وخرجه مسلم ولفظه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ
إلى اليمين فقلت يارسول الله إن شرابا يصنع بأرضنا يقال له المزر من الشعير وشراب
يقال له البتع من العسل فقال كل مسكر حرام وفي رواية لمسلم فقال كل ما أسكر عن
الصلاة فهو حرام وفي رواية له قال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي
جوامع الكلم بخواتمه فقال أنهي عن كل مسكر أسكر عن الصلاة فهذا الحديث أصل في تحريم
تناول جميع المسكرات المغطية للعقل وقد ذكر الله تعالى في كتابه العلة المقتضية
لتحريم المسكرات، وكان أول ما حرمت الخمر عند حضور وقت الصلاة لما صلى بعض
المهاجرين وقرأ في صلاته فخلط في قراءته فنزل قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا
تَقُولُونَ} النساء وكان منادي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينادي لا يقرب الصلاة سكران ثم إن الله حرمها على الإطلاق بقوله إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد
الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة فهل أنتم منتهون المائدة فذكر علة تحريم الخمر والميسر وهو القمار وهو أن
الشيطان يوقع بينهم العداوة والبغضاء فإن من سكر اختل عقله فربما تسلط على أذي
الناس في أنفسهم وأموالهم وربما بلغ إلى القتل وهي أم الخبائث فمن شربها قتل النفس
وزني وربما كفر وقد روى هذا المعنى عن عثمان وغيره وروى مرفوعًا أيضًا ومن قامر
فربما قهر وأخذ ماله قهرا فلم يبق له شيء فيشتد حقده على من أخذ ماله وكل ما أدي
إلى إيقاع العداوة والبغضاء كان حرامًا وأخبر أن الشيطان يصدكم بالخمر والميسر عن
ذكر الله وعن الصلاة فإن السكران يزول عقله أو يختل فلا يستطيع أن يذكر الله ولا أن
يصلي ولهذا قالت طائفة من السلف إن شارب الخمر تمر عليه ساعة لا يعرف فيها ربه
والله سبحانه وتعالى إنما خلقهم ليعرفوه ويذكروه ويعبدوه ويطيعوه فما أدي إلى
الامتناع من ذلك وحال بين العبد وبين معرفة ربه وذكره ومناجاته كان محرما وهو السكر
وهذا بخلاف النوم فإن الله تعالى جبل العباد عليه واضطرهم إليه ولا قوام لأبدانهم
إلا به إذ هو راحة لهم من السعي والنصب فهو من أعظم أنعم الله على عباده فإذا نام
المؤمن بقدر الحاجة ثم استيقظ إلى ذكر الله ومناجاته ودعائه كان نومه عونا له على
الصلاة والذكر ولهذا قال بعض الصحابة إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، وكذلك
الميسر يصد عن ذكر الله وعن الصلاة فإن صاحبه يعكف بقلبه عليه ويشتغل به عن جميع
مصالحه ومهماته حتى لا يكاد يذكرها لاستغراقه فيه ولهذا قال على لما فشبههم على قوم
يلعبون بالشطرنج ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون فشبهم بالعاكفين على
التماثيل وجاء في الحديث إن مدمن الخمر كعابد الوثن فإن يتعلق قلبه به فلا يكاد
يمكنه أن يدعها كما لا يدع عابد الوثن عبادته وهذا كله مضاد لما خلق الله العباد
لأجله من تفريغ قلوبهم لمعرفته ومحبته وخشيته وذكره ومناجاته ودعائه والابتهال إليه
فما حال بين بالعبد وبين ذلك ولم يكن العبد إليه ضرورة بل كان ضررا محضا عليه كان
محرما وقد روي عن على أنه قال لمن رآهم يلعبون بالشطرنج ما لهذا خلقتم ومن هنا يعلم
أن الميسر محرم سواء كان بعوض أو بغير عوض وإن الشطرنج كالنرد أو شر منه لأنها تشغل
أصحابها عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد والمقصود أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال كل مسكر حرام وكل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام وقد تواترت الأحاديث بذلك عن
النبي صلى الله عليه وسلم فخرجا في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام ولفظ مسلم وكل مسكر حرام.