الحديث الحادي والعشرون عن أبي عمرو وقيل أبي عمرة سفيان بن عبدالله رضي الله عنه قال قلت
يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك قال قل آمنت بالله ثم
استقم رواه مسلم.
وخرج النسائي في تفسيره من رواية سهيل بن أبي حزم حدثنا ثابت عن أنس
فقال قد قالها الناس ثم كفروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فمن مات عليها فهو من أهل
الاستقامة وخرجه الترمذي ولفظه فقال قد قالها الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها
فهو ممن استقام وقال حسن غريب وسهيل تكلم فيه من قبل حفظه.
وقال أبو بكر الصديق في تفسيره ثم استقاموا قال لم يشركوا بالله
شيئًا، وعنه قال لم يلتفتوا إلى إله غيره، وعنه قال ثم استقاموا على أن الله ربهم
وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال نص آية في كتاب الله قالوا ربنا الله ثم استقاموا على
شهادة أن لا إله إلا الله وروى نحوه عن أنس ومجاهد والأسود بن هلال وزيد بن أسلم
والسدي وعكرمة وغيرهم وروي عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية على المنبر
{إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فصلت.
وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة
ولعل من قال أن المراد الاستقامة على التوحيد إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرم
صاحبه على النار وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله فإن الإله هو المعبود الذي يطاع
فلا يعصي خشية وإجلالًا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلًا ودعاء والمعاصي قادحة كلها في
هذا التوحيد لأنها إجابة لداعي الهوى وهو الشيطان قال الله عز وجل
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ} الجاثية.
وقال قتادة أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يستقيم على أمر الله.
وقال الثوري على القرآن وعن الحسن قال لما نزلت هذه الآية شمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فما رؤي ضاحكًا.
خرجه ابن أبي حاتم وذكر القشيري عن بعضهم أنه رأى النبي صلى الله
عليه وسلم في المنام فقال له يا رسول الله قلت شيبتني هود وأخواتها فما شيبك منها
قال قوله
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} هود.
إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها فيجير ذلك
الاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم
لمعاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وقد أخبر النبي صلى الله عليه
وسلم أن الناس لن يستطيعوا الاستقامة حق الاستقامة كما خرجه الإمام أحمد وابن ماجه
من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال استقيموا ولن تحصوا وأعلموا أن خير
أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله سددوا وقاربوا ولا يحافظ على
الصلاة إلا مؤمن.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال سددوا وقاربوا فالسداد هو حقيقة الاستقامة وهو الإصابة في جميع الأقوال
والأعمال والمقاصد كالذي يرمي إلى غرض فيصيبه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم
عليًا أن يسأل الله عز وجل السداد والهدى وقال له اذكر بالسداد تسديدك السهم
وبالهدى هدايتك الطريق والمقاربة أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه
ولكن بشرط أن يكون مصممًا على قصد السداد وإصابة الغرض فتكون مقاربته عن غير عمد.
ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحكم ابن حزم
الكلبي أيها الناس إنكم لن تعملوا ولن تطيقوا كل ما أمرتكم ولكن سددوا وأبشروا
والمعني اقصدوا التسديد والإصابة والاستقامة فإنهم لو سددوا في العمل كله لكانوا قد
قعلوا ما أمروا به كله فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد كما فسر أبو بكر
الصديق وغيره قوله إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فصلت بأنهم لم يلتفتوا إلى
غيره فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبته وإرادته
ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه استقامت الجوارح كلها على طاعته فإن
القلب هو ملك الأعضاء وهي جنوده فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وكذلك
فسر قوله تعالى
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} الروم
بإخلاص القصد لله وإرادته لا شريك له وأعظم ما يراعي استقامته بعد القلب من الجوارح
اللسان فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بالاستقامة وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه ففي مسند الإمام أحمد عن أنس عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم
لسانه وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد مرفوعًا وموقوفا إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء
كلها نفكر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت
اعوججنا.