النبوة عصمة الأنبياء وغلو الرافضة الإمامية فيها
الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، وهذا هو مقصود الرسالة؛ فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره، وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين بحيث لا يجوز أن يستقر في ذلك شيء من الخطأ.
وتنازعوا هل يجوز أن يسبق على لسانه ما يستدركه الله تعالى ويبينه له بحيث لا يقره على الخطأ كما نقل أنه ألقى على لسانه (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) ثم إن الله نسخ ما ألقاه الشيطان وأحكم آياته. فمنهم من لم يجوز ذلك، ومنهم من جوزه، إذ لا محذور فيه.
ولا يقرون على فسق ولا كذب.
ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله فهم متفقون على تنزيههم عنه.
وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها فلا يصدر منهم ما يضرهم كما جاء في الأثر: كان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة. والله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين. وإن العبد ليفعل السيئة فيدخل بها الجنة.
وقد ذكر الله في القرآن أن لوطًا آمن لإبراهيم وبعثه الله نبيًّا.
وقال شعيب:
} قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا {([1]). } وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِيمِلَّتِنَا {([2]) وقد أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر ثم نبأهم بعد توبتهم وهم الأسباط الذين أمرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء.
وإذا كان في هؤلاء من صار نبيًا فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم. وهذا مما تُنَازِعُ فيه الرافضة وغيرهم، ويقولون: من صدر منه ذنب لا يصير نبيًا؛ لكن الاعتبار بما دل عليه الكتاب والسنة.
وعمدتهم أن التائب من الذنب يكون مذمومًا ناقصًا لا يستحق النبوة ولو صار من أعظم الناس طاعة. وهذا هو الأصل الذي نوزعوا فيه. والكتاب والسنة يدلان على بطلان قولهم فيه.
فإنهم سلبوهم ما أعطاهم الله من الكمال وعلو الدرجات بحقيقة التوبة والاستغفار والانتقال من كمال إلى ما هو أكمل منه، وكذبوا ما أخبر الله به من ذلك، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وظنوا أن انتقال الآدمي من الجهل إلى العلم ومن الضلال إلى الهدى ومن الغي إلى الرشاد تنقصًا، ولم يعلموا أن هذا من أعظم نعم الله وأعظم قدرته حيث ينقل العباد من النقص إلى الكمال، وأنه قد يكون الذي يذوق الشر والخير ويعرفهما يكون حبه للخير وبغضه للشر أعظم ممن لا يعرف إلا الخير، كما قال عمر رضي الله عنه: «إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية».
فالإمامية الاثنا عشرية يقولون: إن أصول الدين أربعة:التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة. وهم مختلفون في التوحيد والعدل والإمامة.
فأما النبوة فغايتهم أن يكونوا مقرين بها كإقرار سائر الأمة.
لكن غلوهم في الأنبياء لم يوافقهم عليه أحد، اللهم إلا أن يكون من غلاة جهال النساك فإن بينهم وبين الرافضة قدرًا مشتركًا في الغلو، وفي الجهل وفي الانقياد لما لا تعلم صحته. والطائفتان يشبهان النصارى في ذلك([3]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سورة الأعراف آية: (89).
([2]) سورة إبراهيم آية: (13).
([3]) ج (1) ص (174، 306) ج (4) ص (37) ج (2) ص (335، 133).