صلاة
النافلة على الراحلة للمسافر:
يجوز
التطوع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده بإجماع العلماء، ولِما ثبت في السنة، عن
عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على راحلته يسبِّح،
يومئ برأسه، قِبَل أي وِجْهة توجَّه، ولم يكن يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة" متفق
عليه.
وللفقهاء
آراء وشروط في صلاة النافلة على الرحلة:
قال
الحنفية:
إن قبلة العاجز لمرض أو ركوب على دابة جهة قدرته، ولو مضطجعاً، ويصلي بإيماء أي
يتوجه العاجز إلى أي جهة قدر، سواء أكان مسافراً أم خائفاً من عدو أو سبع أو لص، أم
هارباً من العدو. لكن يشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف
الضرر، كأن تذهب القافلة وينقطع، فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة، حتى في
ابتداء الصلاة بتكبيرة الإحرام.
والجائز
هو صلاة النفل والسنن المؤكدة إلا سنة الفجر، فلا تجوز صلاة الفرض، والواجب بأنواعه
كالوتر، والمنذور، وصلاة الجنازة، لا يجوز ذلك على الدابة بلا عذر لعدم
الحرج.
والنافلة
تجوز للمقيم الراكب خارج المصر لمسافة يجوز القصر فيها (وهي 89 كم)، كما تجوز
للمسافر بالأولى، فالأول في حكم الثاني.
وتتم
الصلاة بالإيماء بالركوع والسجود، إلى أي جهة توجهت دابته للضرورة، ولا يشترط
استقبال القبلة في الابتداء كما أشرنا، لأنه لما جازت الصلاة إلى غير جهة الكعبة،
جاز الافتتاح إلى غير جهتها.
وتصح
الصلاة ولو كان على سرج الدابة أو ركابها نجس كثير.
وقال
المالكية:
يجوز للمسافر الراكب في السفر الذي يخاف إن نزل لصاً أو سبعاً أن يتنفل بالصلاة ولو
بوتر، على الدابة إلى القبلة وغيرها بحسب اتجاه الدابة، ولو كان بمَحْمِل (وهو ما
يركب فيه من مِحَفَّة(1)
أو هَوْدَج ونحوهما مما يجلس فيه) ويصلي فيه متربعاً.
والراكب
يصلي بالإيماء، فيومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يتكلم ولا
يلتفت. ولا يشترط طهارة الأرض.
___________________
(1) المحفة
: مركب من مراكب النساء كالهَوْدَج، إلا أنها لا تُقبَّب كما تقبب
الهوادج.
واشترطوا
لجواز التنفل صوب السفر شروطاً:
1- أن
يكون السفر طويلاً سفر قصر (89 كم) ومشروعاً، فلا يتنفل العاصي بسفره.
2- وأن
يكون راكباً لا ماشياً ولا جالساً. أما الراكب في السفينة فيصلي إلى القبلة، فإن
دارت السفينة استدار.
3- وأن
يكون راكباً دابة من حمار أو بغل أو فرس أو بعير، لا سفينة أو
راجل.
4- وأن
يكون ركوبه لها على الوجه المعتاد، لا مقلوباً، أو جاعلاً رجليه معاً لجنب
واحد.
ولا
تصح صلاة فرض على ظهر الدابة، وإن كان المصلي مستقبلاً القبلة إلا في أحوال أربعة
هي:
أولها-
حالة التحام القتال مع العدو الكافر أو غيره، من كل قتال جائز لا يمكن النزول فيه
عن الدابة، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، ولا يعيد
الملتحم.
ثانيها-
حالة الخوف من عدو كسبع أو لص إن نزل عن دابته، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة
إن أمكن، وإن لم يمكن صلى لغير القبلة. فإن أمن الخائف بعد صلاته، أعاد في
الوقت.
ثالثها-
الراكب في خضخاض (قليل) من ماء، لا يطيق النزول فيه أو خشي تلطخ ثيابه، وخاف خروج
الوقت الاختياري (المعتاد) أو الضروري. ويصلي الفرض على الدابة إيماء، فإن لم يخف
خروج الوقت أخر الصلاة لآخر الاختياري.
رابعها-
حالة مرض الراكب الذي لا يطيق النزول معه، فيؤدي الفريضة إيماء على الدابة للقبلة
بعد إيقافها، كما يؤديها على الأرض بالإيماء.
وقال
الشافعية:
يجوز للمسافر سفراً مباحاً طويلاً أو قصيراً صلاة النافلة على الراحلة، ولا يجوز
ذلك للعاصي بسفره والهائم، ولا للماشي، فعليهم إتمام الشروط والأركان كلها من
استقبال القبلة وإتمام الركوع والسجود، ولا يمشي الماشي إلا في قيامه
وتشهده.
ويومئ
المتنفل بركوعه وسجوده، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، ويشترط أن يبدأ الصلاة بالاتجاه
إلى القبلة إن أمكنه. ولا تصح صلاة الآخذ بزمام الدابة إذا كان بها نجاسة، وإن وطئت
نجاسة رطبة أو جافة لم تفارقها بطلت صلاته، وتفصيل ذلك فيما يأتي
:
أ-
إن كان الراكب في مَرْقَد أو هودج (محمل واسع)، لزمه أن يتوجه إلى القبلة في جميع
صلاته وإتمام الأركان كلها أو بعضها الذي هو الركوع والسجود، لتيسره عليه، وإن لم
يسهل عليه ذلك، فلا يلزمه إلا التوجه للقبلة في تكبيرة إحرامه إن سهل عليه: بأن
تكون الدابة واقفة وأمكنه تحريفها، أو تكون سائرة وبيده زمامها، وهي سهلة القيادة.
فإن كانت صعبة أو لم يمكن تحريفها، أو كانت مقطورة لم يلزمه التوجه للقبلة للمشقة
واختلال أمر السير عليه. ويحرم انحراف المصلي عن طريقه إلا إلى
القبلة.
ودليل
اشتراط استقبال القبلة في ابتداء الصلاة: حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في السفر، وأراد أن يصلي على راحلته تطوعاً،
استقبل القبلة، وكبر، ثم صلى، حيث توجهت به" رواه أبو داود
وأحمد.
ب-
وأما الملاح في سفينة (أي قائدها) فلا يلزمه التوجه للقبلة لمشقة ذلك
عليه.
وقال
الحنابلة:
يجوز للمسافر الراكب لا الماشي، سفراً طويلاً أو قصيراً أن يتطوع في السفر على
الراحلة إذا قصد جهة معينة، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع،
قال جابر: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته
نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع" رواه أبو داود، ولا يسقط الاستقبال إذا تنفل
في الحضر كالراكب السائر في مصره أو قريته، لأنه ليس مسافراً، وليس للهائم والتائه
والسائح التنفل، إذ ليس له جهة معينة.
ويجوز
أن يصلى على البعير والحمار وغيرهما، قال ابن عمر: "رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر" رواه أبو داود والنسائي، لكن إن صلى على
حيوان نجس، فلا بد أن يكون بينهما سترة طاهرة. وقبلة المصلي: حيث كانت وجهته، ولا
يجوز انحرافه عن جهة سيره عند الإمكان إلا إلى القبلة، فإن فعل ذلك مغلوباً أو
نائماً فهو على صلاته. وإن كان في مركب أو سفينة كبيرة يدور فيه كيفما شاء، ويتمكن
من الصلاة إلى القبلة والركوع والسجود، فعليه استقبال القبلة في صلاته، ويسجد على
ما هو عليه إن أمكنه ذلك. وإن قدر على الاستقبال دون الركوع والسجود، استقبل القبلة
وأومأ بهما.
وإن
عجز عن الاستقبال سقط بغير خلاف، كما يسقط الاستقبال لأعذار أخرى كالتحام حرب وهرب
من سيل أو نار أو سبع ونحوه، ولو كان العذر نادراً كمريض عجز عن الاستقبال، وكمقعد
عجز عمن يديره إلى القبلة وكمربوط ونحوه. وإن عجز عن الاستقبال في ابتداء صلاته،
كراكب راحلة لا تطيعه، أو كان في قافلة (قطار) فليس عليه استقبال القبلة في شيء من
الصلاة. ولا يلزم الملاح في سفينة الاتجاه إلى القبلة ولو في الفرض، لحاجته إلى
تسيير السفينة وإن أمكنه افتتاح الصلاة إلى القبلة يلزمه كراكب راحلة منفردة تطيعه
لحديث أنس السابق في مذهب الشافعية.
ويجوز
للمسافر التنفل على الراحلة ولو كانت النافلة وتراً أو غيره من سنن الرواتب وسجود
التلاوة. والماشي في السفر لا تباح له الصلاة في حال مشيه، بل يلزمه افتتاح النافلة
إلى القبلة، كما يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة على الأرض لتيسر ذلك عليه مع
متابعة سيره، ويفعل باقي الصلاة إلى جهة سيره.
وأما
الصلاة على الراحلة لأجل المرض فإنه يجوز، لأن المشقة بالنزول في المرض أشد منها
بالنزول في المطر. ومن صلى على الراحلة لمرض أو مطر، فليس له ترك
الاستقبال.
والخلاصة:
أن الفقهاء اتفقوا على جواز الصلاة على الراحلة في السفر الطويل، وعل كون الصلاة
بالإيماء، واختلفوا في السفر القصير، فأجازها الشافعية والحنابلة، ومنعها
المالكية والحنفية.
وليس
استقبال القبلة شرطاً عند الحنفية والمالكية، وهو شرط عند الشافعية
والحنابلة في بداية الإحرام بالصلاة عند الإمكان، ويسقط بالعجز، بأن لم يمكنه
افتتاح النافلة إلى القبلة، بلا مشقة، كأن يكون مركوبه حَرُوناً تصعب عليه
إدارته.
ولا
يضر اشتمال الدابة على نجاسة عند الحنفية والمالكية، ويضر ذلك عند
الشافعية، وتصح الصلاة عند الحنابلة بشرط وجود ساتر، إذ إنه يشترط لصحة
التنفل طهارة محل المصلي نحو سرج وإكاف كغيره، لعدم المشقة فيه، فإن كان المركوب
نجس العين، أو أصاب موضع الركوب منه نجاسة، وفوقه حائل طاهر، من برذعة ونحوها، صحت
الصلاة، وإن وطئت دابته نجاسة، لم تبطل صلاته عند الحنابلة.
ولا
تصح صلاة الفرض على الدابة إلا إذا أتى بها كاملة الأركان مستوفية الشروط. ومن صلى
في سفينة عليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك، وعليه إذا غيرت جهتها أن يدور لو
دارت السفينة وهو يصلي