ولا نص على بقية الاثني عشر
دعوى الاثني عشرية أن النبي r قال للحسن: «هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم»... والجواب من وجوه:
أحدها: أن سائر فرق الشيعة تكذب هذا النص إلا الاثني عشرية وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة.
الثاني: أن يقال: هذا معارض بما نقله غير الاثني عشرية من الشيعة من نص آخر يناقض هذا كالقائلين بإمامة غير الاثنى عشر، وبما نقله الراوندية أيضًا؛ فإن كلاً من هؤلاء يدعي من النص غير ما تدعيه الاثنا عشرية.
الثالث: أن يقال: إن علماء الشيعة المتقدمين ليس فيهم من نقل هذا النص ولا ذكره في كتاب، ولا احتج به في خطاب، وإنما اختلق هذا لما مات الحسن بن علي العسكري وقيل: إن ابنه محمدًا غائب، فحينئذ ظهر هذا النص بعد موت النبي r بنحو مائتين وخمسين سنة.
الرابع: أن يقال: أهل السنة وعلماؤهم أضعاف أضعاف الشيعة كلهم يعلمون أن هذا كذب على رسول الله r علمًا يقينيًا لا يخالطه الريب ويباهلون على ذلك.
الحادي عشر: أن المنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت يكذب مثل هذا النقل، وأنهم لم يكونوا يدعون أنه منصوص عليهم؛ بل يكذبون من يقول ذلك فضلاً عن أن يثبتوا النص على اثنى عشر([1]).
وحديث الاثني عشر لا ينطبق عليهم([2])
الذي ثبت عن النبي r في عدد الاثنى عشر ما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي r فسمعته يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيًا ولهم اثنا عشر رجلاً» ثم تكلم النبي r بكلمة خفيت عني فسألت أبي ماذا قال النبي r قال: «قال: كلهم من قريش»([3]).
وفي لفظ: «لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثنى عشر خليفة»([4]) وهؤلاء هم المذكورون في التوراة حيث قال في بشارته بإسماعيل: (وسيلد اثنى عشر عظيمًا).
وهذا النص لا يجوز أن يراد به هؤلاء الاثنا عشر؛ لأنه قال: «لا يزال الإسلام عزيزًا»([5]) و«لا يزال هذا الأمر عزيزًا»، و«لا يزال أمر الناس ماضيًا» وهذا يدل على أنه يكون أمر الناس قائمًا في زمن ولايتهم ولا يكون قائمًا إذا انقضت ولايتهم.
وعند الاثنى عشرية لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثني عشر؛ بل ما زال أمر الأمة فاسدًا منتقضًا يتولى عليهم الظالمون المعتدون؛ بل المنافقون الكافرون وأهل الحق أذل من اليهود.
فمن ظن أن هؤلاء الاثنى عشر هم الذين يعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل؛ فإن هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا عليّ بن أبي طالب، ومع هذا فلم يتمكن في خلافته من غزو الكفار ولا فتح مدينة ولا قتل كافرًا؛ بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض حتى طمع فيهم الكفار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب.
وأيضًا فالشيعة لم يستقيموا معه فإذا لم يستقيموا معه كانوا ألا يستقيموا مع غيره أوْلى وأحرى.
وأما سائر الأئمة غير عليّ فلم يكن لأحد منهم سيف لا سيما المنتظر بل هو عند من يقول بإمامته إما خائف عاجز وإما هارب مختف، ولا أفتى أحدًا في مسألة، ولا حكم في قضية، ولا يعرف له وجود فأي فائدة في الدين والدنيا حصلت من هذا لو كان موجودًا فضلاً عن أن يكون الإسلام به عزيزًا ...
ولا فائدة من إمامته إلا الاعتقادات الفاسدة، والأماني الكاذبة، والفتن بين الأمة.
وأيضًا فالإسلام عن الإمامية هو ما هم عليه وهم أذل فرق الأمة فليس في أهل الأهواء أذل من الرافضة، ولا أكتم لقوله منهم، ولا أكثر استعمالاً للنفاق منهم، وهم على زعمهم شيعة الاثنى عشر.
وأيضًا فإن عندهم ولاية المنتظر دائمًا إلى آخر الدهر وحينئذ فلا يبقى زمان يخلو عندهم من الاثنى عشر. وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين: نوع يقوم فيه أمر الأمة ونوع لا يقوم بل هو قائم في الأزمان كلها وهو خلاف الحديث الصحيح([6]).
والثاني عشر منهم مفقود فامتنع أن يكون إمامًا
وهو محمد بن الحسن العسكري (منتظر الرافضة)
وأما الإمامة فالرافضة أبعد الناس عنها فإنهم قالوا في الإمامة أسخف قول وأفسده في العقل والدين؛ فإنهم يحتالون على مجهول أو معدوم لا يرى له عين ولا أثر، ولا سمع له حس ولا خبر.
ذكر محمد بن جرير الطبري وعبدالباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب.
والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدعون أنه دخل السرداب بسامراء وهو صغير منهم من قال عمره سنتان. ومنهم من قال: ثلاث. ومنهم من قال: خمس سنين.
وهذا لو كان موجودًا معلومًا لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع أن يكون محضونًا عند من يحضنه في بدنه كأمه وأم أمه ونحوهما من أهل الحضانة، وأن يكون ماله عند من يحفظه إما وصي أبيه إن كان له وصي وإما غير الوصي ...
فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إمامًا لجميع المسلمين معصومًا لا يكون أحد مؤمنًا إلا بالإيمان به؟!
ثم هذا باتفاق منهم سواء قدر وجوده أو عدمه لا ينتفعون به لا في الدين ولا في الدنيا ولا علَّم أحدًا شيئًا ولا عرف له صفة من صفات الخير ولا الشر فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ومصالحها لا الخاصة ولا العامة.
بل إن قدر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلاً؛ فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به أصلاً ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة. والمكذبون به يعذبون عندهم على تكذيبهم به فهو شر محض لا خير فيه، وخلق مثل هذا ليس من فعل الحكيم العادل.
فأي شيء أضل من سعي من يتعب التعب الطويل، ويكثر القال والقيل، ويفارق جماعة المسلمين، ويلعن السابقين والتابعين، ويعاون الكفار والمنافقين، ويحتال بأنواع الحيل، ويسلك ما أمكنه من السبل، ويعتضد بشهود الزور، ويدلي أتباعه بحبل الغرور، ويفعل ما يطول وصفه، ومقصوده بذلك أن يكون له إمام يدله على أمر الله ونهيه ويعرفه ما يقربه إلى الله تعالى. ثم إنه لما علم اسم ذلك الإمام ونسبه لم يظفر بشيء من مطلوبه، ولا وصل إليه شيء من تعليمه وإرشاده، ولا أمره ونهيه، ولا حصل له من جهته منفعة ولا مصلحة أصلاً، إلا إذهاب نفسه وماله، وقطع الأسفار، وطول الانتظار بالليل والنهار، ومعاداة الجمهور لداخل في سرداب ليس له عمل ولا خطاب، ولو كان موجودًا بيقين، لم حصل به منفعة لهؤلاء المساكين.
فكيف وعقلاء الناس، يعلمون أنه ليس معهم إلا الإفلاس؟
ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة يدخلون في طاعة كافر أو ظالم لينالوا به بعض مقاصدهم. فبينما هم يدعون إلى طاعة إمام معصوم، أصبحوا يرجعون إلى طاعة كفور ظلوم([7]).
وهم مختلفون فيمن ادعوا النص عليه من أئمتهم وفي المنتظر منهم
قد عُلم أن الشيعة مختلفون اختلافًا كثيرًا في مسائل الإمامة، والصفات، والقدر، وغير ذلك من مسائل دينهم ... قد علم اضطرابهم فيها- في النص، وفي المنتظر منهم على أقوال: منهم من يقول ببقاء جعفر بن محمد. ومنهم من يقول ببقاء ابنه موسى.
ومنهم من يقول ببقاء عبدالله بن معاوية. ومنهم من يقول نص عليّ على الحسن والحسين، وهؤلاء يقولون على محمد بن الحنفية. وهؤلاء يقولون أوصى عليّ بن الحسين إلى ابنه أبي جعفر. وهؤلاء يقولون إلى ابنه عبدالله. وهؤلاء يقولون: أوصى إلى محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسين. وهؤلاء يقولون إن جعفرًا أوصى إلى ابنه إسماعيل. وهؤلاء يقولون أوصى إلى ابنه محمد بن إسماعيل.
وهؤلاء يقولون إلى ابنه محمد. وهؤلاء يقولون إلى ابنه عبدالله. وهؤلاء يقولون إلى ابنه موسى. وهؤلاء يسوقون النص إلى محمد بن الحسن. وهؤلاء يسوقون النص إلى بني ميمون القداح الحاكم في شيعته. وهؤلاء يسوقون النص من بني هاشم إلى بني العباس([8]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ج (4) ص (209).
([2]) ويأتي أنه إنما ينطبق على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد وعبدالملك وأولاده وبينهم عمر بن عبدالعزيز.
([3]) أخرجه مسلم رقم (1821) البخاري ك (93) ب (51) بلفظ «يكون اثنا عشر أميرًا» الحديث.
([4]) صحيح مسلم رقم (1821).
([5]) «لا يزال الإسلام عزيزًا» (1821) صحيح مسلم و «لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة .. كلهم من قريش».
([6]) ج (4) ص (213، 207) ج (3) ص (117) ج (1) ص (195، 211).
([7]) ج (2) ص (164، 190) ج (3) ص (248) ج (1) ص (29، 37).
([8]) ج (2) ص (143، 144، 129- 133).