لماذا تصر الكنيسة على التمسك
بكتب بولس وإعتبارها جزءً لا يتجزأ من الكتاب المقدس ؟
( تحليل دوافع ذلك )
من الملفت للنظر أن
الكنائس الكبيرة لم تتهيأ لإخراج كتابات بولس من الكتاب المقدس لتنقيحها ، على
الرغم من أن الحاجة إلى الإصلاح تكاد تكون قد وصلت إلى أبعد من كونها الآن ضرورة
مُلحَّة ، تماماً مثل الموضوع الذي نحن بصدده ، وما ينطبق على الكنائس الكبيرة يسري
أيضاً على الطوائف الأخرى .
ويبدو من النظرة الأولى أن
المقاومة التي تَلْقاها عملية إلغاء رسائل بولس من الكتاب المقدس في بعض الدوائر
الدينية الجديدة مثيراً للتساؤل ، حيث يكمن الدافع هنا في أن يتمكنوا من توضيح موقف
الكنائس بصورة ما تجعلها تسقط أساساً من الحسبان . وهم أناس لم ينتظر منهم مثل هذا
الموقف الذي يدافعون فيه عن بولس بهذه الصورة غير المتوقعة ، لأن مراكزهم التعليمية
تتناقض تماماً مع مثيلتها عند بولس .
إلا أنهم على الرغم من ذلك
يتولون الدفاع عنه ، بل إنهم يبحثون عن حجج ، تؤثر بدورها في موقفهم هذا تأثيراً
سلبياً يثير الشبهات حولهم.
والسبب في ذلك يرجع إلى الآتي :
1-
سكوت الكنائس الكبرى ومعارضتها ومقاومة رجال الدين بالكنيسة .
ويرجع سبب دفاعهم عن بولس
وتركهم إياه كل هذا الوقت في مركزه التقليدي بل وموافقتهم على وجوده في الكتاب
المقدس إلى الأسباب الآتية :
أ - أن بولس كما قلنا سابقاً هو الذي يقدم لنا الأساس الإنجيلي الوحيد لفهم سلطة
الكنيسة التي تمارس حتى اليوم ، وإذا لم يتمسك قانونها الأساسي ( الكتاب المقدس)
بآراء بولس تجاه الدولة ورجال السلطة وأغنياء العالم ، فسوف يفقد رجال الكنيسة
وكنيستهم حماية الدولة المعروفة لهم فوراً ، وبالطبع فهم يدركون تماماً ما أسداه له
الإصحاح (13) من رسالة بولس إلى أهل رومية بشأن الدولة من خدمات ساعدت في تحقيق
طموحهم في سياسة القوة عبر القرون .
ونحن نعي تماماً أن طيبة
الإنسان تفرض عليه ألا يستسلم للفشل دون مقاومة .
ب - والأهم من ذلك هو أن
بولس يضمن لرجال الأكليروس36 - وهم أيضاً بشر - التمتع بنصيب ضخم من ثروات هذا
العالم (السلطة والجاه والثراء)، بينما يعجز بل ويفشل كل من يتبع الأناجيل ويربط
حياته بإنكار الذات والفقر والخدمة والزهد، وقد رأينا أن كلمات بولس قد قلبت نصوص
عيسى رأساً على عقب .
فمن يمكنه في العالم أجمع
أن يتخلى عن الجاه والهيبة والمرتب الضخم والسلطة أضف إلى ذلك ضمانه لمكانة ممتازة
في " السماء " ؟
وبينما نرى عيسى يُلزم
تلاميذه إلزاماً قاطعاً بعدم طلب أجر على خدمتهم الروحية ، نرى بولس يؤكد - هنا على
الأخص على رجال الدين - أن الذين يخدمون المذبح يعيشون أيضاً منه*، لذلك نرى
البولسيّ الكبير كارل بارت Karl Bart قد كرس نفسه دون أن يوخذه ضميره للمطالبة
رسمياً بمرتب أعلى من تلك التي حددته له الحكومة عام 1927 وهو (12000) فرانك سويسري
(ارجع إلى " الدولة والكنيسة في إقليم برن Staat und Kirche in Kanton Bern إصدار
1951 صفحة 44).
ومن المعروف أن القساوسة لدينا يطالبون بمرتبات عظيمة ويحصلون عليها، بجانب الخدمات
الإضافية ( من المساكن الفخمة والسيارة والمعاش وغيره)** أما الأساقفة فيحصلون على
مكافآت ضخمة حتى أمكنهم العيش في سراي قصر بمعنى الكلمة ، وإلى حد يمكنهم اليوم
الإستمرار في ذلك أيضاً37 .
ونسى رجال الكنيسة الذي
ينبغي لهم أن يتشبهوا بتلاميذ عيسى الأوفياء أن عيسى قد حرّم على تلاميذه، بل أبى
عليهم أصطحاب كيس نقودهم معهم عند تأدية أية عمل ، كما ألزمهم العيش من إحسان الشعب
عليهم38.
وبينما يلزم عيسى تلاميذه أن يكون كل منهم " الأصغر " بصورة حقيقية (وليست فقط
كلاماً مثل "خدم الله") إلا أن بولس يقترح عليهم بوضوح كاف أن يحكموا ، بل لتمتد
أوامرهم بقدر الإمكان لتخرج من الكنيسة . وهذا ما كانت تفعله الكنيسة دائماً
(تيموثاوس الأولى 4 : 11 ؛ 1 : 3) " كما طلبت
إليك أن تمكث في أفسس إذ كنت أنا ذاهب إلى مكدونية لكي توصي قوماً أن لا يعلموا
تعليماً آخر" الأمر الذي يعبر بصدق عن نية رجال الدين الكنسيّ .
وهذا النظام الصارم
المتدرج للكنيسة المسيحية، قد تطور وكمل تماماً في عصر الإضطهاد الديني للمسيحيين،
وقد أثر هذا النظام أيضاً على قسطنطين الأكبر تأثيراً كبيراً، لأنه وافق طباعه
المستبدة ، وكان يخدم أغراضه .
كما قال عيسى لتلاميذه
الفقراء إن من يبحث عن المجد والإكرام عند الناس ، فيجب ألا ينتظره عند الله، إلا
أن بولس قد قال: "اعطوا الإكرام لمن له
الإكرام" (رومية 13 : 7) ، وقد دعّم
رأيه هذا من أجل رجال الأكليروس بقوله في
( تيموثاوس الأولى 3 :1؛ 3 :13) "لأن الذين تسموا حسناً يقتنون لأنفسهم درجة حسنة
وثقة كثيرة في الإيمان الذي بالمسيح يسوع"
، 5: 17، 19 من ترجمة إنجيل زيوريخ .
لهذا يبحث رجل الإكليروس عن المجد بلا حدود، لدرجة أن بعض الحكام الدنيويين قد
ملأتهم الغيرة والحسد على المجد الذي ناله رجال الإكليروس . وقد تفاقم هذا الأمر
إلى أن طلب أحد الأساقفة على عهد قسطنطين على أحد المآدب أن يقدم إليه أولاً الكأس
ثم يقدم بعد ذلك إلى القيصر !
بل إن بولس قد بلغ أبعد من
ذلك فقد زكّى الطموح البغيض لنيل مكانة رجال الأكليروس ، حيث قال : يا له من شيء
جميل أن يتطلع الإنسان إلى وظيفة أسقف39 ! وهذا ما لم يكرره رجال الإكليروس مرة
ثانية ، لذلك يقص علينا المؤرخون أن رجال الإكليروس كانوا يتنازعون على مناصب
الأسقف بشكل جد منحط ، وعلى الأخص مكانة البطريرك في القرنين الرابع والخامس حيث
كانوا يلجأون إلى كل الوسائل* لنيل هذا المنصب . وقد أصبحت مثل هذه الخصومات فيما
بعد لا تتم عادة بشكل علني .
ج - كذلك يكن رجال اللاهوت
تقديراً كبيراً لبولس لا سبب لذلك إلا أنه كان أول لاهوتي وعلى النقيض من عيسى الذي
رفض علم اللاهوت كله ، وتكلم عن رجال الدين بصورة أسوأ ما تكون ، فقد أعلى بولس من
شأن مكانة المعلم، والتعاليم نفسها، وعلى الأخص " العقيدة السليمة " الأورثوذكسية ،
وبالتالي كان ذلك الأساس الذي أدى إلى تطلع المرء ليس فقط إلى مهنة تعليمية لدى
الكنيسة بل أيضاً إلى ظواهر أخرى مثل محاكم التفتيش واضطهاد مخالفي العقيدة.
ولم يكن هذا ليحدث لولا
وجود بولس الذي أدى إلى إعلاء شأن تعاليمه واللاهوت والإمتيازات40 التى يتمتع بها
النظام الكنسي.
ويجب أن نذكر أنه لم يكن
بين حواري عيسى الحقيقيين الذين قام هو بإختيارهم عالم واحد -ولم يكن أيضاً- على
الأخص -لاهوتي ولا كاتب ولا فريسيّ.
د - تبين لنا أحد نقاط
الضعف الإنساني - وهو شيء طبيعي - أن الكنائس ورؤســائها ليس لديهم أية إهتمام
بمسألة إخراج بولس وكتاباته من الكتاب المقدس . وكان يمكننا أن نتفهم - لولا أن هذا
شيء مرتبط بالحق وإعاقة الأعمال الوحشية - أن الكنيسة لا تريد إخبار مؤمنيها بهذا
وإلا ضاع ما حرصت عليه لمدة 2000 عام ، وأنها ما كانت تحتفل به وبتعاليمه ولسقط إلى
أسفل سافلين (على الأخص أن الكنيسة قد استولت على المكانة التعليمية لعيسى وتركت له
المذبح فقط، الأمر الذي لا يخيفها، حيث لا توجد خطورة منه تجاهه، ثم توجته عليه) .
وأهل العلم يعرفون أن 90%
من العقائد الأساسية التي تتمتع بها المسيحية التقليدية اليوم تقوم على نصوص بولس !
ومن هنا نفهم خوف الكنيسة
من أن لاتعيش مطلقاً بعد مفاتحة شعبها بهذا ونفهم هذا الخوف الطبيعي من النتائج إذا
ما تدبرنا أن أهم العقائد الرئيسية للكنيسة وتعاليمها ترجع أساساً إلى بولس .
وبالتخلي عن بولس يجب
أيضاً على كل الكنائس ليس فقط مراجعة معظم وأهم عقائدها وتعاليمها بل التخلي عنها
ببساطة ويسر. وهذا يتطلب بالطبع قوة غير عادية لإفهام الأمة أننا قد أخطأنا لمدة
2000 عام في تعاليم هذه العقائد ونشرها.
هـ - لذلك يضايق الكنائس
ورجال الإكليروس أن يخرج بولس من الكتاب المقدس لأن كتاباته تحتوي أيضاً على نظرية
" Fünfer- und Weggli-Theorie" التي تقضي بإمكانية إنقاذ المرء دون أدنى مجهود يقوم
هو به، وعلى الأخص عن طريق المعروف الذي أسداه إلينا المسيح عيسى ، بينما تبوء كل
محاولة فريدة لتخليص النفس بالفشل ، وتعد خطيئة* .
وربما تخشى الكنائس عن حق
من الضمور الكبير الذي يمكن أن يحيط بها إذا ما طلبت من الشعب مستقبلاً - تبعاً
لتعاليم عيسى إن ينكر نفسه ويُكرهها على الدخول في " ملكوت السموات " .
ونقول في الحقيقة ذلك
للشعب لأن الإنجيل قد نادى به ، أما عقيدة بولس وتعاليمه عن خلاص البشرية من كل جهد
ذاتي فستكون دائماً تحت أقدامنا .
ومن كل هذه السباب التي يمكننا مضاعفتها بسهولة، يتنازل رجال دين الكنيسة عن عيسى
بسهولة ويسر أكثر من أن يتركوا بولس يخرج من الكتاب المقدس .
لذلك أصبح من الميسور أن
نرى لاهوتي المسيحية قد بدأوا يجحدون عيسى وينكرون وجوده بكل صراحة، لأنه يمكنهم
الحياة بدونه ، لكن صَعُبَ أن يحيوا بدون بولس ، الذي أصبح عندهم بمثابة حجر
الزاوية الحقيقي .
وتحت كل هذه الظروف التي
سُقناها أصبح من الواضح أن الكنائس ورجالها قد بذلوا ما في وسعهم لكي يضمنوا السلطة
العليا للكتابات البولسية ، التي يساوونها بالأناجيل وتظل هذه السلطة العليا باقية
ما بقيت كتاباته، تعامل معاملة أجزاء الكتاب المقدس، وتعتبر ( ككلمة الله المعصومة
) مقدسة في أعين رجال اللاهوت والشعب المؤمن ( وهو إفتراض كان لابد أن يتم القضاء
عليه منذ زمن بعيد وعلى الأخص عندما نفكر أن جزءا كبيراً جداً من نصوص الكتاب
المقدس قد يكون أى شيء إلا أن يكون يكون مقدساً أونطمأن إليه).
ولا بد من الأخذ في
الإعتبار أن كل هذا تصرف طبيعي للإنسان إلا أننا نستسيغه ولكن لا نستصوبه، فهو لا
يعدو أن يكون أكثر من أنانية بالغة، وربما كان هذا طبيعي بالنسبة لرجال اللاهوت
لدرجة يصعب معها أن تركوا بولس أو يخرجوه من الكتاب المقدس، حتى أصبح من الضروري أن
يتولى مثل هذه المهمة أناس غير رجال الدين (اللاهوتي) .
2
- أما إعتراض الطوائف الأخرى فهو يرجع جزئياً إلى نفس هذه الأسباب التي إعترضت
عليها الكنائس، وذلك لأن رؤساء الطوائف يحبون أيضاً أن يتمتعوا بالمجد وأن يكونوا
داخل طائفتهم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة، الأمر الذي مكنهم بولس منه.
ويضاف إلى ذلك أيضاً شيء
مختلف تماماً : وهو أن التشكك في الكتاب المقدس يتضمن بداهة الإختلاف، أي الحكم
الشخصي على درجة صحة ودرجة حقيقة كل جملة وكل جزء من أجزاء الكتاب المقدس، وهذا ما
لا ترغبه الطوائف المسيحية، فهم يريدون التمسك بشيء ثابت ومُلزم حتى يمكنهم القول :
"الكتاب يقول هنا كذا . . . . وكفى" .
وبالمناسبة فإن قادة
الطوائف المسيحية غير مثقفين ، ولذلك فهم غير مؤهلين بالمرة لإبداء الرأي والإختلاف
فيه . ولا يستطيع صغار المفكرين بداهة الإستغناء عن التمسك بنص مقدس محدد . (ارجع
إلى كتابنا " الدين العالمي Universelle Religion " إصدار عام 1983 - وهو الكتاب
الرابع في السلسلة للتعرف على مصطلح " الطائفة ").
3-
..علام يرجع الســبب إذن في أنــنـا نجــد في الدوائر الدينية الجــديدة ، مدافعين
عن بولس على الرغم من أن المرء قد تخلص هنا تماماً من سُلطة الكتاب المقدس ، كما
سقطت منذ زمن بشارة بولــس المركزية التي تقضي بخــلاص البشــرية عن طريق دم عيسى ؟
من الخطأ أن نضع البيض كله
في سلة واحدة ، فإن المفكرين الدينيين الجدد لا يزالون مختلفين تماماً على أن مثل
هذا متاح ، ولكن يمكننا أن نقوم ببعض المحاولات للتوضيح :
أ - يكمن الدافع عند البعض
- الأمر الذي دلّلت عليه بعض صيغ الرسائل البولسية - أن أية كلمة لبولس قد أصبحت
نصهم الخاص المفضل لديهم ، وربما كان ذلك منذ تعميده ، وربما كان من السهل علينا أن
نجد نصوصاً لبولس في الكتاب المقدس - كما أكدنا ذلك مراراً - تعد من أجدد ما نجده
أيضاً في الأدب الديني العالمي .
ومما يثير التعجب أن مثل
هؤلاء الناس يحسون بخطورة إفتراضاتنا هذه على نصوصهم المفضلة إليهم ، ولكن ليس
الأمر كذلك مطلقاً .
وربما لم يلاحظوا أن
المدافعين عن هذا الإفتراض الذي أمامكم لا يهمهم إطلاقاً إستبعاد بولس تماماً عن
الدين ، ولكن ما يهمهم هو عدم إعتبار رسالاته وكتاباته مقدسة ، وعدم مساواتها
بكلمات الله المعصومة ، وعدم تمتعها بسيادة مطلقة كما كانت منذ قرون عديدة بسبب
الأخطاء الفادحة الكثيرة التي تملأها ، والتي كان لها عواقب لا تحمد .
فلا يوجد ما يمنعنا إذن من
تقدير بولس كما كان من قبل كعبقرية دينية وإحترام نصوصه القيمة وإعطائها سلطة "
الأباء "41 . وهذا ما طالب به أناس من اللاهوتيين كان من بينهم إيمانويل سيفيدنبورج
، وكل ذلك شريط أن تقبل نظريتنا المقترحة .
يتمتع أغلب المدافعين عن
بولس الذين ينتمون إلى الطوائف الدينية المختلفة بمثل هذه الدوافع ، وغالباً ما
يكون هؤلاء الناس على إقتناع متسرع بعدم استمرار تأملاتهم هذه إذا ما افترضنا عليهم
- مستخدمين أيضاً نفس هذه الحقوق - قداسة نصوص جوته والكثير من الأدباء الآخرين -
حتى نيتشه الذي لاقى الكثير - وإدخالها ضمن أجزاء الكتاب المقدس ، حيث يتمتع جزء
كبير من مثل هذه النصوص بدرجة عالية جداً من الصحة .
ب -ونلاحظ عند بعض
المدافعين عن بولس في الديانات الجديدة أنهم لا يريدون إخراج بولس من الكتاب المقدس
- تماماً مثل الكنائس - لأن نصوص بولس أو أفكاره تلعب دوراً هاماً في نظامهم
الدنيوي الذي لا يكادون يعلنون عنه ، وربما كان الجزء البولسيّ في نظامهم هو
مفهومهم المفضل إليهم ، والذي يخشون عليه من الإنهيار - مثل بيت مبني بأوراق
الكوتشينة - إذا ما خرج بولس من قانونية الكتاب المقدس .
وغالباً لا يوجد ما يعلل
هذا الخوف الذي يتملكهم (على عكس ما نجده لدى الكنائس الكبيرة)، إلا أننا نتفهم هذا
من جانب هذه الطوائف، الأمر الذي أدى بهم إلى الدفاع عن إنهزام بولس .
ويبدو أن هذه الخطوة ليست
كبيرة لدرجة أن نتجاهل بشكل غير موضوعي الحجج التي لابد أن يُسلَّم بها ، مما يؤدي
إلى عواقب وخيمة لابد لنا أن نتحملها .
إن العقبة التي تقف أمام
هؤلاء الناس الذين ينتمون إلى معسكر الطوائف الدينية الجديدة يكمن في أنهم قد سجلوا
نصوص بولس ضمن نصوصهم في تقليد غير واع لما يألفه اللاهوتين بصفتها نصوص الكتاب
المقدس بالمعنى التقليدي ، ولا يرون إمكانية التراجع فيها بعد ذلك. ويمكن إضافة
أسباب تافهة جداً إلى ذلك منها أن المرء لا يحب تعديل ما كتبه للدعاية، ولا حتى
يعيد صياغته .
ويُدرج أعضاء هذه الطوائف
- وهي حالة خاصة - في قائمة الطوائف التي تقضي نظمهم بتبني الصورة السلبية القديمة
للجنس، ولا تنقطع الحياة من وجود مثل هؤلاء الناس. وقد عرفت أن بولس هو الذي اعتبر
الجنس من الخطايا.
جـ - وهناك الكثيرون ممن
يدافعون عن بولس يقومون بهذا بدافع تقديرهم الكبير له، حيث ساهمت القرون العديدة في
تعظيم ذلك الرجل لديهم .
ويجب التنويه هنا إلى أنه
لا يعنينا إسقاط شخص بولس . فقد أكدنا من البداية أننا نعتبر بولس أحد المحاربين
الأبطال ، ولكن ليس هذا بعد سبباً في إتخاذ كلامه مساوياً لكلام الله، أو يعلوا علو
السماء عن كلام أية شخصية دينية أخرى، أو أنه غير مصرح بنقده ، وإلا لكان المرء
أعلن دون تردد أن كلام غاندي وآرائه على سبيل المثال تتمتع بعصمة الله المطلقة على
الرغم من أنها ذات قيمة أكبر بكثير مما تتمتع به نصوص بولس .
د - ويجب أن نقول أيضاً
أنه هناك الكثير من معتنقي الديانات الطائفية الجديدة يجدون صعوبة في التآلف مع
أفكار جديدة وتقبلها . " فقد كان بولس دائماً جزءاً من الإنجيل ، ولذلك ينبغي أن
يظل أيضاً هكذا " .
" وإذا كان الأمر كذلك
فعلى اليابانيين منذ ثلاثين عاماً أن يقولوا : " إن قيصرنا كان دائماً إلهنا، ولابد
له أن يظل أيضاً كذلك! " ومن المعلوم أن مثل هذا الوضع يعيق كل تقدم وتطور .
هـ - وأخيراً نشير إلى أحد
البراهين الساذجة التي تكاد تخيف المرء أن يناقشها وهي تقابلنا كثيراً جداً بشكل
يدعوا للتعجب ، لذلك كان علينا أن نعلق عليها :
كتب لي منذ قليل السيد × (
إكس ) ، ونحن نستنتج من بقية خطابه أنه ليس جاهلاً ( وهذا يجعلنا نخمن أنه كان
مرتبكاً ) ، ومع ذلك فهو لا يع كيف يمكننا مهاجمة بولس ورفضه ، على الرغم من أن
عيسى قد تراءى لبولس بالصورة المعروفة وأخبره أنه أحد تلاميذه المصطفين ، بل أكثر
من ذلك فقد أعلن بولس نفسه أن من يبشر بإنجيل آخر فهو ملعون .
وفي الحقيقة فأنا لا أفهم
كيف يستخدم إنسان ذكي هذا كحجة على صحة كلامه ، فإذا ما ادعى الســيد (ماير) أنه
صاحب الحــق والوريث الشرعي الذي يبحثون عنه منذ عدة سنوات للمليونير الكبير
المتوفي السيد (×)، فلن يجد قاضياً يحكم له بأنه الوريث فقط لأنه قال ذلك. وقد قال
عيسى نفسه: "إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حق" (أى إنها ليست ذات قيمة) (يوحنا 5
:31)*.
ولا ينبغي لنا أن نقبل أية
تعاليم فقط من أجل سُلطة قائلها وعلى الأخص في المسائل التي تتعلق بالعقيدة ، حتى
بوذا نفسه قد قال إنه لا ينبغي لنا أن نؤمن فقط من أجل أنه قال ، بل فقط نقتنع به
بعد التفكير فيه بأنفسنا .