فوائد رمضانية
(من
تعليقات الشيخ الألباني على كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق رحمهما الله)
قوله-أي
الشيخ سيد سابق رحمه الله في فقه السنة- تحت عنوان : فضله : "3 -وعن عبد الله بن عمرو
أن النبي e
قال
: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة . . . " . رواه أحمد بسند صحيح
".
قلت : بل إسناد أحمد ضعيف ،
لأن فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف من قبل حفظه ، وإنما نشأ هذا الخطأ من اختصار المؤلف
لتخريج المنذري للحديث اختصارا مخلا، فقد قال في "الترغيب " : ( رواه أحمد والطبراني في "الكبير" ، ورجاله
محتج بهم في الصحيح ) .
ففهم المؤلف أن الضمير في
قوله : "ورجاله " ، راجع إلى الحديث ، وبناء عليه استجاز عزوه لأحمد عندما اختصر
الطبراني ، وليس كذلك بل الضمير راجع إلى الطبراني لأنه أقرب مذكور، وقد صرح به
الهيثمي ، فقال:"رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، ورجال الطبراني رجال الصحيح
".
ثم استلزم المؤلف من قول
المنذري : "ورجاله محتج بهم في الصحيح " أن الإسناد صحيح ، فصرح هو بذلك ، وليس
بلازم لما حققناه في المقدمة .
نعم ، الحديث لم يتفرد به
ابن لهيعة كما يفيده صريح كلام الهيثمي ، وهو الواقع ، فقد تابعه عبد الله بن وهب
عند ابن نصر في "قيام الليل " (صر 13)، والحاكم (1 / 554)، وقال : "صحيح على شرط
مسلم "، ووافقه الذهبي ، وقد وهما، فإن شيخ ابن وهب ، وكذا ابن لهيعة فيه حُيَي بن
عبد الله ، ولم يخرج له مسلم شيئا ، ثم إنه تكلم فيه بعضهم بما لا ينزل حديثه عن
رتبة الحسن إن شاء الله تعالى.
وجملة القول أن الحديث حسن
الإسناد . والله أعلم .
قوله
: "4 - وعن أبي
سعيد
أن النبي
e
قال
: "من صام رمضان وعرف حدوده ، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه ، كفر ما قبله " .
رواه أحمد والبيهقي بسند جيد" . قلت : كذا قال ، وفيه نظر
لأن في سندهما عبد الله بن قريط ، قال الهيثمي : "ذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا" .
قلت : فهو في عداد المجهولين
، وتوثيق ابن حبان له لا يدفع الجهالة عنه ، لما بينا مرارا أن من مذهبه توثيق
المجهول ! ولذلك قال الحسيني في "رجال المسند": (( مجهول )) . كما في "التعجيل "،
وهو مخرج في "الضعيفة " (5083) .
ومن
(الترهيب من الفطر في رمضان )
قوله
: "2 - وعن أبي هريرة أن النبي e
قال
: " من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له ، لم يقض عنه صيام الدهر كله
، وإن صامه " . رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ، وقال البخاري : ويذكر عن أبي
هريرة رفعه . .
."
قلت : الحديث ضعيف ، وقد
أشار لذلك البخاري بقوله : "ويذكر" ، وضعفه ابن خزيمة في "صحيحه " (3 / 238) ،
والمنذري والبغوي والقرطبي والذهبي والدميري
فيما نقله المناوي ، والحافظ
ابن
حجر
، وذكر له ثلاث
علل : الاضطراب ، والجهالة ، والانقطاع ! راجع لها "فتح الباري " (4/161) ، ولكنه
أخطأ في قوله : "وصححه ابن خزيمة"، والصواب أن يقال : رواه في صحيحه ، وضعفه في
الترجمة بقوله : "إن صح الخبر، فإني لا أعرف ابن المطوس ، ولا أباه " .
وكذلك أخطأ خطأً فاحشاً أحد
إخواننا - رحمه الله - في تأليفه "الأحاديث الصحيحة" اختارها من "صحيح البخاري"
لأنه لم يعلم أنه معلق عنده ، وأن معلقاته ليست كلها صحيحة عنده فضلاً عن غيره ،
وأن هذا مما ضعفه هو نفسه إشارة كما ذكرت آنفا . ومن
(اختلاف المطالع )
تحت
هذا
العنوان ذكر
المؤلف ثلاثة
مذاهب
:
الأول
: مذهب الجمهور، أنه لا
عبرة باختلاف
المطالع لعموم قوله e "صوموا
لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته " .
متفق
عليه ، وهو مخرج في "إرواء الغليل " (902) من طرق عن أبي هريرة وغيره
.
الثاني :
أن لكل بلد رؤيتهم ، ولا يلزمهم رؤية غيرهم . . . واحتج لهم بحديث ابن عباس عند
مسلم وغيره .
الثالث
: لزوم
أهل
بلد
الرؤية
وما يتصل بها
من
الجهات التي
على
سمتها .
واختار
المؤلف هذا المذهب الأخير معلقا عليه بقوله : "هذا
هو المشاهد، ويتفق مع الواقع " . قلت : وهذا كلام عجيب غريب ،
لأنه إن صح أنه مشاهد موافق للواقع ، فليس فيه أنه موافق للشرع أولا، ولأن الجهات -
كالمطالع - أمور نسبية ليس لها حدود مادية يمكن للناس أن يتبينوها ويقفوا عندها ،
ثانيا .
وأنا - والله - لا أدري ما
الذي حمل المؤلف على اختيار هذا الرأي الشاذ ، وأن يعرض عن الأخذ بعموم الحديث
الصحيح ، وبخاصة أنه مذهب الجمهور، كما ذكره هو نفسه ، وقد اختاره كثير من العلماء
المحققين ، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (المجلد 25) ، والشوكاني في "نيل
الأوطار، ، وصديق حسن خان في "الروضة الندية" (1 / 4 22 - 225)، وغيره ، فهو الحق
الذي لا يصح سواه ، ولا يعارضه حديث ابن عباس لأمور ذكرها الشوكاني رخمه الله ،
ولعل الأقوى أن يقال : إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده ، ثم بلغه في
أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم ، ففي هذه الحالة يستمر في
الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين ، أو يروا هلالهم . وبذلك يزول الإشكال ،
ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه ، يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو
إقليم من غير تحديد مسافة أصلا، كما قال ابن تيمية في (الفتاوى، (25 / 07 ا)، وهذا
أمر متيسر اليوم للغاية كما هو معلوم ، ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول الإسلامية
حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى .
وإلى أن تجتمع الدول
الإسلامية على ذلك ، فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ، ولا ينقسم على
نفسه ، فيصوم بعضهم معها، وبضعهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت ، لما في ذلك
من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد، كما وقع في بعض الدول العربية ، منذ بضع
سنين . والله المستعان .
ومن
(من رأى الهلال وحده ) :
وتحت
هذا العنوان الجانبي قال :
"واتفقت أئمة الفقه على
أن من
أبصر هلال الصوم
وحده - أن يصوم " .
فأقول : هذا ليس على إطلاقه
، بل فيه تفصيل ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له ، فقال (25 / 14 ا) :
"إذا رأى هلال الصوم وحده ،
أو هلال الفطر وحده ، فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه ، أو يفطر برؤية نفسه ، أم لا
يصوم ولا يفطر إلا مع الناس ، على ثلاثة أقوال ، هي ثلاث روايات عن أحمد " ، ثم
ذكرها، والذي يهمنا ذكره منها ما وافق الحديث ، وهو قوله : "والثالث : يصوم مع
الناس ، ويفطر مع الناس ، وهذا أظهر الأقوال ، لقول النبي e :
"صومكم يوم تصومون ، وفطركم
يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحون ". رواه الترمذي وقال : حسن غريب . قال : وفسر بعض
أهل العلم هذا الحديث فقال : إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس "
. وهذا الحديث مخرج في
"الصحيحة" (224) ، و "الإرواء" (905) من طرق عن أبي هريرة، فمن شاء رجع إليها
. ثم قال ابن تيمية (17ا) :
"لكن من كان في مكان ليس فيه غيره ، إذا رآه صام ، فإنه ليس هناك غيره "
.
قوله
تحت عنوان : من يرخص
لهم
لي الفطر، ويجب عليهم القضاء:
"وعن
عبيد بن جبير قال : ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان فدفع -
ثم قرب غداءه ، ثم قال : اقترب ، فقلت : ألست بين البيوت
، فقال أبو بصرة : أرغبت عن سنة رسول الله e "
رواه
أحمد
وأبو داود ، ورجاله ثقات . قلت : كذا
قال المؤلف تبعا للشوكاني ، وفيه نظر من وجهين :
الأول : أن
عبيد بن جبير مجهول ، وقيل في اسم أبيه : "حنين "، فإن كان ابنه فهو ثقة .
والأخر :
الراوي عنه كليب بن ذهل ، قال ابن خزيمة : "لا أعرفه بعدالة" .
وأفاد
الحافظ في "التقريب " أنه لين الحديث .
لكن يشهد
له الحديث الآتي بعده ، وحديث آخر عن أنس ، وسنده صحيح كما حققته في رسالتي "تصحيح
حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر"، وهي مطبوعة.
وقوله
: "وقد روى أحمد وأبو داود والبيهقي والطحاوي عن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج
من قرية من دمشق مرة إلى قدر عقبة من
الفسطاط
في رمضان ، ثم إنه أفطر . . . وجميع رواة الحديث ثقات ، إلا منصور الكلبي ، وقد وثقه
العجلي
". قلت :
توثيق العجلي في منزلة توثيق ابن حبان ، ولذلك لم يعتمده ههنا الذهبي وغيره من
المحققين ، فقال الذهبي في ترجمته من "الميزان ":
"ما روى عنه سوى مرثد المزني هذا الحديث ، ولم
يصححه عبد الحق " .
وقال ابن
المديني : "مجهول لا أعرفه " . وقال ابن خزيمة : " لا أعرفه " .
والحافظ مع
ذكره لتوثيق العجلي له في " التهذيب " لم يتبنه في " التقريب " ، حيث قال
:"مستور".
ولهذا ضعف
الحديث الخطابي في " المعالم " ، فقال : "ليس بالقوي ، وفي إسناده رجل ليس
بالمشهور" .
لكن يقويه
الحديث الذي قبله ، وحديث أنس الذي أشرت إليه آنفا .