآن فقال: {وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا
نفوراً. استكباراً في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر
السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة اللَّه تبديلاً ولن تجد
لسنة اللَّه تحويلا } فتعاظم نصر الكتاب ولا سيما أنه رأى أبا مسلم بدأ فيه
بنفسه.
وكان جوابه أن وجه إلى أبي مسلم مولى له اسمه يزيد في خيل
عظيمة فوجه إليه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعي فالتقوا بقرية تدعى آلين وكانت
بين الفريقين موقعة انتهت بانتصار الشيعة وأسر يزيد رئيس جند نصر.
وفي أثناء ذلك كان أبو مسلم يرسل قواده فيستولون على البلاد
من عمال نصر ولا يجدون مقاومة تذكر. ولما
رأت ذلك ربيعة وعلمت شدة أمر أبي مسلم أرسلت إلى نصر تطلب منه الموادعة فأجاب إلى
ذلك وتوادعوا سنة. بلغ ذلك أبا مسلم فأرسل إلى ابن الكرمان يهيجه
بأخذ الثأر فقال: إني ما صالحت نصراً وإنما صالحت شيبان وأنا لذلك كاره وأنا موتور
ولا أدع قتاله فعاود القتال وأبى شيبان أن يعينه وقال لا يحل الغدر فأرسل ابن
الكرماني إلى أبي مسلم يستنصره. وهذا
كل ما يريده فأرسل إليه إني معك على نصر فاشتد ذلك على نصر وكتب إلى أبي مسلم يلتمس
منه أن يدخل مع نصر وبعثت إليه ربيعة بمثل ذلك.
بذلك ظفر أبو مسلم ظفراً عظيماً فإنه فرق كلمة العرب بعد أن
كادت تجتمع عليه فقام من الماخوان في جمادى الأولى سنة130 يريد مرو وأرسل إليه ابن
الكرماني أن أدخل حائط مرو من قبلك وأدخل أنا وعشيرتي من قبلي فأرسل إليه أبو مسلم
أن لست آمن أن تجتمع يدك ويد نصر على حربي ولكن أدخل أنت فأنشب الحرب، فدخل ابن
الكرماني وأنشب الحرب وأمر أبو مسلم أحد قواده بدخول مرو فدخلها وأعقبها أبو
مسلم. دخل والقتال دائر بين الكرماني ونصر فأمر
الفريقين أن يكفا وهو يتلو: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها
رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه} . ومضى
أبو مسلم حتى دخل دار الإمارة وهرب نصر مستخفياً.
صفت مرو لأبي مسلم وأمر أحد النقباء بأخذ البيعة على أهلها
ونص البيعة: أبايعكم على كتاب اللَّه وسنة نبيه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عليكم
بذلك عهد اللَّه وميثاقه والطلاق والعتاق والمشي إلى بيت اللَّه الحرام وعلى ألا
تسألوا رزقاً ولا طعماً حتى يبدأكم به ولاتكم وإن كان عدو تحت قدمه فلا تهيجوه إلا
بأمر ولاتكم وأخذ أبو مسلم ثقات أصحاب نصر وصناديدهم فكتفهم وحبسهم ثم
قتلهم.
أرسل بعد ذلك إلى شيبان الحروري يدعوه إلى بيعته فأبى وسار
عن مرو إلى سرخس فوجه إليه أبو مسلم جنداً، فكانت هناك موقعة قتل فيها شيبان وعدد
عظيم ممن معه. وبعد نيل هذاالانتصار عمد إلى ابني الكرماني علي
وعثمان اللذين ائتمناه على حياتهما فقتلهما وأكثر أصحابهما.
صفت خراسان كلها لأبي مسلم فبعث العمال إلى جميع الولايات
وأمر أحد قواد قحطبة بن شبيب أن يتبع نصر ومعه لواء عقده له إبراهيم الإمام فسار
وراءه من بلد إلى بلد حتى مرض نصر بالري ومات بساوة فأقبل قحطبة بجنوده واستولى على
الري فتم للشيعة خراسان وبلاد الجبل ثم سير قحطبة ابنه الحسن فاستولى على همذان
ومنها سار إلى نهاوند فحصرها ولحقه بها أبوه فاجتمعا عليها ثلاثة أشهر ثم فتحت
وتلاها شهر زور الموصل. سار قحطبة بعد ذلك واغلاً في بلاد العراق فقصده
ابن هبيرة أمير العراق من قبل مروان بن محمد وكان اجتماعهما غربي الفرات على نحو23
فرسخاً من الكوفة وقبل أن تقع بينهما الموقعة الكبرى مات قحطبة فولي إمرة الجيش
ابنه الحسن وكان قحطبة قبل موته قد قال: إذا قدمتم الكوفة فوزير آل محمد أبو سلمة
الخلال فسلموا الأمر إليه.
جرت أثناء ذلك وقائع انهزم فيها ابن هبيرة فسار منها حتى
أتى واسطاً. وقبل أن يدخل الحسن بن قحطبة الكوفة خرج منها
محمد بن خالد القسري مسوداً فاستولى على قصرها ولم يكن قد علم بهلاك قحطبة فكتب
إليه يعلمه فوصل الكتاب إلى ابنه الحسن فارتحل إلى الكوفة فدخلها في المحرم سنة132
وسلم الأمر لأبي سلمة الخلال فوجه الحسن إلى قتال ابن هبيرة بواسط وضم إليه
قواداً. ووجه حميد بن قحطبة إلى المدائن. ووجه
المسين بن زهير وخالد بن برمك إلى دير قنى. وبعث
المهلبي وشراحيل إلى عين التمر. وبسام
بن إبراهيم إلى الأهواز وخرج هو من الكوفة فعسكر عند حمام أعين على نحو ثلاثة فراسخ
من الكوفة.