الفتوح في عهد
الوليد:
اشتهر في
زمن الوليدأربعة قواد عظام كان لهم أجمل الأثر في الفتح الإسلامي وهم:
1ــ محمد بن القاسم بن
محمد الثقفي.
2ــ قتيبة بن مسلم
الباهلي.
3ــموسى بن
نصير.
4ــ مسلمة بن عبد الملك
بن مروان.
فأما
القاسم بن محمد: فإنه كان أميراً على
ثغر السند من قبل الحجاج بن يوسف وكان الحجاج قد ضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام
وجهزه بكل مااحتاج إليه فسار القاسم إلى بلاد السند حتى أتى الديبل فنزل عليه وكان
به بد عظيم والبد منارة عظيمة تتخذ في بناء لهم فيه صنم أو أصنام لهم وكان كل شيء
أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد وكانت كتب الحجاج ترد على محمد وكتب محمد ترد
على الحجاج بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به كل ثلاثة. ولم يزل القاسم
حاصراً للديبل حتى خرج العدو إليه مرة فهزمهم ثم أمر بالسلاليم فوضعت وصعد عليها
الرجال ففتحت عنوة وقتل عامل داهر عليها ثم بنى مسجداً وأنزلها أربعة آلاف، ثم أتى
البيرون فأقام أهله العلوفة للقاسم وأدخلوه مدينتهم وكانوا قد بعثوا سمينين إلى
الحجاج فصالحوه فوفى لهم محمد بن القاسم بالصلح ثم جعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى
عبر نهر دون مهران فأتاه سمين سريبدس فصالحوه على من خلفهم ووظف عليهم الخراج وسار
إلى سهبان ففتحها ثم إلى مهران فبلغ ذلك داهر ملك السند فاستعد لمحاربته ثم إن محمد
عبر مهران وهو نهر السند على جسر عقد فالتقى بداهر في جنوده الكثيرة؛ وهو على فيل
وحوله الفيلة فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع وترجل داهر وقاتل فقتل عند المساء
وانهزم المشركون.
ولما قتل
داهر غلب محمد على بلاد السند، ثم فتحوا راور عنوة ثم أتى برهمناباذ العتيقة فقاتله
بها فل داهر ولكنهم انهزموا فخلف بها عاملاً، ثم سار فتلقاه أهل ساوندرى وسألوه
الأمان فأعطاهم الأمان فأعطاهم إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين، ودولتهم ثم تقدم
إلى يسمد فصالح أهلها على مثل صلح مثل صلح ساوندرى.
ثم انتهى
إلى الرور وهي من مدائن السند فحصر أهلها ثم فتحها صلحاً على أن يقتلهم ولا يعرض
لبدهم؛ وقال ما البد إلا ككنائس النصارى، واليهود، وبيوت نيران المجوس، ووضع عليهم
الخراج وبنى بالرور مسجداً، ثم سار حتى قطع نهر بباس إلى الملتان فقاتله أهل
الملتان فهزمهم حتى أدخلهم المدينة وحصرهم ثم نزلوا على حكمه فقتل كثيراً منهم
وأصاب فيها مغانم كثيرة وافرة وكان بد الملتان تهدي إليه الأموال وتنذر له لنذور
ويحج ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده فحاز محمد ذلك كله.
وفي ذلك
الوقت بلغته وفاة الحجاج فرجع عن الملتان إلى الرور وبغرور وكان قد فتحها فأعطى
الناس ووجه إلى البيلمان جيشاً فلم يقاتلوه وأعطوا الطاعة وسالمه أهل سرست ثم أتى
الكرج فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم العدو وهرب دوهر. بعد هذه الفتوح العظيمة التي
نشرت ظل الإسلام على جميع بلاد السند مات الوليد بن عبد الملك فوقف أمر محمد
وسنتكلم بعد على خاتمة حياته.
وأما قتيبة
بن مسلم: فكان أميراً على
خراسان للحجاج بن يوسف ولاه عليها بعد المفضل بن المهلب سنة
86.
ثم عرض
الجند في السلاح والكراع وسار واستخلف على مرو. فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين
بلخ وعظماؤهم فساروا معه ولما قطع النهر تلقاه ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب
فدعاه إلى بلاد فأتاه وأتى ملك مفتان بهدايا وأموال، ودعاه إلى بلاده فمضى مع
الصغانيان فسلم إليه بلاده وكان ملك آخرون وشومان قد أساءه جواره وضيق عليه فسار
قتيبة إلى آخرون وشومان وهما من طخستان فجاءه الملك فصالحه على فدية أداها فقبلها
قتيبة ورضي ثم عاد إلى مرو واستخلف على الجند ولما علم بذلك الحجاج كتب إليه يلومه
ويعجز رأيه في تخليفه الجند وكتب إليه إذا غزوت فكن في مقدم الناس وإذا قفلت فكن في
أخرياتهم وساقتهم.
وفي سنة 87
قدم على قتيبة نيزك وصالحه وكان سبب ذلك أنه كان في يد نيزك أسرى من المسلمين، فكتب
إليه قتيبة يأمره بإطلاقهم ويتهدده، فخالفه نيزك فأطلق الأسرى فوجه إليه قتيبة يطلب
منه القدوم عليه وحلف باللَّه لئن لم يفعل ليغزونه وليطلبنه حيث كان لا يقلع عنه
حتى يظفر به أو يموت قبل ذلك. فقدم عليه نيزك وصالحه على أهل بادغيس على أن لا
يدخلها.
وبعد ذلك
غزا قتيبة بيكند وهي أدنى مدائن بخارى إلى النهر فلما نزل بهم استنصر الصغد
واستمدوا من حولهم فأتوهم في جمع كثير وأخذوا بالطريق فلم ينفذ لقتيبة رسول ولم يصل
إليه رسول ولم يجز له خبر شهرين وأبطأ خبره على الحجاج فأشفق على الجند والقتال
دائر بين قتيبة وعدوه وذات يوم لقي المسلمون عدوهم بجد أنزل اللَّه عليهم نصرهم
فانهزم العدو عنهم يريدون دخول المدينة فحال المسلمون بينهم وبينها فتفرقوا وركب
المسلمون أكنافهم واعتصم بالمدينة عدد قليل دخلها ولما رأوا قتيبة ابتدأ بهدمها
سألوه الصلح فصالحهم وولى عليهم أميراً وسار عنهم فلما كان على خمسة فراسخ بلغه أن
أهل بيكند غدروا بالعامل فقتلوه وأصحابه فرجع إليهم وفتح المدينة عنوة فقتل مقاتلها
وأصاب فيها مغانم كثيرة ثم عاد إلى مرو.
ولما كان
الربيع سار عن مرو في عدة حسنة من الدواب السلاح وعبر النهر حتى أتى نومشكث وهي من
بخارى فصالحه أهلها ثم سار إلى رامثينة فصالحه أهلها فانصرف عنهم وزحف إليه الترك
معهم الصغد وأهل فرغانة فاعترضوا المسلمين في طريقهم فقاتلهم المسلمون قتالاً
شديداً أبلى فيه نيزك بلاء حسناً وهو مع قتيبة حتى انهزم الترك وفض جمعهم ثم رجع
إلى مرو فقطع النهر من ترمذ يريد بلخ ثم أتى مرو.
ثم أراد أن
يفتح بخارى فعبر النهر ومضى إلى بخارى فنزل خرقانة السفلى فلقيته جموع كثيرة
فقاتلهم وهزمهم ولما وصل بخارى استعد له ملكها فلم يظفر من البلد بشيء فرجع إلى مرو
وكتب إلى الحجاج فكتب إليه الحجاج أن صورها لي فبعث إليه بصورتها فكتب إليه الحجاج
أن ارجع إلى مراغتك فتب إلى اللَّه مما كان منك وائتها من مكان كذا فخرج قتيبة من
مرور سنة 90 فانتصر ملك بخارى بالصغد والترك من حولهم، ولكن قتيبة سبقهم إلى بخارى
فحصروها وفي أثناء الحصار جاء أهل بخارى المدد فخرجوا لقتال المسلمين فصبروا لهم ثم
جال المسلمون وركبهم المشركون فحطموهم حتى دخلوا عسكر قتيبة في القلب وجاوزه حتى
ضرب النساء وجوه الخيل وبكين فكر الناس راجعين وانطوت مجنبتا المسلمين على الترك
فقاتلوهم حتى ردهم إلى مواقفهم فوقف الترك على نشر فقال قتيبة من يزيلهم لنا من هذا
الموضع فلم يجبه أحد فمشى إلى بني تميم وقال لهم يوم كأيامكم أبي لكم الفداء فأخذ
وكيع وهو رأسهم اللواء بيده وقال يا بني تميم أتسلمونني اليوم قالوا لا يا أبا مطرف
وكان هزيم بن أبي طلحة المجاشعي على خيل بني تميم فقال وكيع اقدم يا هزيم ودفع إليه
الراية وقال قدم خيلك فتقدم هزيم ودب وكيع في الرجال فانتهى هزيم إلى نهر بينه وبين
العدو فقال له وكيع أقحم يا هزيم فنظر إليه هزيم نظر الجمل الصؤول وقال أنا أقحم
خيلي هذا النهر فإن انكشفت كان هلاكها واللَّه إنك لأحمق فقال وكيع مغضباً أتخالفني
وحذفه بعمود كان معه فضرب هزيم فأقحمه قال ما بعد أشد منه وعبر هزيم في الخيل
وانتهى وكيع إلى النهر فدعا بخشب فقنطر النهر وقال لأصحابه من وطن منكم نفسه على
الموت فليعبر ومن لا فليثبت مكانه فعبر معه 800 راجل فدب فيهم حتى إذا أعيوا أقعدهم
فأراحوا ثم دنا العدو فجعل الخيل مجنبتيه وقال هزيم إني مطاعن القوم فأشغلهم عنا
بالخيل وقال للناس شدوا فحملوا فما تثنوا حتى خالطوهم وحمل هزيم خيله عليهم
فطاعنونهم بالرماح فما كفوا عنهم حتى حدروهم عن موقفهم وهزموهم وجرح في هذا اليوم
خاقان ملك الترك وابنه. ولما تم الفتح كتب به قتيبة إلى الحجاج ولما تم لقتيبة ما
أراد من بخارى هابه أهل الصغد فطلبوا صلحه فصالحهم على فدية
يؤدونها.
وفي سنة 93
فتح قتيبة مدائن خوارزم صلحاً وكانت مدينة الفيل أحصنهم ثم غزا سمرقند وهي مدينة
الصغد ففتحها بعد قتال شديد وبنى بها مسجداً وصلى فيه وكان معه في هذه الغزوة أهل
بخارى وخوارزم ولما فتحها دعا نهار بن توسعة فقال يا نهار أين قولك:
ومات الندى والجود بعد المهلب وقد غيبا عن كل شرق ومغرب | | ألا ذهب الغزو المقرب للغني أقام بمرو الروذ رهن ضريحه |
| | أفغزوا هذا يا نهار قال هذا أحسن وأنا الذي أقول: |
ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم وأكثر فينا مقسماً بعد مقسم | | وما كان مذ كنا ولا كان قبلنا أعم لأهل الترك قتلا بسيفه |
ثم ارتحل
قتيبة راجعاً إلى مرو واستخلف على سمرقند عبد اللَّه بن مسلم وخلف عنده جنداً
كثيفاً وآله من آلات الحرب كثيرة. ثم انصرف إلى مرو فأقام
بها.
وفي سنة 94
غزا قتيبة شاش وفرعانة حتى بلغ خجندة وكاشان مدينتي فرغانة وقاتله أهل خجندة قتالاً
شديداً فهزمهم ثم أتى كاشان فافتتحها وفي سنة 96 افتتح مدينة كاشغر وهي أدنى مدائن
الصين سار إليها من مرو فمر بفرغاته وجاءه وهو بها موت الوليد بن عبد الملك فلم
يقعده ذلك عن الغزو وسار إلى كاشغر فافتتحها وكان بينه وبين ملك الصين هناك مراسلات
وأرسل إليه قتيبة وفداً عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي فلما كلمهم ملك الصين قال
لهم قولوا لقتيبة ينصرف فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه وإلا بعثت إليكم من يهلككم
ويهلكه، فقال له هبيرة كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت
الزيتون وكيف يكون حريصاً من خلف الدنيا قادراً عليها وغزاك وأما تخويفك إيانا
بالقتل فإنا لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه. قال فما
الذي يرضي صاحبك، قال إنه قد حلف أن لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويعطي
الجزية. قال فأنا نخرجه من يمينه نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤه ونبعث ببعض
أبنائنا فيختمهم ونبعث إليه بجزية يرضاها ثم دعا بصحاف من ذهب فيها تراب وبعث بحرير
وذهب وأربعة غلمان من ملوكهم ثم أجاز الوفد فساروا حتى قدموا على قتيبة فقبل الجزية
وختم الغلمة وردهم ووطىء التراب ثم عاد إلى مرو.
هكذا فتح
هذا القائد العظيم تلك البلاد الواسعة وضمها إلى المملكة الإسلامية فانتشر فيها
الإسلام حتى أخرجت العظماء من كتاب المسلمين وفقائهم ومحدثيهم وعلمائهم. كانت
لقتيبة همة لم تعرف عن الكثير من قواد الجنود وكان له في سياسة جنده الغاية فأحبهم
وأحبوه وساقهم إلى الموت فلم يبالوا وسنتكلم بعد على خاتمة
حياته.
وأما موسى
بن نصير: فإنه ذلك القائد
العظيم الذي فتح الأندلس وأدخل الإسلام في قارة أوروبا.
وأما مسلمة
بن عبد الملك فإن عزيمته ظهرت في حروب الروم فكان كل سنة يسير الجنود فيفتتح ما
أمامه من الحصون العظيمة التي أقامها الروم لحفظ بلادهم وربما كان يغزو معه العباس
بن الوليد بن عبد الملك. ومن الحصون التي افتتحوها حصن طوانة وحصن عمورية وإذاورلية
وهرقلة وقمونية وسيسطية والمرزبانين وطرسوس وكثير وغيرها حتى هابهم
الروم.