فضائل الصحابة والقرابة وموقف أهل السنة والشيعة منها
الثناء في القرآن بالإيمان والأعمال، لا بمجرد النسب والمصاهرة
لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلاً لا على ولد نبي ولا على أبي نبي، وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم. وإذا ذكر صنفًا وأثنى عليهم فلما فيهم من الإيمان والعمل لا لمجرد النسب.
ولهذا لما ذكر الأنبياء ذكرهم في الأنعام، وهم ثمانية عشر قال: } وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {([1]). فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائهم سبحانه وتعالى وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم لا بنفس القرابة.
وفي القرآن الثناء والمدح للصحابة بإيمانهم وأعمالهم في غير آية كقوله: } وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ {([2]).
وقوله: } لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى {([3]).
وهكذا الثناء على المؤمنين من الأمة أولها وآخرها على المتقين والمحسنين والمقسطين والصالحين، وأمثال هذه الأنواع.
وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى، وفي القرآن آية الخمس والفيء، وفيه أمر لهم بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرًا. وفي القرآن الأمر بالصلاة على النبي r وقد فسر ذلك بأن يصلى عليه وعلى آله.
وفي القرآن الأمر بمحبة الله ومحبة رسوله، ومحبة أهله من تمام محبته.
وفي القرآن أن أزواجه أمهات المؤمنين.
وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كونه من ذوي القربى وأهل البيت ولا الثناء عليهم بذلك ولا ذكر استحقاقه الفضيلة عند الله بذلك ولا تفضيله على من يساويه في التقوى بذلك، وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل فذاك أمر ماض فأخبر بأن في جعله عبرة لنا فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح بالأعمال ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل وذكر ما ذكره من كفر من كفر منهم وذنوبهم وعقوبتهم فذكر فيهم النوعين الثواب والعقاب وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن به المدح تارة إن كان صاحبه من أهل الإيمان والتقوى، وإلا فإن ذم صاحبه أكثر.
وكذلك المصاهرة قال الله تعالى:
}ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{([4]).
... وهكذا في الشجاعة والكرم والزهد والدين. فالفضائل الخارجية لا عبرة بها عند الله تعالى إلا أن تكون سببًا في زيادة الفضائل الداخلية، وحينئذ تكون الفضيلة بالفضائل الداخلية. وأما الفضائل البدنية فلا اعتبار بها إن لم تكن صادرة عن الفضيلة الداخلية([5]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سورة الأنعام آية: (87).
([2]) سورة التوبة آية: (100).
([3]) سورة الحديد آية: (10).
([4]) سورة التحريم الآيتان: (10، 11).
([5]) ج (4) ص (199، 200).