قد تظاهرت الأخبارُ الصحيحةُ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يُكَبِّر للركوع وهو سنّة، ولو تركه كان مكروهاً كراهة تنزيه، ولا تبطلُ صلاتُه ولا يسجدُ للسهو، وكذلك جميع التكبيرات التي في الصلاة هذا حكمها إلا تكبيرة الإِحرام، فإنها ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها؛ وقد قدّمنا عَدَّ تكبيرات الصلاة في أوّل أبواب الدخول في الصلاة.
وعن الإِمام أحمد رواية: أن جميع هذه التكبيرات واجبة. وهل يستحبّ مدُّ هذا التكبير؟ فيه قولان للشافعي رحمه اللّه: أصحُّهما وهو الجديد يستحبّ مدّه إلى أن يصل إلى حدّ الراكعين فيشتغل بتسبيح الركوع لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر، بخلاف تكبيرة الإِحرام، فإن الصحيح استحباب ترك المدّ فيها، لأنه يحتاج إلى بسط النيّة عليها، فإذا مدّها شقّ عليه، وإذا اختصرها سهل عليه، وهكذا حكم باقي التكبيرات، وقد تقدم إيضاحُ هذا في باب تكبيرة الإِحرام، واللّه أعلم.
فصل: فإذا وصل إلى حدّ الراكعين اشتغل بأذكار الركوع فيقول: سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ.
1/105 فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ركوعه الطويل الذي كان قريباً من قراءة البقرة والنساء وآل عمران "سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ" ومعناه: كرّر سبحان ربي العظيم فيه، كما جاء مبيِّناً في سنن أبي داود وغيره.
وجاء في كتب السنن أنه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذَا قالَ أحَدُكُمْ سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ ثَلاثاً فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ" أبو داود *886* ، والترمذي *261* وابن ماجه *890* ، عن ابن مسعود، وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل، لأن عوناً لم يلق ابن مسعود* . * مسلم *772* ، وأبو داود *871* ، والنسائي 3/226.* "*أبو داود *886* ، والترمذي *261* وابن ماجه *890* ، عن ابن مسعود، وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل، لأن عوناً لم يلق ابن مسعود* . * مسلم *772* ، وأبو داود *871* ، والنسائي 3/226.*
2/106 وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: " سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي" يتأوَّلُ القرآنَ.
3/107 وثبت في صحيح مسلم عن عليّ رضي اللّه عنه:
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا ركع يقول: "اللهمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي وَعَصبِي". وجاء في كتاب السنن "خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي، ومَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ".
4/108 وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ" قال أهل اللغة: سبوح قدوس: بضم أولهما وفتحهِ أيضاً لغتان: أجودهما وأشهرهما وأكثرهما الضمُّ.
5/109 وروينا عن عوف بن مالك رضي اللّه عننه قال:
قمتُ مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقام فقرأ سورة البقرة لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: "سُبْحانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكوتِ والكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ" ثم قال في سجوده مثل ذلك. هذا حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي في سننهما، والترمذي في كتاب الشمائل بأسانيد صحيحة. * أبو داود
6/110 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ".
واعلم أن هذا الحديث الأخير هو مقصودُ الفصل، وهو تعظيم الربّ سبحانه وتعالى في الركوع بأيّ لفظ كان، ولكن الأفضل أن يجمعَ بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك بحيث لا يشقّ على غيره، ويقدم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصارَ فيستحبُّ التسبيح، وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرّة كان فاعلاً لأصل التسبيح. ويُستحبّ إذا اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضاً آخر، وهكذا يفعل في الأوقات حتى يكون فاعلاً لجميعها، وكذا ينبغي أن يفعل في أذكار جميع الأبواب.
واعلم أن الذكرَ في الركوع سنّةٌ عندنا وعند جماهير العلماء، فلو تركه عمداً أو سهواً لا تبطلُ صلاته ولا يأثمُ ولا يسجد للسهو. وذهب الإِمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أنه واجب، فينبغي للمصلي المحافظة عليه، للأحاديث الصريحة الصحيحة في الأمر به، كحديث: "أما الركوع فعظموا فيه الربّ" وغيره مما سبق، وليخرج عن خلاف العلماء رحمهم اللّه، واللّه أعلم.
فصل: يُكره قراءة القرآن في الركوع والسجود، فإن قرأ غير الفاتحة لم تبطل صلاتُه، وكذا لو قرأ الفاتحة لا تبطل صلاته على الأصحّ، وقال بعض أصحابنا: تبطل.
7/111 روينا في صحيح مسلم عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال:
"نهاني رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً
8/112 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "ألا وَإني نُهِيتُ أنْ أقْرأ القُرآنَ رَاكِعاً أوْ ساجِداً".