قال تعالى :
( و
السماء ذات الرجع ) [سورة الطلاق :11].
ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى و السماء ذات
الرجع ان الرجع هو المطر أو الماء أو السحاب . و كلمة " الرجع " تأتي أيضا من
الرجوع او العودة إلى ما كان منه البدء ، ا, تقدير البدء مكانا أو فعلاً أو
قولاً ، فالرجوع العود ، و الرجع : الإعادة . و الاجتهادات العلمية لبيان بعض أوجه
الإعجاز في هذه الآية الكريمة يمكن إجمالها فيما يأتي :
أولاً : إذا اعتبرنا السماء بمعنى
الغلاف الجوي للأرض فالطبقة
السفلى من الغلاف الجوي تعيد بخار الماء المتصاعد إليها بشكل مطر ، و بهذا فإن
الآية الكريمة تشير إلى الدورة الهيدروليكية المستمرة المسخرة بين المحيطات و
النهار من جهة ، و بين سحب الغلاف الجوي من سمائنا من جهة أخرى ، فإذا تبخر جزء من
مياه الأرض بحرارة الشمس فإنه يعود إليها من السماء على هيئة أمطار ، و بهذا تستقر
كمية الماء على الأرض و لا تزيد و لا تنقص بسبب استمرار هذه الدورة . قال تعالى :
( و أنزلنا من السماء ماءً بقدر فأسكناه في الأرض و إنا
على ذهاب به لقادرون) [ المؤمنون] ، والتعبير القرآني
" بقدر " إشارة صريحة إلى توازن توزيع الماء ، فالأنهار
مثلاً تنساب بصفة دائمة طوال السنة رغم أن الأمطار موسمية و لبضعة شهور فقط ، و
لولا الثلج المتراكم على قمم الجبال العالية لجفت الأنهار و انقطع انسيابها
المتواصل و اختل التوازن .
و تغذية الأنهار و غيرها من مصادر المياه تتم
بقدر و بكميات مقننة بقدرة الله ـ سبحانه و تعالى ـ و التوازن واضح أيضاً في تصريف
المياه و عودتها إلى البحار أو الهواء بشتى الطرق و تكوين الضباب و السحاب لتتكرر
الدورة ، ولولا هذا التصريف لاجتاحت الفيضانات و السيول الكرة الأرضية كما يحدث
أحياناً حينما تتعطل مؤقتاـ لحكمة إلهية ـ العمليات الطبيعية المذكورة في الدورة
الهيدروليكية لتعطي للإنسان إنذارا و تجعله شاكرا لله على استمرار هذه الدورة في
توازن مستمر تؤدي فيه السماء دوراً أساسياً بإعداة الأمطار من السحاب إلى الأرض .
ثانياً : يمكن اعتبار السماء أشبه
بمرآة عاكسة للأشعة و الموجات الكهرومغناطيسية ، فهي تعكس أو ترجع ما يبث إليها من الأمواج اللاسلكية و
التلفزيونية التي ترتد إذا أرسلت إليها بعد انعكاسها على الطبقات العليا الأيونية (
الأيونوسفير ) و هذا هو أساس عمل أجهزة البث الإذاعي و التلفزيوني عبر أرجاء الكرة
الأرضية ، فيمكننا التقاط إذاعة لندن و باريس و القاهرة و غيرها من الأرض بعد
انعكاس موجات الإرسال من السماء و استقبالها على الأرض للاستماع إليها أو مشاهدتها
، و لولا هذه الطبقة العاكسة من الغلاف الجوي لضاعت موجات البث الإذاعي و
التليفزيوني و تشتتت و لم نعثر عليها .
ثالثاً : السماء ذات الرجع أشبه
بمرآة عاكسة أيضاً عندما تعكس الأشعة الحرارية تحت الحمراء فترعها إلى الأرض
لتدفئها . رابعاً : و كما تعكس السماء و
ترجع ما ينقذف إليها من الأرض ، كذلك فِإنها تمتص و تعكس و تشتت ما ينقذف إليها من
الكون والعالم الخارجي ، وهي بذلك
تحمي الأرض من قذائف الأشعة الكونية المميتة ، و من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة ،
أي أن الرجع مثلما يكون من السماء إلى الأرض ، يكون أيضاً من السماء إلى الفضاء
الخارجي في الكون .
خامساً : إذا اعتبرنا السماء
بمعنى الكون و ما فيه من نجوم و مجرات و أجرام سماوية مختلفة فإن كل شيء في الكون يرجع إلى ما كان
عليه ، هذا ما تسلكه الأجرام السماوية في حركتها الدورية في أفلاكها الخاصة ، على
ما نجد في حركة كواكب المجموعة الشمسية و حركة الأقمار حول الكواكب .