بيان
ميثاق الأنبياء
{وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ}أي اذكروا يا أهل الكتاب حين أخذ الله العهد المؤكد على النبيّين {لَمَا
ءاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}أي لمن أجل ما آتيتكم من الكتاب
والحكمة، قال الطبري: المعنى لمهْما آتيتكم أيها النبيّون من كتاب وحكمة
{ثُمَّ جَآءكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ}أي ثم جاءكم رسول
من عندي بكتاب مصدق لما بين أيديكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم {لَتُؤْمِنُنَّ
بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} أي لتصدقنه ولتنصرنه، قال ابن عباس: ما بعث
الله نبياً من الأنبياء إِلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمننَّ
به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته {قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي أأقررتم وأعترفتم بهذا الميثاق وأخذتم عليه
عهدي؟ {قَالُوا أَقْرَرْنَا}أي اعترفنا {قَالَ فَاشْهَدُوا
وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ} أي اشهدوا على أنفسكم وأتباعكم وأنا من
الشاهدين عليكم وعليهم .
{فَمَنْ
تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ}أي أعرض ونكث عهده {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} أي هم الخارجون عن
طاعة الله{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ}الهمزة للإِنكار
التوبيخي أي أيبتغي أهل الكتاب ديناً غير الإِسلام الذي أرسل الله به رسله؟
{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}أي ولله استسلم
وانقاد وخضع أهل السماوات والأرض{طَوْعًا وَكَرْهًا} أي طائعين ومكرهين،
وقال قتادة: المؤمن أسلم طائعاً والكافر أسلم كارهاً حين لا ينفعه ذلك،
قال ابن كثير: فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله طوعاً، والكافر مستسلم لله
كرهاً فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يُخالف ولا يُمانع
{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} أي يوم المعاد فيجازي كلاً
بعمله.
الإيمان
بالأنبياء جميعاً
{قُلْ
ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}أي قل يا محمد أنت وأمتك آمنا بالله وبالقرآن المنزل علينا {وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ}أي آمنا بما أنزل على هؤلاء من الصحف والوحي، والأسباطُ هم بطون بني إِسرائيل
المتشعبة من أولاد يعقوب {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى} أي من التوراة
والإِنجيل {وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} أي وما أنزل على الأنبياء
جميعهم {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} أي لا نؤمن بالبعض ونكفر
بالبعض كما فعل اليهود والنصارى بل نؤمن بالكل {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
أي مخلصون في العبادة مقرّون له بالألوهية والربوبية لا نشرك معه أحداً أبداً، بل
أخبر تعالى بأن كل دين غير الإِسلام باطل ومرفوض فقال {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} أي يطلب شريعة غير شريعة الإِسلام
بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ليدين بها فلن يتقبل الله منه {وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} أي مصيره إِلى النار مخلداً
فيها.
أنواع
الكفار من حيث التوبة
{كَيْفَ
يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}استفهام للتعجيب والتعظيم لكفرهم أي كيف يستحق الهداية قوم كفروا بعد إِيمانهم
{وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} أي بعد أن جاءتهم الشواهد ووضح لهم
الحق أن محمداً رسول الله {وَجَآءهُمْ الْبَيِّنَاتُ} أي جاءتهم المعجزات
والحجج البينات على صدق النبي {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ} أي لا يوفقهم لطريق السعادة، قال الحسن: هم اليهود
والنصارى رأوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم، وشهدوا أنه حق فلما بعث من
غيرهم حسدوا العرب فكفروا بعد إِيمانهم .
{أُوْلَئِكَ
جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ}
أي جزاؤهم على كفرهم اللعنة من الله والملائكة والخلق أجمعين {خَالِدِينَ فِيهَا
لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} أي ماكثين في النار
أبد الآبدين، لا يُفتّر عنهم العذاب ولا هم يمهلون {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} أي إِلا من تاب وأناب وأصلح ما أفسد من عمله
{فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي متفضل على من تاب بالرحمة والغفران
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا}
نزلت في اليهود كفروا بعيسى بعد إِيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفراً حيث كفروا بمحمد
والقرآن {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} أي لا تقبل منهم توبة ما أقاموا على
الكفر {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ} أي الخارجون عن منهج الحق إِلى طريق
الغي.
ثم
أخبر تعالى عمّن كفر ومات على الكفر فقال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا
وَهُمْ كُفَّارٌ} أي كفروا ثم ماتوا على الكفر ولم يتوبوا وهو عام في جميع
الكفار {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ
افْتَدَى بِهِ} أي لن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم موجع {وَمَا لَهُمْ مِنْ
نَاصِرِينَ} أي ما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ولا يجيرهم من أليم
عقابه.
النفقة
المبرورة وجزاء الإنفاق
{لَنْ
تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}أي لن تكونوا من الأبرار ولن تدركوا الجنة حتى تنفقوا من أفضل أموالكم{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} أي وما
تبذلوا من شيء في سبيل الله فهو محفوظ لكم تجزون عنه خير
الجزاء.
الردّ
على اليهود في تحريم بعض الأطعمة
{كُلُّ
الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَآئِيلَ}أي كل الأطعمة كانت حلالاً لبني إسرائيل {إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَآئِيلُ
عَلَى نَفْسِهِ} أي إلا ما حرّمه يعقوب على نفسه وهو لحم الإِبل ولبنها ثم حرمت
عليهم أنواع من الأطعمة كالشحوم وغيرها عقوبةً لهم على معاصيهم {مِنْ قَبْلِ
أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} أي كانت حلالاً لهم قبل نزول التوراة {قُلْ
فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي قل لهم يا
محمد ائتوني بالتوراة واقرؤوها عليَّ إن كنتم صادقين في دعواكم أنها لم تحرم عليكم
بسبب بغيكم وظلمكم، وقال الزمخشري: وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي
والظلم والصدّ عن سبيل الله فلما حاجّهم بكتابهم وبكتّهم بهتوا وانقلبوا صاغرين ولم
يجسر أحد منهم على إخراج التوراة، وفي ذلك الحجة البينة على صدق النبي صلى الله
عليه وسلم {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}أي اختلق الكذب من بعد قيام الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم{فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} أي المعتدون المكابرون
بالباطل.
{قُلْ
صَدَقَ اللَّهُ}
أي صدق الله في كل ما أوحى إلى محمد وفي كل ما أخبر {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ} أي اتركوا اليهودية واتبعوا ملة الإِسلام التي هي ملة إبراهيم
{حَنِيفًا} أي مائلاً عن الأديان الزائفة كلها {وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ} برأه مما نسبه اليهود والنصارى إليه من اليهودية والنصرانية،
وفيه تعريض بإشراكهم.
منزلة
الكعبة المشرَّفة وفرضية الحجّ
{إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ}أي أول مسجد بني في الأرض لعبادة الله المسجد الحرام الذي هو بمكة
{مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} أي وضع مباركاً كثير الخير والنفع لمن
حجه واعتمره، ومصدر الهداية والنور لأهل الأرض لأنه قبلتهم، ثم عدد تعالى من مزاياه
ما يستحق تفضيله على جميع المساجد فقال {فِيهِ ءايَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي فيه
علامات واضحات كثيرة تدل على شرفه وفضله على سائر المساجد منها {مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ} وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، وفيه زمزم والحطيم،
وفيه الصفا والمروة والحجر الأسود، أفلا يكفي برهاناً على شرف هذا البيت وأحقيته أن
يكون قبلة للمسلمين؟{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا} وهذه آية أخرى
وهي أمن من دخل الحرَم بدعوة الخليل إبراهيم {رب اجعل هذا البلد
ءامناً}.
{وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}
أي فرضٌ لازم على المستطيع حج بيت الله العتيق {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ
غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} أي من ترك الحج فإن الله مستغنٍ عن عبادته وعن
الخلق أجمعين، وعبّر عنه بالكفر تغليظاً عليه، قال ابن عباس: من جحد فريضة
الحج فقد كفر والله غني عنه.
إصرار
أهل الكتاب على الكفر وصدهم عن سبيل الله
ثم
أخذ يبكّت أهل الكتاب على كفرهم فقال {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} أي لم تجحدون بالقرآن المنزل على محمد مع قيام
الدلائل والبراهين على صدقه {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} أي
مطلع على جميع أعمالكم فيجازيكم عليها {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي لم تصرفون الناس عن دين الله الحق،
وتمنعون من أراد الإِيمان به؟ {تَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي تطلبون أن تكون
الطريق المستقيمة معوجّة، وذلك بتغيير صفة الرسول، والتلبيس على الناس بإيهامهم أن
في الإِسلام خلالاً وعوجاً {وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} أي عالمون بأن الإِسلام
هو الحق والدين المستقيم {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
تهديد ووعيد، وقد جمع اليهود والنصارى الوصفين: الضلال والإِضلال كما أشارت الآيتان
الكريمتان فقد كفروا بالإِسلام ثم صدّوا الناس عن الدخول فيه بإلقاء الشبه والشكوك
في قلوب الضعفة من الناس.
الحفاظ
على الشخصية الإسلامية باتِّباع هدي الإسلام
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ}أي إن تطيعوا طائفة من أهل الكتاب {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
كَافِرِينَ} أي يصيرّوكم كافرين بعد أن هداكم الله للإِيمان، والخطاب للأوس
والخزرج إذ كان اليهود يريدون فتنتهم كما في سبب النزول، واللفظ في الآية
عام.
{وَكَيْفَ
تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ
رَسُولُهُ}
إنكار واستبعاد أي كيف يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله لا تزال تتنزّل عليكم
والوحي لم ينقطع ورسول الله حيٌ بين أظهركم؟ {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ
فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي من يتمسك بدينه الحق الذي بيَّنه
بآياته على لسان رسوله فقد اهتدى إلى أقوم طريق، وهي الطريق الموصلة إلى جنات
النعيم .
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}
أي اتقوا الله تقوى حقة أو حق تقواه، قال ابن مسعود: "هو أن يطاع فلا يعصى،
وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر" والمراد بالآية أي كما يحق أن يتقى وذلك
باجتناب جميع معاصيه {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي
تمسكوا بالإِسلام وعضوا عليه بالنواجذ حتى يدرككم الموت وأنتم على تلك الحالة
فتموتوا على الإِسلام والمقصود الأمر بالإِقامة على الإِسلام
.
{وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}
أي تمسكوا بدين الله وكتابه جميعاً ولا تتفرقوا عنه ولا تختلفوا في الدين كما اختلف
من قبلكم من اليهود والنصارى {وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ}
أي اذكروا إنعامه عليكم يا معشر العرب {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ
بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} أي حين كنتم قبل
الإِسلام أعداء ألداء فألف بين قلوبكم بالإِسلام وجمعكم على الإِيمان
{وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} أي
وكنتم مشرفين على الوقوع في نار جهنم فأنقذكم الله منها بالإِسلام {كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَاتِهِ} أي مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم
سائر الآيات {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي لكي تهتدوا بها إلى سعادة
الدارين.
فلاح
الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهلاك
المتفرِّقين
{وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}
أي ولتقم منكم طائفة للدعوة إلى الله {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} أي للأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر
{وأولئك هم المفلحون} أي هم الفائزون {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} أي لا
تكونوا كاليهود والنصارى الذين تفرقوا في الدين واختلفوا فيه بسبب اتباع الهوى من
بعد ما جاءتهم الآيات الواضحات {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي
لهم بسبب الاختلاف عذاب شديد يوم القيامة .
{يَوْمَ
تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}
أي يوم القيامة تبيض وجوه المؤمنين بالإِيمان والطاعة، وتسود وجوه الكافرين بالكفر
والمعاصي {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ} هذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإِجمال والمعنى أما أهل النار
الذين اسودت وجوههم فيقال لهم على سبيل التوبيخ: أكفرتم بعد إيمانكم أي بعد ما وضحت
لكم الآيات والدلائل {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أي
ذوقوا العذاب الشديد بسبب كفركم .
{وَأَمَّا
الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ}
أي وأما السعداء الأبرار الذين ابيضت وجوههم بأعمالهم الصالحات {فَفِي رَحْمَةِ
اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي فهم في الجنة مخلدون لا يخرجون منها
أبداً{تِلْكَ ءايَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أي
هذه آيات الله نتلوها عليك يا محمد حال كونها متلبسة بالحق {وَمَا اللَّهُ
يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ} أي وما كان الله ليظلم أحداً ولكنَّ الناس
أنفسهم يظلمون {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} أي
الجميع ملكٌ له وعبيد {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} أي هو الحاكم
المتصرف في الدنيا والآخرة