مروان بن محمد بن
مروان (الثاني):
ترجمته:
هو مروان
بن محمد بن مروان بن الحكم وأمه أم ولد كردية كانت لإبراهيم بن الأشتر فأخذها محمد
بن مروان يوم قتل إبراهيم فولدت له مروان سنة 70 من الهجرة وكان والياً على الجزيرة
وأرمينيا كما كان أبوه قبل ذلك وكان الناس يلقبونه بالجعدي لأنه تعلم من الجعد بن
درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدرة وغير ذلك. وبويع بالخلافة في دمشق بعد
انتصاره على أهلها سنة 127.
كانت مدة
مروان كلها مملوءة بالفتن والاضطرابات منذ بويع إلى أن قتل.
وأول ما
كان من ذلك خروج عبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب بالكوفة
داعياً إلى نفسه وكان معه من الشيعة عدد عظيم جداً وكان والي العراق عبد اللَّه بن
عمر بن عبد العزيز فجد في حربه، وكانت العامة تميل إليه لمحبتهم لأبيه فساعد ذلك
على أن غلب عبد اللَّه بن معاوية ونفاه عن العراق.
ثم كان
بالشم أفظع من ذلك وهو الخلاف المتوالي على مروان من أهل الأمصار الكبرى فانتفض
عليه أهل حمص، وكان له معهم واقعة هائلة انتصر فيها عليهم وقتل منهم مقتلة
عظيمة.
ثم خالف
عليه أهل الغوطة فحاربهم وانتصر عليهم. ثم خالف عليه أهل فلسطين فكانت له معهم
وقائع انتصر فيها عليهم؛ ثم ثار عليه سليمان بن هشام بن عبد الملك فإنه قد حسن له
بعض دعاة الشر والفتنة خلع مروان وقالوا له أنت أوضأ عند الناس من مروان وأولى
بالخلافة. فأجابهم إلى ذلك وسار بإخوته ومواليه معهم فعسكر بقنسرين وكاتب أهل الشام
فأتوه من كل وجه وبلغ الخبر مروان وكان بقرقيسياد فأقبل إليه بالجنود ولاقاه بقرية
خساف من أرض قنسرين وكانت النتيجة أن انهزم سليمان وجنده وأسر مروان منهم عدداً
عظيماً.
ومضى
سليمان في هزيمته حتى وصل حمص فاجتمعت عليه الفلول فقصده مروان، وفي الطريق قابلته
جنود سليمان فانهزموا، ولما علم سليمان بهزيمتهم ترك حمص وسار إلى تدمر فأقام بها،
وأما مروان فأتى حمص واستولى عليها. فأنتم ترون أن القوة التي كان يرتكز عليها ملك
بني أمية وهي جنود الشام فقد انشقت انشقاقاً محزناً تبعاً لانشقاق البيت المالك
وهذا أعظم ما يساعد العدو الذي يعرف كيف ينتهز الفرص.
لم تقف
الاضطرابات عند هذا الحد بل وجدت بقايا الخوارج الفرصة لإظهار ما في أنفسهم فخرج
الضحاك بن قيس الشيباني وأتى الكوفة واستولى عليها من يد أميرها عبد اللَّه بن عبد
العزيز فهرب عبد اللَّه إلى واسط فتبعوه ولما اشتدت الحرب سلم عبد اللَّه الأمر إلى
الضحاك وبايعه وصار من عداد الحرورية وكذلك دخل في هذه البيعة سليمان بن هشام بن
عبد الملك ولما تم ذلك للضحاك عاد إلى الموصل فافتتحها واستولى على كورها وكان
مروان إذ ذاك محاصراً حمص فلما بلغه الخبر كتب إلى ابنه عبد اللَّه وهو خليفته
بالجزيرة يأمره أن يسير إلى نصيبين فيمن معه ليمنع الضحاك عن توسط الجزيرة، فسار
إليها في سبعة آلاف فسار إليه الضحاك وحصره في نصيبين وكان مع الضحاك نحو من مائة
ألف ولما انتهى مروان من أمر حمص سار لمقابلة الضحاك فالتقى به في نواحي كفر توتا
فحصلت بين الفريقين موقعة عظيمة قتل فيها الضحاك فولى الخوارج عليهم سعيد بن بهدل
الخيبري أحد قواد الضحاك وأعادوا الكرة على جند مروان فانهزم القلب وفيه مروان ووصل
الخيبري إلى خيمته وثبتت الميمنة والميسرة ولما رأى أهل العسكر قلة من مع الخيبري
ثار إليه العبيد بعمد الخيم فقتلوه هو ومن معه وبلغ الخبر مروان وقد جاز المعسكر
بخمسة أميال منهزماً فانصرف إلى عسكره ورد خيوله إلى مواقعها وبات ليلته في
عسكره.
ولما علم
الخوارج بقتل الخيبري ولو بدله شيبان بن عبد العزيز اليشكري فأقام يقاتل مروان
ولكنه لما رأى أن الناس يتفرقون عنه انصرف بمن معه إلى الموصل فتبعهم مروان وأقام
يقاتلهم ستة أشهر.
في أثناء
ذلك سير مروان يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق بالجنود فأجلى الخوارج عن أمصاره
وضبطها ولما تم له ذلك سير جنداً لمساعدة مروان فلما علم شيبان بذلك كره أن يكون
بين عدوين فرحل عن الموصل فسير مروان في أثره جنداً وأمر القائد أن يقيم حيث يقيم
شيبان وأن لا يبدأه بقتال فإن قاتله شيبان قاتله فلم يزل يتبعه حتى لاقاه بجيرفت
وهزمه هزيمة منكرة فمضى شيبان إلى سجستان فهلك لها وذلك سنة
130.
ومن الذين
خرجوا على مروان وشغلوه المختار بن عوف الأزدي الشهير بأبي حمزة وكان يوافي الموسم
كل سنة يدعو إلى خلاف مروان بن محمد ولم يزل على ذلك حتى وافى عبد اللَّه بن يحيى
في آخر سنة 128 فقال يا رجل اسمع كلاماً حسناً آراك تدعو إلى حق فانطلق معي فإني
رجل مطاع في قومي فخرج حتى ورد حضرموت فبايعه أبو حمزة على الخلافة ودعا إلى خلاف
مروان وآل مروان.
وبينما
الناس بعرفة سنة 129 إذا طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رؤوس الرماح وهم سبعمائة
ففزع الناس حين رأوهم وسألوهم عن حالهم فأخبرهم بخلافهم مروان وآل مروان فراسلهم
عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ على مكة والمدينة وطلب منهم الهدنة
فقالوا نحن بحجنا أضن وعليه أشح فصالحهن على أنهم جميعاً آمنون بعضهم من بعض
حتىينفر الناس النفر الأخير.
فوقفوا
بعرفة على حدة ولما كان النفر الأول نفر عبد الواحد فيه وخلى مكة فدخلها أبو حمزة
بغير قتال ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة فضرب على أهلها البحث وزادهم في
العطاء عشرة واستعمل عليه عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عمر بن عثمان فمضوا حتى إذا
كانوا بقديد لقيتهم جنود أبي حمزة فأوقعت بهم وقتلت منهم مقتلة عظيمة وذلك لسبع
بقين من صفر سنة 130 ثم سار أبو حمزة حتى دخل المدينة من غير أن يلقى فيها
حرباً.
ثم إن أبا
حمزة ودع أهل المدينة وسار نحو الشام وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة آلاف فارس
واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي وأمره أن يجد في السير ويقاتل
الخوارج فإذا ظفر بهم سار حتى يبلغ اليمن ويقاتل عبد اللَّه بن يحيى فسار ابن عطية
حتى لقي أبا حمزة بوادي القرى فقاتله حتى قتله وهزم أصحابه ثم سار إلى المدينة
فأقام بها شهراً وبعد ذلك سار إلى اليمن وبلغ عبد اللَّه بن يحيى مسيره إليه وهو
بصنعاء فأقبل إليه بمن معه ولما التقيا قتل عبد اللَّه وحمل رأسه إلى
الشام.
كل هذه
المشاغل والفتن التي كانت بالشام والحجاز شغلت مروان عن خراسان وما كان يجري فيها
فكان ذلك أعظم مساعد لشيعة بني العباس ورئيسهم المقدام أبي مسلم الخراساني على أخذ
خراسان ومبايعة أهلها على الرضا من بني العباس ثم مدوا سلطانهم إلى العراق فاستولوا
عليه من عمال بني أمية وسنفصل حديثهم وما كان منهم حينما نشغل بتاريخ الدولة
العباسية.
وفي شهر
ربيه الأول سنة 132 بويع بالكوفة لأبي العباس السفاح أول الدولة العباسية. وبعد أن
تم له الأمر بالعراق فكر في إرسال الجند لمروان حتى يقضي عليه القضاء الأخير،
فاختار عمه عبد اللَّه بن علي قائداً لذلك الجند حتى التقى بمروان وجنده على نهر
الزاب لليلتين خلتا من جمادي الآخرة سنة 132 وهناك كانت الموقعة العظمى بين الجندين
وانتهت بهزيمة مروان بن محمد بعد أن قتل ممن معه مقتلة عظيمة وكانت الهزيمة لإحدى
عشرة ليلة خلت من جمادي الآخرة وصار مروان ينتقل من بلد إلى آخر وعبد اللَّه بن علي
يتبعه ولما جاز مروان أرض الشام قاصداً مصر أرسل عبد اللَّه في أثره أخاه صالح بن
علي فلم يزل وراءه حتى عثر به نازلاً في كنيسة بقرية بوصير وبعد قتال خفيف قتل
مروان لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 132 وبقتله انتهت أيام الدولة الأموية وابتدأ
عصر الخلافة العباسي {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن
تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران:
26].