الآنية، وفيه عدة مسائل:
الآنية:
هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره، سواء كانت من الحديد أو من غيره. والأصل
فيها الإباحة؛ لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا) [البقرة: 29].
المسألة
الأولى: استعمال آنية الذهب والفضة وغيرهما في الطهارة:
يجوز
استعمال جميع الأواني في الأكل والشرب وسائر الاستعمال، إذا كانت طاهرة مباحة، ولو
كانت ثمينة، لبقائها على الأصل وهو الإباحة، ما عدا آنية الذهب والفضة، فإنه يحرم
الأكل والشرب فيهما خاصة، دون سائر الاستعمال؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في
الدنيا ولكم في الآخرة) (1)، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الذي
يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) (2) فهذا نصٌ على تحريم الأكل
والشرب دون سائر الاستعمال، فدل على جواز استعمالها في الطهارة. والنهي عام يتناول
الإناء الخالص، أو المُمَوَّه (3) بالذهب أو الفضة، أو الذي فيه شيء من الذهب
والفضة.
المسألة الثانية: حكم استعمال الإناء المُضَبَّب (4) بالذهب
والفضة:
إن كانت الضبة من الذهب حرم استعمال الإناء مطلقاً؛ لدخوله تحت عموم
النص، أما إن كانت الضبة من الفضة وهي يسيرة فإنه يجوز استعمال الإناء؛ لحديث أنس -
رضي الله عنه - قال: (انكسر قدح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فاتخذ مكان الشعْب سلسلة من فضة) (5).
__________
(1) رواه البخاري برقم
(5426)، ومسلم برقم (2067).
(2) رواه البخاري برقم (5634)، ومسلم برقم
(2065).
(3) المُمَوَّه: المطليّ.
(4) التضبيب: هو وصل الإناء المكسور
بالحديد ونحوه.
(5) رواه البخاري برقم (3109).
المسألة
الثالثة: آنية الكفار:
الأصل في
آنية الكفار الحل، إلا إذا عُلمت نجاستها، فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد غسلها؛
لحديث أبي ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في
آنيتهم؟ قال: (لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها، ثم كلوا فيها)
(1).
وأما إذا لم تُعلم نجاستها بأن يكون أهلها غير معروفين بمباشرة النجاسة،
فإنه يجوز استعمالها؛ لأنه ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وأصحابه أخذوا الماء للوضوء من مَزَادة امرأة مشركة (2)، ولأن الله سبحانه قد أباح
لنا طعام أهل الكتاب، وقد يقدِّمونه إلينا في أوانيهم، كما دعا غلام يهودي النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على خبز شعير وإهالَة سَنِخَة فأكل منها
(3).
المسألة
الرابعة: الطهارة في الآنية المتخذة من جلود الميتة:
جلد
الميتة إذا دبغ طهر وجاز استعماله لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(أيما إهاب (4) دبغ فقد طهر) (5). ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرّ
على شاة ميتة فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هلَّا أخذوا إهابها
فدبغوه فانتفعوا به) ؟ فقالوا: إنها ميتة. قال: (فإنما حَرُمَ أكلُهَا) (6). وهذا
فيما إذا كانت الميتة مما تحلها الذكاة وإلا فلا.
أما شعرها فهو طاهر -أي شعر
الميتة المباحة الأكل في حال الحياة- وأما اللحم فإنه نجس، ومحرم أكله. لقوله
تعالى: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ
فَإِنَّهُ رِجْسٌ) [الأنعام: 145].
__________
(1) رواه البخاري برقم (5478)،
ومسلم برقم (1930).
(2) رواه البخاري في كتاب التيمم باب الصعيد الطيب رقم (344)
ومسلم كتاب المساجد باب قضاء الصلاة الفائتة برقم (682)، والمزادة: قربة كبيرة يزاد
فيها جلد من غيرها.
(3) أخرجه أحمد (3/210، 211). وصححه الألباني في الإرواء
(1/71) والإهالة: الشحم والزيت. والسنخة: المتغيرة الريح.
(4) الإهاب: الجلد قبل
أن يدبغ.
(5) رواه الترمذي برقم (1650)، ومسلم برقم (366) بلفظ: (إذا دبغ الإهاب
فقد طهر) من حديث ابن عباس.
(6) رواه مسلم برقم (363)، وابن ماجه برقم
(3610).
ويحصل
الدبغ بتنظيف الأذى والقذر الذي كان في الجلد، بواسطة مواد تضاف إلى الماء كالملح
وغيره، أو بالنبات المعروف كالقَرَظ أو العرعر ونحوهما.
وأما ما لا تحله الذكاة
فإنه لا يطهر، وعلى هذا فجلد الهرة وما دونها في الخلقة لا يطهر بالدبغ، ولو كان في
حال الحياة طاهراً.
وجلد ما يحرم أكله ولو كان طاهراً في الحياة فإنه لا يطهر
بالدباغ.
والخلاصة: أن كل حيوان مات، وهو من مأكول اللحم، فإنَّ جلده يطهر
بالدباغ، وكل حيوان مات، وليس من مأكول اللحم، فإن جلده لا يطهر بالدباغ