1- العقل نعمة من الله عز وجل. 2- ذهاب العقل يجر إلى البلاء والفتنة. 3- أدلة تحريم الخمر ولعن عشرة فيها. 4- أضرار الخمر والمخدرات الاجتماعية. 5- أسباب انتشار الخمر بين المسلمين. 6- ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأشكاله لرد هذا الفساد. 7- دعوة إلى هجر الذنوب والخوف من عقوبة الله.
الخطبة الأولى
أما بعد :
فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.
إخوة الدين والعقيدة: امتن الله سبحانه وتعالى على بني الإنسان بنعم عديدة لا يحصرها قلم أو تحيط بها سطور أو خطب ومن أسمى هذه النعم وأزكاها: نعمة العقل التي ميزه الله بها عن الحيوانات بها يعرف الحق من الباطل، ويميز بين الضار والنافع ويدرك الحلال والحرام ومن هنا خص بالتكليف وحصلت له الكرامة ويشرق هذا العقل وخطورة ذهابه فقد طالبنا الشرع المطهر بالمحافظة عليه وحذرنا من إذهابه بأي وسيلة من الوسائل .
روى البيهقي بإسناد صحيح عن عثمان بن عفان أنه قال كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فأحبته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فجاء البيت ودخل معها فكانت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى وصل إلى امرأة وضيئة أي حسناء جميلة جالسة عندها غلام وإناء خمر فقالت له إنها ما دعته لشهادة وإنما دعته ليقع عليها أو يقتل الغلام أو يشرب الخمر فلما رأى أنه لا بد له من أحد هذه الأمور تهاون بالخمر فشربه فسكر ثم زنى بالمرأة وقتل الغلام قال أمير المؤمنين عثمان فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه .
إخوة الإيمان : حديثنا اليوم عن داء خطير من صنوف الخبائث بل أم الخبائث إنها الخمر والمسكرات والمخدرات والتي ما انتشرت في مجتمع من المجتمعات فسكتوا عن إنكارها على مر التاريخ إلا وكتب لذلك المجتمع الانهيار والنهاية، والخمر والمخدرات من الوسائل التي تذهب العقل ولقد توعد الشارع من استخدم هذه المسكرات التي هي سبب في ذهاب العقول توعده بالوعيد الشديد والعذاب الأليم في الآخرة، فقد حذر الرسول من شرب الخمر وما شابهها مما يؤثر على العقل فقال فيما روى أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : (( نهى رسول الله عن كل مسكر ومفتر )) وقال (( من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال يوم القيامة قالوا وما طينة الخبال يا رسول الله قال عرق وقيح أهل النار )) كما أخبر (( أن مدمن الخمر من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم )) وفي حديث أنس بن مالك (( أن رسول الله لعن في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له )) وقد أنزل الله تعالى في كتابه قوله: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر و الميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [المائدة:90/91] تذكر لنا كتب التفسير أن هذه الآية حين نزلت على النبي فسمعها الصحابة قالوا مباشرة انتهينا حتى أن بعضهم كان قد رفع كأسه ليشربها فأراقها وأراقها الصحابة حتى سالت بها طرق المدينة ويقول (( مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن )) وقال (( من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا )) ولهذه النصوص مجتمعه وغيرها مما لا يتسع لنا ذكره يتبين لنا شدة حرمة الخمر والمخدرات ، وما كان هذا الوعيد وذلك التهديد إلا لمكانة هذا العقل الذي أكرم لله به الإنسان وهو بذلك يساوي بعقله عقول الحيوانات والمجانين ومن فقدوا العقل والرأي، ولو فكر ذلك المسكين الذي كان سببا في إذهاب عقله بنفسه لأدرك عظيم الخطر الذي هو واقع فيه، فكم من المصائب التي سوف تلحق به وبأسرته، ولا شك أننا في حديثنا عن الخمر لا يمكن أن نغفل الحديث عن آفة العصر التي تقضي على الأمة ألا وهي المخدرات التي تنتشر الآن بصورة رهيبة في العالم وتوغلت في بنية المجتمعات شرقا وغربا وقد بات تزايد الخطر تدق بقوة هنا وهناك لأن ضحايا إدمان المخدرات أصبحوا في تزايد مستمر وأصبحت أمم العالم تواجه خطرا عظيما لا يعدله أي خطر بهذا الداء العظيم الذي يفتك بالبشرية ولعلنا إخوة الإيمان لا نستغرب وجود مثل هذا الداء العظيم على مجتمعات كفرت بالله وزعت الإباحية ووفرتها ولكن الغريب أن نراه منتشرا بين الشعوب المسلمة التي منّ الله عليها بهذا الدين العظيم فما أسباب ذلك؟ فإن وقفتنا على المسببات ومعالجة تلك الأسباب وتلافي دواعيها هو الخلاص من مثل هذه الآفات الخطيرة .
وأول هذه الأسباب : لوجود وانتشار المخدرات والمسكرات ضعف الوازع الديني والبعد عن دين الله فالشخص المتمسك بدينه المرتبط بالله جل وعلا وعباداته صدقا من صوم وصلاة النوافل وذكر لله لا يفكر أن يكون بينه وبين هذه الأدواء صلة ، يقول الله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء .[إبراهيم 27]
والسبب الثاني : من أسباب السقوط في هذه الهاوية: الفراغ الذي يعود بالأثر السيئ على صاحبه فيضطر إلى قضاء وقته بما لا ينفعه أو فيما وبدين ضعيف لا يقاوم إلى بلد تبذل لهم فيه كل ما يشتهون ثم يعودون بخسارة الدين والعرض والصحة والمال .
ومن أسباب انتشار الخمور والمخدرات وعدم الوعي بها عرضها في وسائل الإعلام والقنوات وبأشكال مغرية وأوضاع لشاربيها تدعوا أولئك المراهقين إلى ممارستها وتذوقها بدعوى اللذة والنكهة فلست أدري كيف يمضي مثل ذلك على مجتمع كمجتمعنا ويغفل عن رقابة ذلك الأباء والأولياء بل قد يسعون لتوفير كل ذلك وعدم الاعتراض عليه .
إخوة الإيمان : إن كثيرا من شبابنا ممن يقع في هذه الهاوية حينما تسأله عن سبب ذلك فلا يلبث أن يردك إلى سبب من تلك الأسباب فيتكلم لك عن رفقة سار معهم حتى أوصلوه إلى حافة الهلاك ،يكلمك عن أب أطعمه وسقاه وكساه وأسكنه، لكنه غفل عنه ولم يسأل عن حاله بل قد تمضي الأيام وهو لا يراه، والمصيبة حينما يسمح له بالسفر إلى خارج البلاد ليبيع دينه وعرضه وأخلاقه بلذاته وقد يكون سبب حاله كما يقول بعده عن الله وغفلته لإعراضه عن دينه كترك الصلوات وسائر العبادات .
إننا أيها الإخوة المؤمنون يجب أن نعود إلى أنفسنا وأن ننتبه لأسرنا ومجتمعنا وأن نعلم أن مثل هذه الأدواء غريبة على مجتمعنا وبالإيمان وحسن الرعاية والاهتمام نستطيع مقاومة هذه الأدواء فهلا قمنا بذلك هلا كنا عونا لكل شاب كاد أن يسقط في هاوية من هذه الهاويات فانتشلناه منها قبل أن يسقط ونحن بذلك نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية الحقة : إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون [الحجرات:10]
إن أضرار المخدرات والمسكرات كبيرة في المجتمع في إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس وقتل للمعنويات العالية في الإنسان وتغيب للأخلاق الفاضلة وإغراء بالفواحش كالزنا واللواط وكبائر الإثم كما يشهد لذلك واقع أولئك الذين ابتلاهم الله بذلك .
وإننا إخوة الإيمان نقف شاكرين وداعين الله لهم بالتوفيق لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجال مكافحة المخدرات ومن شاركهم والذين يقفون بجدية وتضحية لمحاربة هذا الداء العظيم ويحاربون في سبيل عدم انتشاره في مجتمعنا المؤمن بحفظه، وأن يجعل كل ذلك في ميزان حسناتهم، وإنني أدعو كل من ابتلي بقريب أو صديق قارف تلك الخطيئة أن يعزم على معالجته وإبعاده عن الأسباب المؤدية به إلى هذه السقطة وأبواب مستشفيات الأمل في بلادنا مفتوحة لعلاج مثل هؤلاء الذين حادوا عن جادة الصواب وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء لواجب الأمانة التي وضعها الله في أعناقنا نسأل الله الإعانة عليها.
فاتقوا الله يا عباد الله واسألوه العصمة من كبائر الإثم والفواحش والتوبة من جميع الإثم والمعاصي وتعاونوا على البر والتقوى ومنع الإثم والعدوان اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ووفقنا للتوبة النصوح والإنابة إليك واغفر لنا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فيا أيها الإخوة المؤمنون : اتقوا الله تعالى حق التقوى .. خرج بعض الناس صبيحة يوم الإثنين الماضي إلى صلاة الاستسقاء يدعون ربهم ويتضرعون إليه طلبا لنزول الغيث … ولا شك إخوة الإيمان أنه وجب علينا أن نراجع حساباتنا مع أنفسنا فما زال ربنا جل وعلا يرسل لنا الآيات تخويفا وإنذاراً بالعقوبة ويحذرنا بذلك من مقارفة ما يغضبه والرجوع إليه ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، إن على أمة الإسلام دولا وشعوبا أن ينتبهوا لذلك النذير، ولعل من آخر تلك النذر فقد الأمن ومنه هذا الزلزال الذي شمل أرضا كبيرة وخلف أضرارا كثيرة.
أيها الإخوة: إنه ليس بيننا وبين الله نسب حتى تكون العقوبات لأمم أخرى ونحن نسلم منها،لذا ينبغي أن نتوقعها إن لم نعد إلى الله، إن على دول الإسلام وشعوبه أن تراجع حساباتها فكم يوالى أعداء الله ويهان ويؤذي أولياء الله ودعاته؟ كم من دول للإسلام تحيد عن شرع الله ونهجه القويم في تشريعاتها .
كم جاهرنا بالمنكرات والمعاصي ؟ كم أعَلَنّا الربا وأقمنا صروحه وقلاعه ؟ كيف كانت وسائل إعلام المسلمين سببا في إفساد بيوتهم وقذف مسلمات دينهم ونشر للفساد ثم بعد ذلك لا ترى من ينكر