ebrehim مدير
عدد المساهمات : 2239 تاريخ التسجيل : 19/10/2011
| موضوع: بين الفكر واللغة الجمعة 04 مايو 2012, 11:54 | |
| بين الفكر واللغة المعنى الصحيح باللفظ الفصيح د.سليمان خاطرالفكر واللغة من أكبر نعم الله على عباده؛إذ بهما يكون الإنسان إنسانا،يفكر ثم يتكلم، فيعرف من هو،وماذا عنده من علم ومعرفة أو خبرة وتجربة . وقديما قالوا : المرء مخبوء تحت لسانه ،كما قالوا : تكلم تعرف،وقالوا:المرء بأصغريه: لسانه وقلبه،وصدق حكيم الشعراء وشاعر الحكماء زهير بن أبي سلمى المزني حين قال: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم وكل من الفكر واللغة بحاجة إلى الآخر؛فما ينتجه الفكر يصل إلى الناس عن طريق اللغة غالبا،ولا فائدة من اللغة دون مضمون فكري صحيح مفيد، و إلا أصبحت ألفاظا بلا معنى،فهما مرتبطان برابط وثيق من التكامل والتعاون،لا يستغني أحدهما عن الآخر،ولا فائدة من أحدهما دون الآخر. ولعل هذا من أوضح الأمور ،دون الدخول في جدلية اللفظ والمعنى أو الشكل والمضمون في النقد الأدبي وعلوم البلاغة النظرية. وبناء على ذلك على كل إنسان أن يسعى إلى تغذية عقله وفكره بالتأمل والتفكر والقراءة والاطلاع والحوار ومناقشة الآخرين وسؤال أهل الذكر في كل شأن؛ليعلم ما لا يعلمه،فالله أخرج الإنسان من بطن أمه وهو لا يعلم شيئا ،ومهما تعلم وعرف فعلمه قليل،ومعرفته محددة بحدود ضيقة؛لأن العلم الذي أعطاه الله عباده قليل كله لا يساوي شيئا إلى ما عند الله – سبحانه- من علم واسع غير محدد،فهو- تعالى- قد\وسع كل شيء علما\ وكذلك على الإنسان أن يسعى إلى إصلاح لسانه ولغته، بالتقويم المستمر ، والممارسة الدائمة، والمراجعة عند الحاجة واستشارة المعاجم اللغوية ،والاستمتاع بالمنخول الجيد من نصوص اللغة أيا كانت،فللغات قوانينها ونظمها المشتركة العامة والخاصة بكل لغة منها؛فعلى الذي يمارس التفكير بلغة معينة أن يتهم بقواعدها ونظامها في الأصوات والكلمات والجمل والعبارات و التراكيب ودلالاتها؛ لأن الذي يقدم فكرا رصينا بلغة رديئة –إن أمكن ذلك- كمن يقدم طعاما شهيا في آنية رديئة ! والتفكير على أهمية لا يتحقق إلا من خلال لغة , فليكن القول الصحيح باللفظ الفصيح , والرأي الصائب باللفظ الجاذب , و الفكر الرزين بالقول المبين ؛ لأن صحة الفكرة لا تغني عن جمال الأسلوب. وكما للغة قواعد تراعى ،ونظام لا يغفل،فللتفكير السليم أسس تتبع، وقواعد يلتزم بها حتى يكون محققا لأهدافه،موصلا إلى غاياته،موقفا على ثمراته . فكم يجني على نفسه وعلى غيره من يغفل أحد الأمرين أو يهمل أحد الجانبين،وفي ذلك جناية على الجانب الآخر أيضا،فأي ظلم للغة الفصيحة أكبر من أن تستخدم في توافه الأفكار وضلال العقول وانحراف النفوس وباطل المدعوات ؟ وأي ظلم للفكر الرصين أكبر من يقدم في ركيك العبارات وسوقي الألفاظ وقبيح الأساليب ؟ ولا خلاف في أن لكل من الفكر واللغة مستويات متفاوتة،ودرجات بعضها فوق بعض،فهنالك التفكير اليومي العادي في أمور الحياة وحاجات النفس الضرورية التي لا تحتاج إلى التفكير العميق ،كما لا يحتاج التعبير عنها إلى اللغة الفصيحة،وهنالك الأمور الرسمية والقضايا الفكرية والعقدية والمسائل الثقافية والحضارية التي تحتاج إلى فكر عميق ولفظ رصين،كما أن هناك أمورا بين هذا وذاك تحتاج إلى قدرها من الفكر واللغة ،فمستويات التفكير لا يطغى بعضها على بعض،كما أن مستويات اللغة لا يؤثر بعضها في بعض،وهكذا الحياة في كل جوانبها،فيها الدنيا والوسطى والقصوى، أو الأعلى والأوسط والأدنى . ولعل هذا هو واقع الحياة على مر العصور وتعاقب الدهور،فما أظن أن أرسطو كان يفكر في بيته مع أهله وأصدقائه ومحيطه الاجتماعي عموميا بالطريقة أو المستوى الذي كتب به منطقه،كما لا أظن أن امرأ القيس مثلا كان يخاطب أهله في البيت بمثل : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل . . . فلكل مقام مقال،ولكل عهد دولة ورجال. وقد ينحرف الإنسان بفكره عن سواء السبيل ،كما قد ينحرف بلغته عن الصواب،وفي كلتا الحالتين ضر كثير يلحق صاحب الفكر المنحرف والقول المنجرف، قبل أن يلحق الآخرين من مستمعين أو قراء ؛فعلى المرء أن يحافظ على سلامة فكره من الضلال الفكري والانحراف العقدي المؤدي إلى تشتت النفس في الدنيا والهلاك في الآخرة،كما عليه أن يحافظ على لغته من العي والخصر والتجريح والشتم وما إلى ذلك من أمراض الكلام ولدغات اللسان، \فكلك عورات وللناس ألسن\ . وبناء على ما سبق يبدو أن الضروري أن يطمئن كل إنسان في سير حياته على سلامة فكره واستقامته،وعلى سلامة لغته وصحة قوله،والله المستعان وعليه التكلان. ولكل إنسان طريقته في التفكير، قد تتفق مع طرائق الآخرين وقد تختلف،وكذلك لكل أمة سمات تميز فكرها النابئ من عقيدتها وفلسفة حياتها ومبلغها من العلم والمعرفة والحضارة والتقدم المعنوي والمادي،كذلك لكل لغة أساليبها في التعبير الشفهي والكتابي وخصائصها اللفظية والمعنوية التي تميزها عن غيرها من اللغات،بحسب حظها من الكلمات ونصيبها من الحضارة والتقدم،وما خصها الله بها من بين اللغات والألسنة . وهي من آيات الله في الكون. وقد تختلف اللغات إيجازا وإطنابا،ووضوحا وغموضا،ويسرا وعسرا،والفكرة واحدة؛إذ لا تلازم بين وضوح الفكرة ونصاعتها وبين بيان اللغة وفصاحتها،فقد يكون الفكر سليما ،فتفسده ركاكة الأسلوب وعجز المتكلم عن التعبير السليم،والعكس صحيح؛إذ قد يكون الأسلوب بينا فصيحا ،فيعيبه فساد الفكرة،وسوء المضمون . فلنحذر التعبير عن الأفكار الصحيحة والآراء المصيبة والنظريات المفيدة ،بالأساليب الرديئة،وتعاظل الكلام وحوشي العبارات،وكذلك العكس،وهو استغلال الأساليب الجميلة والعبارات الرزينة والأقوال الفصيحة واللغة العالية في نشر الأباطيل والخرافات والأكاذيب والضلالات . وكلا الأمرين حدث ويحدث كثيرا في دنيا الناس، والمعصوم من عصمه الله،والناجي من حفظه الله والفائز من وفقه الله . أسأل الله ذلك ولك ، أخي الكريم. وهذه دعوة إلى مزيد العناية بالأمرين (الفكر واللغة) ورعاية الجانبين معا ،دون أن يضر أحدهما بالآخر،فهما مرتبطان متلازمان متعاونان. هذا والحمد لله رب العالمين،وصل-اللهم- على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم. | |
|