تمهيد :
القرين في
اللغة : المقارن والمصاحب ، والقرين : الزوج لأنه يصاحب زوجته ولا يفارقها ،
والقرين : البعير المقرون بآخر ، والقرينة : الزوجة
([1]). والأقران : مجموعة من الفتيان ، قبل البلوغ وبعده ، أو من الفتيات ، يكونون
جماعة للذكور ، أو جماعة للإناث ، والأصح مجموعة يتراوح عددها بين ( 2-5 ) على
الأكثر . وجماعة الأقران أهم حدث في حياة الإنسان بعد الطفولة المبكرة فما هي ؟
وما أثرها في حياة الإنسان ؟ .
يقول الأب –
والالم يعصره - : كان ولدي طفلاً مؤدباً ، لا يخالف والديه ، ولا يخرج من البيت ،
حتى إذا تعرف على ابن فلان وابن فلان ، وكون معهم (( بشكة ))
([2])، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، تغير سلوكه وطبعه ، وأصبح لا يطيق المكث في البيت ،
ولا يسمع كلاماً لأحد من أسرته ... الخ .
هذه
الأسطوانة السابقة الذكر ، سمعها الباحث عشرات المرات ، من خلال عمله كمرشد طلابي
في المدارس المتوسطة والثانوية ، فهذه ( البشكة ) من الرفاق غيرت سلوك الفتى وطبعه
، كما يقول والده ، وسنرى أن للتغير أسباباً كثيرة أخرى .
أسبابها :
جماعة
الرفاق مرحلة ضرورية من النمو يمر بها الإنسان ، قبل البلوغ ، وتستمر هذه النزعة
القوية عند الشباب حتى يتزوج الشاب ، أو تتزوج الفتاة ،ويترك الشاب المتزوج جماعة
الأقران ، بعد أن غرست فيه صفات قد لا تفارقه مدى العمر . يبدأ الطفل الاهتمام
بأقرانه قبل البلوغ ، وفي هذه المرحلة فرصة لإعادة التشكيل ، لمن فاتته العناية في
مرحلة الطفولة ، بمعنى أن هذه المرحلة محطة جديدة في العمر ، يمكن التزود من هذه
المحطة ، واستدراك بعض ما فات من المحطات السابقة ، وتكو إعادة التشكيل بأن : ((
ينتقي المربي لطفله أصلح النماذج ، سواء للمصاحبة العامة في المجموعة ، أو للصداقة
الخاصة ، ويكون ذلك بالتلطف لا بالفرض ، كأن يدعو الأب أصدقاء ابنه إلى البيت
ويكرمهم ، وتستطيع الأم أن تدعو صديقات ابنتها كذلك))
([3]) ، وهكذا يتدخل المربي الحاذق بشكل غير مباشر
فيهيئ أقراناً صالحين لولده ، وبذلك يعيد التشكيل ، ويجعله حسناً ، أو يحافظ على
تشكيل الطفولة إن كان حسناً .
الثلة
قنطرة العبور :
عاش الطفل
داخل الأسرة ، وبعد سنوات قليلة سيعيش ضمن المجتمع ، وجماعة ( الأقران ) هي مرحلة
انتقالية بين الأسرة والمجتمع الكبير . فهي بمثابة ( دروس خصوصية ) يتعلم فيها
المراهق معايير سلوكية خاصة ، ويتعلم منها الحياة العملية ، وتعطيه فرصة التعامل
مع أفراد متساوين معه ، وتساعده على الاستقلال الشخصي عن الوالدين
([4]).
فالطفل
متعلق بوالديه بدرجة أكبر من تعلق الفتى بأقرانه والرجل متعلق بالمجتمع بدرجة أقل
من تعلق لفتى بأقرانه فجماعة الأقران مرحلة انتقالية ، وقد تكون حتمية في حياة
الإنسان . وجماعة الأقران عبارة عن مجتمع صغير (( مجتمع خصوصي )) يتناسب مع الفتى
ويلاحظ ذلك من خلال ما يلي :
1- التقارب
في العمر.
2- التشابه
في الميول والهوايات .
3- العامل
البيئي الموحد ، كأن تكون جماعة الأقران طلاب في مدرسة واحدة ، أو مسجد واحد ، أو
حي واحد .
وهكذا
ينتقل تعامل الطفل من جو الأسرة ، إلى جو (( الأقران )) وهو أوسع من جو الأسرة ،
لكنه أضيق بكثير من المجتمع الكبير ، وبعد التدرب لمدة محدودة ، ينتقل الفرد إلى
المجتمع الكبير .
ويلعب
العامل الجغرافي الدور الأول في انتقاء أفراد الجماعة ، فالطفل يبحث عن أفراد ثلته
بين أقرانه الذين أتيح له التعرف عليهم في المسجد أو المدرسة أو الشارع ، ومن هنا
تعتبر الأسرة مسؤولة عن جماعة الأقران لابنها كما سنرى .
فالولد
السيء يتحسن كثيراً جداً إذا أنعم الله عليه بأقران أفضل منه ، والولد الحسن يلحقه
ضرر كبير إذا التحق بأقران أسوا منه .
( وتجتذب
الصحبة السيئة المراهق ، لوجوده في جو منزلي غير عطوف ، وغير آمن ، أو لإخفاق
المراهق في التوحد مع أبيه ، وتوحد البنت مع أمها )
([5]) .
وهذا أيضاً
يبين أثر الأسرة في تربية الفرد ، وأهمية البيت في التربية ، ومن الأمثال الشعبية
(( إذا كبر ابنك خاويه )) أي اجعله أخاً
لك ، وتعامل معه كأخ أو كصديق ، وهذا هو التوحد مع الأب ، عندئذ يتقبل الفتى والده
، وتتقبل الفتاة أمها ، وكأنهم في جماعة أقران لهم ، ويتقبلون منهم توجيهاتهم ،
عندما تصدر بلهجة الأخ أو الصديق ، لا بلهجة الأب الآمر .
وفي الدعوة
الإسلامية يطلب الداعية المسلم الحصيف من ابنه ، أو طلابه دعوة أقرانهم إلى الخير
، لأن الدعوة من القرين أكثر قبولاً من دعوة الكبار ، وعندما يطلب الفتى من قرينه
الذهاب إلى المسجد يلبي طلبه بنفس راضية أكثر مما لو طلب منه والده ذلك . وتعليل
ذلك أن هذا الطلب جاء من صديق على شكل اقتراح ، ولم يأت بشكل أوامر .
ولان الفتى
يحاول – إلى حد ما – التحرر من أوامر الكبار كدليل على دخوله عالم الكبار ، وأنه
لم يعد طفلاً يؤمر فينفذ . ومن هنا تتضح قيمة الشاب المسلم وأثره في توعية الشباب
أمثاله ، ولذلك يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سبعة يظلهم الله في ظله ،
يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ... الحديث ))
([6]) . فالشاب الذي ينشأ في عبادة الله يجر معه
شباباً كثيرين ، يجرهم إلى عبادة الله عزوجل لأنهم من أقرانه ، وممن يسمعون منه .
أثر
الأقران في الفرد :
تؤثر جماعة
الأقران على الشاب سلباً أو إيجاباً ، فالطفل الحسن الذي التحق بمجموعة فاسدة ،
يكتسب منهم القيم الفاسدة والسلوك السيء ، والطفل السيء الذي التحق بمجموعة صالحة
، يكتسب منها القيم الفاضلة والسلوك الحسن ، فقد أخرج الترمذي رحمه الله أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : (( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ))
([7]). وأخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : (( المرء مع من أحب ))
([8]). وقلما نجد مراهقاً كان له خلة ومحبة وملازمة لرفقة ما ، إلا ويكون على نهجها
وطريقتها ، متحداً معها في أفكاره ومسالكه وأخلاقه ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر ،
ثم بعد أن يجتاز سن المراهقة ( الخطرة ) ، يبقى في الغالب على ما كان عليه من
توجهات وصفات ، وربما بقيت رفقته كما هي لم تتغير في أشخاصها وسماتها ، وهذا ما
يحدث في الغالب
([9]) .
( وتتميز
المراهقة المبكرة بأنها مرحلة المسايرة والمجاراة والموافقة والانسجام مع المحيط
الاجتماعي ، وقبول العادات الاجتماعية الشائعة بغية تحقيق التوافق الاجتماعي ،
ويبدأ التطابق مع النماذج السلوكية التي قدمها الوالدان والمدرسون ورفاق السن ، ثم
نموذج المواطن كما تحدده الثقافة العامة )
([10]).
( وتجتذب
الصحبة السيئة إليها المراهقين لوجود المراهق في جو غير عطوف وغي آمن ، أو لإخفاق
المراهق في التوحد القوي مع أبيه أو البنت مع أمها ، فيبدأ البحث عن نماذج بديلة
في الصحبة )
([11]).
والخليل أو
القرين يؤثر على عقيدة الإنسان وقناعاته الفكرية ، وهذا أهم الآثار ، يقول تعالى :
{ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ، يا ويلتى
ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ، وكان الشيطان
للإنسان خذولاً }
[الفرقان : 28 - 30
] .
وعن أبي
موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إنما مثل الجليس
الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير : فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن
تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما
أن تجد منه ريحاً خبيثة ))
[متفق عليه
] ([12]).
والجليس
صيغة مبالغة من كثرة المجالسة والملازمة ، ولا شك أن للجليس أثراً تراكمياً
متدرجاً على شخصية المرء وأخلاقه
([13]). وتدخل هذه الآثار التراكمية إلى نفس القرين دون أن يشعر ، ولا ينتبه إلا بعد
فوات الأوان ، فلو كان احد القرناء يدخن والآخر لا يدخن ، ويظن في نفسه أنه لن
يتأثر بقرينه ولن يعتاد على التدخين ، لكن تعوده على رائحة التدخين من قرينه ، ثم
الرغبة اللاشعورية في التوحد مع قرينه ، تدفعه – دون أن يشعر– إلى المسايرة ،
فيدخن مرة لإرضاء قرينه ، ومرة ثانية وثالثة حتى يتعود التدخين ، وعندما لا يكون
الأب مدخناً ، فإن الولد المدخن يعتاد ذلك من أقرانه بالتأكيد . لذلك قال الشاعر :
عن المرء
لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن
يقتدي
وقال آخر :
وذو الغر إذا احت.........ك ذا الصحة أعداه
([14]) .
87- المعجم الوسيط .
88- كلمة دارجة في الحجاز وتعني ( مجموعة صغيرة ) .
89- محمد قطب ، ( 2، 203) .
90- حامد زهران ، ص 226.
91- حامد زهران ، ص 327 .
92- جامع الأصول ( 9 – 564 ) .
93- جامع الأصول ( 6 – 667 ) .
94- جامع الأصول ( 6 – 558 ) .
95- عبدالعزيز النغيمشي ، ص 71 .
96- حامد زهران ، ص 325 .
97- المرجع نفسه ، ص 327 .
98- جامع الأصول ( 6 – 513 ) .
99- عبدالعزيز النغيمشي ، ص 70 .
100- ذو العر : ( الجرب) أو الأجرب .