ثروات الخلجان:
(وهو الذي
مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً)[سورة
الفرقان].
أي اختلطا ولكن مع هذا نجد نهراً فراتاً ـ أي ماؤه عذب ـ
" شديد العذوبة " ، وآخر مالحاً
" شديد الملوحة " ثم بينهما برزخ ـ أي حاجز
ـ يمنع كلاً منهما أن يطغى على الآخر، وهي ظاهرة طبعية موجودة من أقدم العصور، وقد
وضحها القرآن وكشف عن أسابها العلم الحديث، وهو : إذا التقى نهران في ممر مائي واحد
فماء أحدهما لا يطغى على ماء الآخر، أو يذوب فيه، بل يظل كل منهما مستقلاً عن
الآخر، فالماء العذب في جانب والماء المالح في جانب آخر، ويحدث ذلك عند الأنهار
القريبة من السواحل حيث ماء النهر يصب في ماء البحر عند حدوث المد البحري، فالماء
العذب في جانب والماء المالح في جانب آخرن ويحدث ذلك عند الأنهار القريبة نم
السواحل حيث ماء النهر يصب في ماء البحر عند حدوث المد البحري، ولكنهما لا يختلطان،
حيث يبقى الماء العذب تحت الماء الأجاج، تأن بينهما خطأ فاصلاً يميز أحدهما عن
الآخر، ويمنع اختلاطهما تماماً حيث توجد منطقة حجز مائي، وبالتالي يوجد حجر سمكي،
وحجر نباتي بحري، كما صورتها الأقمار الصناعية، كما يحدث عند التقاء نهر النيل
بالبحر المتوسط والسبب العلمي في ذلك هو قانون " المط " أوالتمدد
السطحي " Tension
Surface"وهو القانون الضابط للمواد السائلة حيث الفصل بين السائلين لأن تجاذب
الجزئيات يختلف من سائل لآخر حيث الفصل بين السائلين، لذا فإنه يحتفظ كل سائل
باستقلاله كل في مجاله: الماء العذب والماء الأجاج . وكمثال مبسط إنك لو ملأت كوباً
بالماء فإنه لن يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب بقدر معين حيث إن جزيئات السائل
عندما لا تجد شيئاً تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلى ما هو تحتها، وعندئذ توجد
غشاوة مرنة على سطح الماء Elastic
film
حيث تمنع هذه الغشاوة الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة، وهذا الغشاوة قوية
لدرجة أنها لو وضعت عليها إبرة من الحديد فإنها لن تغوص، وهذا هو قانون " التمدد
السطحي " وهو نفسه الذي يحول دون اختلاط الماء والزيت في الإناء ، ويفصل بين الماء
العذب والمالح كما أخبرنا القرآن الكريم. ثم نجد في سورة النمل (أمن جعل
الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع
الله بل أكثرهم لا يعلمون ).
حيث إن الأرض مستقر وجعل ـ سبحانه وتعالى ـ الأنهار حيث الماء العذب
النقي، وكذلك فإن جميع الحضارات قد قامت على ضفاف الأنهار: فعلى الدلتا والوادي
قامت الحضارة المصرية القديمة، والبابلية والآشورية، حول دجلة والفرات، وكذلك حول
اليانجستي في الصين، والأمازون والميسيسيبي في أمريكا، والدنوب في أوربا، والفولجا
في روسيا. ومع الحضارة ولدت الحكومة والإدارة والعلم والتنظيم والتخطيط العمراني،
بل والدولة بأكملها بجميع أنماط الحياة، ثم جعل الخالق لها رواسي وهي : الجبال،
ولابد أن نلاحظ أمراً مهماً جداً وهو : الارتباط الوثيق بين الأنهار والرواسي ـ
الجبال ـ والذي في آيات القرآن في سورة الرعد (وهو الذي مد
الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل
النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). وسورة النمل :
(أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً جعل خلالها أنهاراً وجعل لها
رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا
يعلمون). سورة النحل (وألقى في
الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون). وهذا الإعجاز القرآني لم
يكتشفه العلم إلا حديثاً، حيث إن مصدر ثراء الأنهار هو نحت مياه الأمطار وجرفها
لقمة الجبل يمدها بالغرين والطمي حيث تآكل الأجزاء المنحدرة للجبل بفعل المطر
والصقيع والشمس ـ التأثير الجوي ـ حيث تندفع إلى النهر فتصير ضفتا النهر أوسع وأقل
انحداراً، ثم يؤدي التآكل النهري تدريجياً إلى تكوين واد بأكمله والدلتا والروافد
الكبيرة، وهكذا أوضحنا الربط القرآني بين الأنهار والرواسي والدلتات، وحيث لا توجد
رواسي ـ جبال ـ مرتبطة بالنهر فإنه يستتبع ذلك انعدام الغرين والطمي فينشأ الماء
معدوم الخصوبة، وبذلك تحتاج الأراضي الزراعية إلى مخصبات وأسمدة كيماوية لمعالجة
نقص الطمي والذي لا تخفى أهميته كمجدد لشباب التربة كل عام. بقي أن نوضح حكمة
الخالق في جعل الأنهار تتشقق من الحجارة (وإن من
الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما
يهبط من خشية الله )[سورة البقرة].
في الإشارة إلى تفجير المياه الجوفية المختزنة في الحجارة تماماً كما
حدث في قصة سيدنا إسماعيل ـ عليه السلام ـ ثم ننتقل إلى توضيح الربط بين الماء
العذب والماء المالح والغرين والطمي لتكوين الأودية والدلتا للنهر عند مصبه في
النهر من خلال إعجاز الآيات القرآنية الكريمة
(أَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ
زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ
أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ
فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد:
17].
حيث إن ماء المطر قد أجرى الوديان، ثم تحمل الروافد الطين والغرين. ولكن
بسبب تباطؤ سرعة مياه الأنهار وإلى أن المادة الطميية ـ الزبد ـ تحمل شحنات كهربية
سالبة، ولأن قاع النهر هو الآخر يحمل شحنات سالبة لذا يستحيل أن يستقر في قاع
النهر، وبتنافرهما معاً ينتج عن ذلك مزيج رغوي ـ الزبد الرابي ـ حيث يظل يندفع مع
مياه النهر أثناء سيره واندفاعه وحركته حتى يصل إلى الماء المالح والذي يحتوي على
شحنات كهربية موجبة ناتجة عن كلوريد الصوديوم، لذا ففي منطقة تلاقي ماء النهر
والماء المالح تتعادل شحنات الطمي الرغوي فيتحدان حيث يسقط الطمي في قاع النهر
ويترسب مكوناً تراكمات طينية عبر آلاف السنين فتحدث دلتا النهر حيث الحضارة والحياة
والعمران فضلاً عن تأثير الترسبات وتكوينها معادن الخلجان كالفضة والذهب غيرهما،
وحقول البترول والغاز الطبيعي، كما يهاجر إليها كثير من الأسماك لوضع البيض مما
يجعل الثروة السمكية تركز على طول السواحل وعند مصبات الأنهار، خاصة أنه يمكن الصيد
في مياه النهر وفي مياه البحر، فضلاً عن أن هذه المنطقة قليلة الغور كثيرة الأكسجين
بالإضافة إلى حرارة الشمس مما يساعد على فقس البيض وكثرة السمك. ونختم هذا المبحث
بثروات الخلجان بتوضيح سورة الرحمن (مرج البحرين
يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان ) [آية : 19ـ 20].
وإن كان قد أوضحنا العلاقة بين التقاء ماء النهر بماء البحر وما بينهما
من برزخ فإن الآيات تحمل إلينا مفاجأة حيث أكدت الحقائق العلمية والاكتشافات
الحديثة عن طريق التصوير من الأقمار الصناعية أن المحيط الأطلسي مقسم إلى عدة أبحر
متفاوتة الخواص التكوينية والملوحية، وأن ملتقى البحر الأبيض المتوسط مع المحيط
الأطلنطي عند مضيق جبل طارق، وكذلك البرزخ الفاصل بين البحر الأسود والبحر المتوسط
عند مضيق البسفور والدردنيل، مما يؤكد على أن البحار المالحة أيضاً بينها برزخ يفصل
بينها حتى لا تطغى، وذلك لاختلاف الملوحة والخواص التكوينية المستقلة لكل منها
كدرجة الحرارة ودرجة الملوحة ودرجة ذوبان الأوكسجين، وهو ما توضحه الآية الكريمة "
بينهما رزخ لا يبغيان " حيث ثبت علمياً وبقياسات دقيقة وجود التيارات المائية
التحتية في مضيق جبل طارق والتي تفصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، وذات
الظاهرة نجدها في مضيق البسفور حيث الحواجز الصخرية التحتية بين البحرين المتوسط
والأسود، وبين المحيط الأطلنطي والبحر المتوسط، فنجد أن هذا البرزخ يجعل استحالة
اختلاط مياه البحار والمحيطات بعضها ببعض كما قد أعلمتنا الآيات العظيمة