بعد انقضاء المدة المحكوم على بني إسرائيل فيها بالتيه، فتح بنو إسرائيل الأرض
المقدسة بقيادة يوشع بن نون عليه السلام، ويذكر اليهود أنهم دخلوها من ناحية نهر
الأردن.
ويقسم المؤرخون تاريخهم في فلسطين إلى ثلاثة عهود:
أ - عهد
القضاة:
والمراد به أن يوشع بن نون عليه السلام لما فتح الأرض المقدسة، قسم
الأرض المفتوحة على أسباط بني إسرائيل، فأعطى لكل سبط قسماً من الأرض، وجعل على كل
سبط رئيساً من كبرائهم، وجعل على جميع الأسباط قاضياً واحداً يحتكمون إليه فيما شجر
بينهم، وهو يمثل الرئيس لجميع الأسباط، واستمر هذا الحال ببني إسرائيل قرابة
أربعمائة عام فيما يذكر اليهود، وكان بينهم وبين أعدائهم حروب دائمة يكون النصر
فيها لبني إسرائيل مرَّة ولأعدائهم أُخرى.
ب - عهد الملوك:
وهو العهد الذي
بدأ فيه الحكم ملكيًّا، وقد قصَّ الله علينا خبر أول ملوكهم في قوله عز وجل: أَلَمْ
تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ
لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ
[البقرة:246]. فجعل الله عزَّ وجلَّ عليهم طالوت ملكاً، فقبلوه على كره منهم،
ويسمونه في كتابهم شاؤول. وملك عليهم بعده داود عليه السلام، ثم ابنه سليمان عليه
السلام، وكان عهدهما أزهى العهود التى مرت على بني إسرائيل على الإطلاق، وذلك لما
أوتيه هذان النبيَّان الكريمان من العدل والحكمة مع الطاعة والعبادة لله عزَّ
وجلَّ.
ج - عهد الانقسام:
هو العهد التالي لسليمان عليه السلام حيث تنازع
الأمر بعده رحبعام بن سليمان عليه السلام ويربعام بن نباط، فاستقل رحبعام بسبط
يهوذا وسبط بنيامين، وكوَّن دولة في جنوب فلسطين عاصمتها (بيت المقدس)، وسُميت دولة
يهوذا نسبة إلى سبط حكامها، وهو سبط يهوذا الذي من نسله داود وسليمان عليهما السلام
وملوك تلك الدولة. واستقلَّ يربعام بن نباط بالعشرة أسباط الأخرى، وكوَّن دولة في
شمال فلسطين، سُميت دولة إسرائيل وجعل عاصمتها نابلس، وأهل هذه الدولة يسمون لدى
اليهود بـ (السامريين)، نسبة إلى جبلٍ هناك يسمَّى (شامر) اشتراه أحد ملوكهم وهو
(عمري) وسمَّاه نسبة إلى صاحبه السامرة، وسُميت منطقتهم (السامرة). ويلاحظ أن
السامريين - وهم شعب دولة إسرائيل- غيَّروا قبلتهم من بيت المقدس إلى جبل يسمى
(جرزيم) ويعتبرهم اليهود من شعب يهوذا ملاحدة وكفاراً؛ لتغييرهم القبلة. ثم إنَّ
الدولتين كان بينهما عداء وقتال، وكان يحدث في بعض الفترات من تاريخهما توافق
وتعاون، وكانت دولة إسرائيل كثيرة القلاقل والفتن وتغيَّرت الأسرة الحاكمة فيها
مراراً عديدة. أما دولة يهوذا فاستقر الحكم في سبط يهوذا في ذرية سليمان بن داود
عليه السلام، وكانت تقع على الدولتين حروب من جيرانهم الأراميين، والفلسطينيين،
والأدوميين والموآبيين كما أن الدولتين وقع من حكامهما وشعبيهما عبادة للأصنام في
كثير من الأوقات وخاصة دولة إسرائيل واليهود السامريين.
O دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد
العزيز الخلف – ص 54