وعلي لم يدَّع الإمامة قبل قتل عثمان ولا أنه معصوم أو منصوص
عليّ رضي الله عنه لم يدَّع الإمامة قط حتى قتل عثمان، ولم يقل: إني معصوم، ولا أن الرسول جعلني الإمام بعده، ولا أنه أوجب على الناس متابعتي، ولا نحو هذه الألفاظ؛ بل نحن نعلم بالاضطرار أن من نقل هذا ونحوه عنه فهو كاذب عليه، ونحن نعلم أن عليًا كان أتقى لله من أن يدعي الكذب الظاهر الذي تعلم الصحابة كلهم أنه كذب([1]).
ولا نص عليه
والنص على عليّ ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وأجمع أهل الحديث على بطلانه، حتى قال أبو محمد بن حزم: ما وجدنا قط رواية عن أحد في هذا النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا نعرف من هو في الخلق([2]).
ونقل النص على خلافة عليّ كذب من طرق كثيرة؛ فإن هذا النص لم يبلغه أحد بإسناد صحيح فضلاً عن أن يكون متواترًا، ولا نقل أن أحدًا ذكره على جهة الخفاء، مع تنازع الناس في الخلافة وتشاورهم فيها يوم السقيفة وحين موت عمر وحين جعل الأمر بينهم شورى في ستة، ثم لما قتل عثمان واختلف الناس على عليّ؛ فمن المعلوم أن مثل هذا النص لو كان كما تقوله الرافضة من أنه نص على عليٍّ نصًا جليًا قاطعًا للعذر علمه المسلمون لكان من المعلوم بالضرورة أنه لابد أن ينقله الناس نقل مثله، وأنه لابد أن يذكره كثير من الناس نقل مثله،بل أكثرهم في مثل هذه المواطن التي تتوفر الهمم على ذكره فيها غاية التوفر، فانتفاء ما يعلم أنه لازم يقتضي انتفاء ما يعلم أنه ملزوم([3]).
ولم يشتغل بدفن النبي عن الإمامة
وقول القائل: إن عليًا كان مشغولاً بما أمره النبي r من دفنه وتجهيزه وملازمة قبره كذب ظاهر، وهو مناقض لما يدعونه، فإن النبي r لم يدفن إلا بالليل لم يدفن بالنهار. وقيل: إنه إنما دفن الليل المقبلة، ولم يأمر أحدًا بملازمة قبره، ولا لازم عليّ قبره؛ بل قبر في بيت عائشة وعليّ أجنبي منها.
ثم كيف يأمره بملازمة قبره وقد أمر بزعمهم أن يكون إمامًا بعده.
ولم يشتغل بتجهيزه عليّ وحده بل عليّ والعباس وبنو العباس ومولاه شقران وبعض الأنصار، وأبو بكر وعمر وغيرهما على باب النبي حاضرون غسله وتجهيزه لم يكونوا حينئذ في بني ساعدة.
لكن السنة أن يتولى الميت أهل فتولى أهله غسله وتجهيزه، وأخروا دفنه ليصلي عليه المسلمون، فإنهم صلوا عليه أفرادًا واحدًا بعد واحد رجالهم ونساؤهم خلق كثير، فلم يتسع يوم الاثنين لذلك مع تغسيله وتكفينه، بل صلوا عليه يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء([4]).
ولم يكن أبو بكر في جيش أسامة لئلا ينازع عليًا
وأهل الفرية يزعمون أن الجيش كان فيه أبو بكر وعمر، وأن مقصود الرسول كان إخراجهما لئلا ينازعا عليًا. وهذا إنما يكذبه ويفتريه من هو أجهل الناس بأحوال الرسول والصحابة وأعظم الناس تعمدًا للكذب، وإلا فالرسول طول مرضه يامر أبا بكر أن يصلي بالناس والناس كلهم حاضرون، ولو ولى رسول الله r على الناس من ولاه لأطاعوه، وكان المهاجرون والأنصار يحاربون من نازع أمر الله ورسوله وهم الذين نصروا دينه أوَّلاً وآخرًا ...
فياليت شعري ممن كان يخاف الرسول فقد نصره الله وأعزه وحوله المهاجرون والأنصار الذين لو أمرهم بقتل آبائهم وأبنائهم لفعلوا([5]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ج (4) ص (24) ج (1) ص (225).
([2]) ج (4) ص (238) ج (3) ص (213).
([3]) ج (4) ص (118).
([4]) ج (3) ص (216).
([5]) ج (3) ص (214).