الزيدية
والزيدية مقرون بخلافة الخلفاء الثلاثة، وهم من الشيعة، وفيهم قدرية، وغير قدرية([1]).
اختلاف القدرية في الظلم والعدل. والتحقيق فيه
اختلفت القدرية([2]) والجهمية الجبرية في الظلم:
فقالت القدرية: الظلم في حقه هو ما نعرفه من ظلم الناس بعضهم بعضًا. فإذا قيل إنه خالق أفعال العباد وإنه مريد لكل ما وقع وقيل مع ذلك: إنه يعذب العاصي كان هذا ظلمًا كظلمنا، وسموا أنفسهم (العدلية).
وقالت الجهمية: الظلم في حقه هو ما يمتنع وجوده. فأما كل ما يمكن وجوده فليس بظلم؛ فإن الظلم إما مخالفة أمرِ مَنْ تجب طاعته، وإما التصرف في ملك الغير بغير إذنه والرب ليس فوقه آمر ولا لغيره ملك بل إنما يتصرف في ملكه فكل ما يمكن فليس بظلم؛ بل إذا نعَّمَ فرعون وأبا جهل وأمثالهما ممن كفر به وعصاه، وعذب موسى ومحمدًا ممن آمن به وأطاعه فهو مثل العكس فالجميع بالنسبة إليه سواء.
والقدرية يقولون: إن الله سوَّى بين المكلفين في القدرة ولم يخص المؤمنين بما فضلهم به على الكفار حتى آمنوا، ولا فضل المطيعين بما فضلهم به على العصاة حتى أطاعوا. وهذا من أقوال القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل الصريح.
ومن اعتقد أن مِنَّته على المؤمنين بالهداية دون الكافرين ظلم منه فهذا جهل لأن هذا تفضل منه كما قال تعالى:
} بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{([3])، فتخصيص هذا بالإيمان كتخصيص هذا بمزيد صحة وعلم وقوة وحال ومال، قال تعالى:
}أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{([4])، ولهذا قيل: كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل.
والظلم الذي هو ظلم أن يعاقب الإنسان على ظلم غيره قال تعالى: } وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا {([5]).
قال المفسرون: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره. والهضم أن ينقص من حسناته، فجعل سبحانه عقوبته بذنب غيره ظلمًا ونزه نفسه عنه.
فأما عقوبته على فعله الاختياري وإنصاف المظلومين من الظالمين فهو من كمال عدل الله تعالى.
وقول الجمهور من مثبتي القدر ونفاته: إن الظلم مقدور لله ممكن، والله سبحانه لا يفعله لعدله، فهو منزه عنه؛ ولهذا مدح نفسه حيث أخبر أنه لا يظلم الناس شيئًا؛ والمدح يكون بترك المقدور عليه لا بترك الممتنع.
ولا نزاع بين المسلمين أن الله عادل ليس ظالمًا؛ لكن ليس كل ما كان ظلمًا من العبد يكون ظلمًا من الرب، ولا ما كان قبيحًا من العبد يكون قبيحًا من الرب؛ فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله([6]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ج (1) ص (357، 358).
([2]) القدرية حدثوا في أوائل المائة الأولى من زمن ابن الزبير وعبدالملك.
([3]) سورة الحجرات آية: (17).
([4]) سورة الزخرف آية: (32).
([5]) سورة طه آية: (112).
([6]) ج (3) ص (23) ج (2) ص (40، 33) ج (1) ص (42، 368، 361، 366).