1- تعريفها: الوديعة هي عين يضعها مالكها أو نائبه عند من يحفظها بلا عوض.
2-
أدلة مشروعيتها: الأصل فيها قوله تعالى: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ
أَمَانَتَهُ) [البقرة: 283]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58].
وقال - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك) (1). ولأن الضرورة
والحاجة داعية للإيداع.
فمن وجد في نفسه القدرة على حفظ الأمانة فإنه يستحب له
أن يقبل الوديعة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والله في عون
العبد ما دام العبد في عون أخيه) (2).
أما إذا علم من نفسه عدم القدرة على حفظ
الوديعة فإنه لا يجوز له قبولها.
شرط صحتها:
أن تكون من جائز التصرف لمثله، فلو أودع إنسان جائز التصرف ماله عند
صغير أو مجنون أو سفيه، فأتلفه فلا ضمان، لتفريطه. وإن أودع الصغير ونحوه ماله عند
آخر، صار الوديع ضامناً؛ لتعديه بأخذه.
في الأحكام المتعلقة بالوديعة:
1- الوديعة أمانة في يد المستودع، فلا ضمان عليه إن لم يفرط؛ لأنها
أمانة كسائر الأمانات، والأمين لا يضمن إن لم يتعد، لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا ضمان على مؤتمن) (3).
__________
(1) رواه أبو
داود برقم (3535)، والترمذي برقم (1264)، وصححه الألباني في الإرواء
(5/381).
(2) رواه مسلم برقم (2699).
(3) رواه الدارقطني برقم (4113)،
والبيهقي (6/289)، وحسَّنه الألباني بمجموع طرقه (الإرواء برقم
1547).
2-
إذا تعدَّى على الوديعة، أو فرَّط في حفظها، فإنه يضمنها إذا تلفت؛ لأنه متلف لمال
غيره.
3- يجب على المستودع حفظ الوديعة في حرز مثلها عرفاً؛ لأن الله عز وجل أمر
بأداء الأمانات إلى أهلها، ولا يمكن ذلك إلا بحفظها، ولأن المقصود من الإيداع
الحفظ، والوديم ملتزم بذلك، فإن لم يحفظها لم يفعل ما التزمه.
4- يجوز للمستودع
أن يدفع الوديعة إلى من يحفظ ماله عادة، كزوجته وعبده وخازنه وخادمه، وإن تلفت
عندهم من غير تعد ولا تفريط، فلا ضمان عليهم.
5- لا يجوز أن يودعها عند غيره من
غير عذر، وأما لعذر: كسفر أو حضور موت فجائز. وعليه: فإن أودعها عند الغير بعذر،
فتلفت، لم يضمن، وإن كان بغير عذر ضمن؛ لتعدِّيه وتفريطه.
6- إذا خاف المستودع
على الوديعة أو أراد السفر، فإنه يجب عليه ردُّها إلى صاحبها أو وكيله، فإن لم
يجدهما فإنه يحملها معه في السفر، إذا كان ذلك أحفظ لها، وإلا دفعها إلى الحاكم،
فإن لم يتمكن أودعها عند من يثق به؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قبل الهجرة إلى المدينة أودع الودائع لأم أيمن رضي الله عنها، وأمر علياً أن
يردَّها إلى أهلها (1). وكذلك إذا مرض المستودع مرضاً مخوفاً، وعنده ودائع، فإنه
يجب عليه ردها إلى أصحابها، فإن لم يتمكن أودعها عند الحاكم، أوعند من يثق
به.
7- إذا كانت الوديعة دابة لزم المستودع إعلافها، وتغذيتها، فإن أهملها،
وتلفت، ضمنها، ويأثم بهذا الإهمال لحرمتها، ولأن كل كبد رطب فيها أجر.
8-
المستودع أمين يُقبل قوله، إذا ادعى أنه رد الوديعة إلى صاحبها، أو من يقوم مقامه،
ويقبل قوله مع يمينه، إذا ادعى أنها تلفت من غير تعد ولا تفريط.
وعلى المستودع
ألا يؤخر الوديعة عند طلب صاحبها لها، فإن أخَّرها من غير عذر، فتلفت، فإنه
يضمن.
__________
(1) رواه البيهقي (6/289) وحسنه الألباني في إرواء الغليل
(5/384).
9- من
الصور المعاصرة للوديعة: الودائع المصرفية، وهي ما يقوم به الأفراد من إيداع مبالغ
نقدية في البنوك، إلى أجل محدد أو مطلقاً، ويقوم البنك بالتصرف في هذه المبالغ،
ويدفع لصاحبها فائدة مالية ثابتة، وهذه تصير في معنى القرض، من حيث تملُّك البنك
لعينها، وتعلقها بذمته، وتعهده برد مثلها عند المطالبة، وهي بهذه الصورة من الربا
المحرم، فليحذر المسلمون من الوقوع فيه. أما الودائع التي لا يتقاضى صاحبها عليها
فائدة، كالذي يعرف اليوم بالحساب الجاري، فلا شيء فيه، لأنه لم يأخذ زيادة على أصل
ماله. أما إذا ألزم الشخص بقبض الزيادة، وكان مضطراً إلى الإيداع في مثل هذه البنوك
بحيث يلحقه ضرر محقق بترك ذلك، فإنه يقبض هذه الزيادة، وينفقها في مصالح المسلمين
العامة.