تبدأ سن
الرشد عند الفقهاء المسلمين بالبلوغ ، ومن علاماته ظهور شعر العانة ، وعندها يحاسب
الفتى كالراشد في أحكام القضاء ، ومنها القتل ، فقد ورد في سيرة ابن هشام : ( ...
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم ، عن عطية القرظي
قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت
منهم (( أي جميع الرجال )) ، وكنت غلاماً فوجدوني لم أنبت ، فخلوا سبيلي ) .
([1])ويثبت
البلوغ عند الفقهاء بما يلي : الاحتلام (( خروج المني )) عند الذكر ن ودم الحيض
عند الانثى ، فإن لم يُر ذلك ، يعتبر الغلام بالغاً عندما يصل عمره الخامسة عشر
عاماً هجرياً ، وتجري عليه أحكام الراشد .
وقد عامل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناء الخامسة عشر معاملة الرجال في أهم شؤون حياة
الصحابة ألا وهو الجهاد ، وملاقاة العدو ، ففي سيرة ابن هشام : ( ... وأجاز رسول
الله صلى الله عليه وسلم يومئذ – يوم أحد – سمرة بن جندب ، ورافع بن خديج أخا بني
حارثة ، وهما ابنا خمس عشرة سنة ، ... وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن
زيد ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، والبراء بن عازب ، وعمرو بن حزم
، وأسيد بن ظهير ، ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة ) .
([2])ومن
المعلوم أنّ سنّ التكليف الشرعي يبدأ بسن البلوغ ، إذا تفرض الصلاة والصوم والحج ،
وسائر فروض العين على المسلم البالغ والمسلمة البالغة ، ويحاسب على تركها في
الدنيا من قبل الإمام المسلم ، وفي الآخرة إن لم يغفر له الرحمن الرحيم .وقبل
البلوغ يجب أن يدرب الصبي كما تدرب الفتاة على هذه العبادات ، ليعتاد عليها ويتعلمها
، لكن لا يعاقب على تركها قبل البلوغ ، كما يعاقب الراشد .
يقول محمد
قطب : ( ومما يلفت النظر أنه في هذا الوقت (( البلوغ )) بالذات ، تصبح الصلاة
والصيام فرضاً ، وقد كانت الصلاة من قبل مجرد عادة تؤسس . هذا إشعار للفتى والفتاة
بالتكليف الحق من قبل الله ، وبالتعرض لحق للثواب والعقاب ، ... والمنج الإسلامي
يضيف إلى التكليف الشرعي حمل التكاليف الدنيوية كذلك ، فقد صار الفتى منذ اليوم
مسؤولاً في البيت وفي المجتمع ، لأنه (( بلغ مبلغ الرجال )) فصار واحداً منهم ، يتصرف مثلهم ، ويعهد
إليه بالأمور مثلهم ، وقد صارت الفتاة مسؤولة في البيت – ميدانها الأصيل – لأنها –
بلغت مبلغ النساء – ودخلت عالمهن بالفعل فصارت واحدة منهن ، يعهد إليها بما يعهد
إليهن من أمور ) .
([3])نخلص مما
سبق إلى أن الأحكام الشرعية في الإسلام لا تعترف بفترة انتقالية بين الطفولة
والرشد ، كما في القوانين الوضعية التي لا تعتبر الإنسان رجلاً ، يطبق عليه
القانون قبل الثامنة عشر من عمره ، وتعتبر الشريعة الإسلامية البالغ رجلاً راشداً
في سائر التكاليف الشرعية ، وفي إقامة الحدود كذلك ، وفي تولي المسئوليات ، فمن
المتواتر والمشهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة بن زيد رضي الله
عنهما على جيش لحاربة الروم ، وعمره يتراوح بين السادسة عشر والثامنة عشر .
وأهم
المسئولياتهي إمامة الصلاة ، إذ أن الفقهاء الشافعية يجيزون إمامة الصبي المميز في
الفرض والنفل وفي الجمعة أيضاً ، أما الفقهاء الحنابلة فيجيزون إمامة الصبي المميز
في النفل ، وفي إمامة الصبيان مثله ، أما الفقهاء الحنفية فقد اشترطوا البلوغ لصحة
الإمامة في صلاة الجماعة .
([4]) قضية
واحدة فقط لم يعامل الشرع البالغين فيها معاملة الراشدين وهي قضية المال :
قال تعالى
: {
وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ، فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم
أموالهم } ( النساء : 6 ) ، فقد اشترط البلوغ وايناس الرشد ، وقال تعالى :
{
ولا
تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ... } ( النساء : 5 ) ،
واختلف المفسرون في المراد بالسفهاء فقال بعضهم : الصبيان والأولاد الصغار الذين لم يكتمل رشدهم وهو
منقول عن الزهري وابن زيد ، والقول الأصح ما ذكره الطبري إذ عم به الصبي الصغير ،
والرجل الكبير ، ذكراً أو أنثى
([5]) . ويلاحظ أن الشرع الإسلامي يعتبر المال مال
الأمة ، والفرد مستخلف فيه ، لذا يمنع السفيه (( صغيراً وكبيراً )) من التصرف
بالمال ، وبالتالي لا يقتصر حجر المال عن الصغار السفهاء ، بل يحجر على الكبار
السفهاء أيضاً ، وعلة الحجر هي السفه وليس السن . فالسفه لا يرتبط بسن معينة ، وقد
يكون السفيه كبيراً في العمر ، وقد لا يكون الصغير سفيهاً ، إذن لا تعتبر الشريعة
الإسلامية ( المراهق ) سفيهاً بالضرورة والطبيعة . كما يتضح أن الرشد لا يحصل
لجميع البالغين ، بل إن بعض البالغين يحصل عندهم الرشد ، وبعضهم لا يرشدون بمجرد
البلوغ ، وقد لا يرشدون أبداً ، لذلك اشترطت الشريعة الإسلامية الرشد إضافة إلى
البلوغ كي يسلم اليتيم أمواله .
41- عبدالسلام هارون ، ص 203 .
42- عبدالسلام هارون ، ص 159 . وألفت نظر القارئ إلى التنافس بين أبناء
الصحابة رضي الله عنهم في الخروج إلى الجهاد ، مع أنهم لم يبلغوا الخامسة عشر ،
فما أبعد الهوة بينهم وبيننا اليوم !!؟ .
43- محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، ( 2-223 ) .
44- هذه إجابة لسؤال وجهه الباحث لفضيلة الشيخ محمد علي مشعل ، المدرس
في المعهد العالي للدعوة الإسلامية في المدينة المنورة .
45- محمد علي الصابوني ، تفسير آيات الأحكام ، ص 439 .