والفريسيون PHAREESIS ، الذين ظهروا لأول مرة قبل الميلاد بمائتي سنة ، وتبئوا المسرح
اليهودي حتى مائتي سنة بعد الميلاد ، هم الذين أوجدوا القانون الشفهي ، وهم يتبعون
الحاخام "عزرا" EZRA "المتوفَّى 444 ق. م" ، والكتبة اليهود الأقدمين الذين يشار إليهم
باسم "رجال الكنيس العظيم" MEN
OF GREAT SYNOGOGUE الذين يعتبرون "عزرا" أكبر معلم يهودي بعد موسى -عليه السلام ،
يشار إليهم باسم "رجال
31 | 36939
وفريسي معناها المنشق" ولعل مرجع هذا المعنى إلى أنهم انشقوا عن مسلك عامة
اليهود التابعين لتعاليم التوراة ، أو أنهم انشقوا عن الطائفة اليهودية التي تسمى
"الصادوقية" Sadduccees التي كانت أول من ثار ضد الفريسيين الذين يتبعون أهواءهم ، ثم ظهرت
الحركة الكرائية "أو القرائية" من بين الفريسيين أنفسهم ، التي نادت ببطلان العقائد
الفريسية ورفضت التلمود الذي اختلقه الفريسيون لإرضاء نزواتهم وأهوائهم ، كما أن
اليهود الإصلاحيون REFORM JEWS أيضًا أنكروا أن القانون الشفهي "التلمود" منزَّل من السماء أو
مروي عن موسى ، وقد اعتبرتهم اليهودية الأرثوذكسية الحديثة MODERN ORTHODOXY ضالين. وهذه الأرثوذكسية حسب شهادة دائرة المعارف اليهودية العامة
تؤمن بالقانون الشفهي "التلمود" إيمان الفريسيين1 به ، ويضيف المحرر
:
___________
1 مادة ORAL
LAW.
مما يجدر ذكره أن هذه الأرثوذكسية اليهودية هي الحاكمة في
إسرائيل اليوم ، ولا تزال الأزمة ماثلة أمام غينيا ، تلك التي وقعت بين الحاخام
الأكبر "الأرثوذكسي" لإسرائيل وبين الحكومة بشأن "من هو اليهودي؟ ففي رأي الحكومة
والمحكمة العليا الإسرائيلية أن الإسرائيلي يهودي ، أما الحاخام الأكبر فقد رفض
اعتبار أي شخص يهودي لم يكن ابنًا لأب وأم يهوديين معترف بهما من الكنيس الأرثوذكسي
، وقد رفض اعتبار امرأة أمريكية تهودت على يد حاخام متحرر "تابع لليهودية المتحررة
"الإصلاحية" لا تعترف به الدولة المزعومة في فلسطين المحتلة ، ويتضح من هذا أن
المسيطرين "بل الأغلبية الكبرى لليهود اليوم" هم الأرثوذكس ، وهم الحاكمون في
إسرائيل.
32 | 36939
أن
اليهودية المتحررة الحديثة Modern Liberal Judaism تؤمن بأن كلا القانونين المكتوب والشفهي نتاج العبقرية اليهودية
الدينية ، ولكنها تؤمن بأنه يجب تعديل هذه القوانين من وقت لآخر حسب الحاجة
وانسجامًا مع الفكر الديني المعاصر. وكلتاهما "الأرثوذكسية والمتحررة" متفقتان على
أن القانون الشفهي منع القانون المكتوب من التجمد والصرامة ، بأن أضاف إليه عناصر
جديدة وعادات شعبية ، وقوانين جديدة ، أي أنَّ اليهود استطاعوا تطوير قانونهم
ليلائم الظروف الجديدة.
إن الذي جعل اليهود يتشبَّثون بتعاليم التلمود هو
الانهيار المفاجئ لشوكتهم وإغلاق كل مدارسهم مرة واحدة ، الأمر الذي جعلهم يبحثون
عن تعاليم جديدة للمرحلة القادمة ، ووجدوها في التلمود الذي يعلمهم على مواصلة
الحياة بالانغلاق والسيطرة على المجتمع تمهيدًا لإقامة إمبراطورية عالمية". يقول
الدكتور جوزيف باركلي :
"رغم أن أي مجمع يهودي عام لم يتبين التلمود رسميًّا ،
إلّا أن اليهود الأرثوذكس -مستقيمي العقيدة- تبنوه ؛ لأنه زودهم بشيء شعروا بحاجتهم
إليه".
وفي رأي الدكتور أ. فابيان أن التلمود "أسهم بقوة في
33 |
36939
حفظ
"اليهودي الديني القومي" بأن مكَّنه من أن يتأقلم مع كل زمان ومكان ، في كل دولة
ومجتمع ، وفي كل درجة من الحضارة" ، وينقل فابيان قول جينز برجب
Ginzberg l :
"أعطى التلمود اليهودي جنة روحية خالدة يلجأ إليها كيفما شاء
، هاربًا من العالم الخارجي بكل ما فيه من حقد ومظالم ، وعلى صفحات التلمود وجدت
أجيال اليهود المتعاقبة إشباعًا لأعمق أمانيها الدينية ، وكذلك وجد اليهود في
التلمود نافذتهم لأسمى استلهاماتهم الفكرية ، ورغم أن العالم قد انقطع عن قرونه
الماضية ، فإن التلمود لا يزال بعد التوراة القوة الروحية والأخلاقية المثمرة في
الحياة اليهودية".
وكما قال إسرائيل أبرا هامز :
"The
Jew Survived through the Talmud, as the Talmud Survived in him" :
"بقي اليهودي بسبب التلمود ، بينما بقي التلمود في
اليهودي".
ثم يمضي د. فابيان يقول : "الحياة اليهودية حتى هذا اليوم مؤسسة إلى
حد كبير على التعاليم والأسس التلمودية ، فطقوسنا وكتاب صلاتنا واحتفالاتنا
liturgy ، وقوانين زواجنا ، بالإضافة إلى قوانين وأسس أخرى كثيرة مستخرجة
مباشرة من التلمود ، والتلمود هو الذي تعزى
34 |
36939
إليه
الصفات التي يتميز بها اليهودي ، فالاتزان في الشخصية ، والتصدق ، ونزعته إلى
الحرية الاجتماعية ، وعلاقته العائلية الوطيدة ، وتعطشه للتعليم ، وإمكانياته
العقلية كلها ترجع إلى التلمود والحياة اليهودية قد أثرت بهذا الكتاب".
ينقل لنا
الدكتور جوزيف قثول الحاخام "يوشوا بن ليفي" Goshua ben عن التلمود :
"He
who writes it down will have no place in the world to come, he who explains it
will be scorched".
"الذي سينسخه كتابة لن يكون له نصيب في العالم القادم "الجنة"
والذي يشرحه سوف يحرق"1.
___________
1 الأدب العبري ، ص14 ، وكذلك
THE
TALMUD ص15.
35 | 36939