فصل: اعلم أنه قد صنَّف في عمل اليوم والليلة جماعةٌ من الأئمة كتباً نفيسة، رَووا فيها ما ذكروه بأسانيدهم المتصلة، وطرَّقُوها من طرق كثيرة، ومن أحسنها "عمل اليوم والليلة" للإِمام أبي عبد الرحمن النسائي، وأحسن منه وأنفس وأكثر فوائد كتاب "عمل اليوم والليلة" لصاحبه الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السنيّ رضي اللّه عنهم. وقد سمعتُ أنا جميعَ كتاب ابن السني على شيخنا الإمام الحافظ أبي البقاء خالد بن يوسف
بن سعد بن الحسن رضي اللّه عنه، قال: أخبرنا الإمام العلامة أبو اليَمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن الكِنْدي سنة اثنتين وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإِمام أبو الحسن سعد الخير محمد بن سَهْل الأنصاريّ، قال: أخبرنا الشيخُ الإِمام أبو محمد عبد الرحمن بن سعد بن أحمد بن الحسن الدُّوني، قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمدُ بن الحسين بن محمد بن الكسَّار الدَّينوري، قال: أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمدُ بن محمد بن إسحاق السُّني رضي اللّه عنه. وإنما ذكرتُ هذا الإسناد هنا لأني سأنقلُ من كتاب ابن السني إن شاء اللّه تعالى جُملاً، فأحببتُ تقديمَ إسناد الكتاب، وهذا مستحسنٌ عند أئمة الحديث وغيرهم، وإنما خصصتُ ذكر إسناد هذا الكتاب لكونه أجمع الكتب في هذا الفنّ، وإلا فجميعُ ما أذكرهُ فيه لي به رواياتٌ صحيحةٌ بسماعات متصلة بحمد اللّه تعالى إلا الشاذّ النادر، فمن ذلك ما أنقلُه من الكتب الخمسة التي هي أصول الإسلام، وهي: الصحيحان للبخاري ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، ومن ذلك ما هو من كتب المسانيد والسنن كموطأ الإمام مالك، وكمسند الإمام أحمد بن حنبل، وأبي عَوانة، وسنن ابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي وغيرها من الكتب، ومن الأجزاء مما ستراه إن شاء اللّه تعالى، وكلُّ هذه المذكورات أرويها بالأسانيد المتصلة الصحيحة إلى مؤلفها، واللّه أعلم.
فصل: اعلم أن ما أذكرهُ في هذا الكتاب من الأحاديث أُضيفه إلى الكتب المشهورة وغيرها مما قدّمتُه، ثم ما كان في صحيحي البخاري ومسلم أو في أحدهما أقتصرُ على إضضافته إليهما لحصول الغرض وهو صحته، فإن جميعَ ما فيهما صحيح، وأما ما كان في غيرهما فأُضيفُه إلى كتب السنن وشبهها مبيِّناً صحته وحسنه أو ضعفه إن كان فيه ضعفٌ في غالب المواضع، وقد أغفلُ عن صحته وحسنه وضعفه.
واعلم أن سنن أبي داود من أكبر ما أنقلُ منه، وقد روينا عنه أنه قال: ذكرتُ في كتابي: الصحيح وما يُشبهه ويُقاربه، وما كان فيه ضعف شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضُها أصحّ من بعض. هذا كلام أبي داود، وفيه فائدة حسنة يحتاجُ إليها صاحب هذا الكتاب وغيرُه، وهي أن ما رواه أبو داود في سننه ولم يذكر ضعفَه فهو عنده
صحيح أو حسن، وكلاهُما يُحتجّ به في الأحكام، فكيف بالفضائل. فإذا تقرّر هذا فمتى رأيتَ هنا حديثاً من رواية أبي داود وليس فيه تضعيف، فاعلم أنه لم يضعِّفْه
، واللّه أعلم.
وقد رأيتُ أن أُقدِّم في أوّل الكتاب باباً في فضيلة الذكر مطلقاً أذكر فيه أطرافاً يسيرة توطئةً لما بعدها، ثم أذكرُ مقصود الكتاب في أبوابه، وأختمُ الكتابَ إن شاء اللّه تعالى بباب الاستغفار تفاؤلاً بأن يختم اللّه لنا به، واللّه الموفِّق، وبه الثقة، وعليه التوكل والاعتماد، وإليه التفويضُ والاستناد.