ولما قال السلف: إن الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد r فسبهم الرافضة. كان هذا كلامًا حقًا. وكذلك قوله في الحديث الصحيح: «لا تسبوا أصحابي»([1]) يقتضى تحريم سبهم، مع أن الأمر بالاستغفار للمؤمنين والنهي عن سبهم عام، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي r قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([2]) وقد قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([3]).
فقد نهى عن السخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب. واللمز: العيب والطعن ومنه قوله تعالى: } وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ {([4]) أي يعيب ويطعن عليك، وأما الاستغفار للمؤمنين عمومًا فقد قال الله تعالى: } وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {([5]) وقد أمر الله بالصلاة على من يموت([6]) وكان النبي r يستغفر للمنافقين حتى نهى عن ذلك([7])،([8]).
ويسمون من أثبت خلافة الثلاثة ناصبيًا
تسميتهم لمن أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ناصبيًا بناء على أنهم لما اعتقدوا أنه لا ولاية لعلي إلا بالبراءة من هؤلاء جعلوا كل من لم يتبرأ منهم ناصبيًا.
فيقال لمن قال ذلك: إنْ كان مرادك بالنصب بُغض علي وأهل البيت فأهل السنة ليسوا ناصبة.
وإن كنت تريد بذلك أنهم يوالون الخلفاء فسم هذا بما شئت } إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ {.
والمدح والذم: إنما يتعلق بالأسماء إذا كان لها أصل في الشرع كلفظ المؤمن والكافر والبر والفاجر والعالم والجاهل.
ثم من أراد أن يمدح أو يذم فعليه أن يبين دخول الممدوح والمذموم في تلك الأسماء التي علق الله ورسوله بها المدح والذم.
والكتاب والسنة ليس فيه لفظ (ناصبة).
وليس فيه أيضًا لفظ (رافضة). ونحن إذا قلنا رافضة نذكره للتعريف لأن مسمى هذا الاسم يدخل فيه أنواع مذمومة بالكتاب والسنة من الكذب على الله ورسوله، وتكذيب الحق الذي جاء به رسوله، ومعاداة أولياء الله بل خيار أوليائه، وموالاة اليهود والنصارى والمشركين كما نبين وجوه الذم.
وأهل السنة والجماعة لا يمكن أن يعمهم معنى مذموم في الكتاب والسنة بحال كما يعم الرافضة.
نعم يوجد في بعضهم ما هو مذموم ولكن هذا لا يلزم منه ذمهم، كما أن المسلمين إذا كان فيهم مذموم لذنب ارتكبه لم يستلزمه ذم الإسلام وأهله القائلين بواجباته([9]).
ويحبون عَليًّا لم يوجد ويبغضون عَليًّا
المتصف بصفاته الحقيقة
المحبة الصحيحة أن يحب العبد ذلك المحبوب على ما هو عليه في نفس الأمر؛ فلو اعتقد رجل في بعض الصالحين أنه من الأنبياء أو أنه من السابقين الأولين فأحبه كان قد أحب من لا حقيقة له؛ لأنه أحب ذلك الشخص بناء على أنه موصوف بتلك الصفة وهي باطلة فقد أحب معدومًا لا موجودًا.
ومحبة الرافضة لعلي رضي الله عنه من هذا الباب فإنهم يحبون ما لم يوجد- وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته الذي لا إمام بعد النبي إلا هو الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ظالمين معتدين أو كافرين.
فإذا تبين لهم يوم القيامة أن عليًا لم يكن أفضل من واحد من هؤلاء وإنما غايته أن يكون قريبًا من أحدهم وأنه كان مقرًا بإمامتهم وفضلهم ولم يكن معصومًا لا هو ولا هم ولا كان منصوصًا على إمامته تبين لهم أنهم لم يكونوا يحبون عليًا، بل هم من أعظم الناس بُغضًا لعلي رضي الله عنه في الحقيقة فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت في علي أكمل منها في غيره من إثبات إمامة الثلاثة وتفضيلهم؛ فإن عليًا رضي الله عنه كان يفضلهم ويقر بإمامتهم. فتبين أنهم يبغضون عليًا قطعًا.
وبهذا تبين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: «إنه لعهد النبي الأمي إليّ ألا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»([10]) إنْ كان هذا محفوظًا ثابتًا عن النبي r وكانوا مقرين به ...
وعند الرافضة كل من كان من بني هاشم يحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فليس بمطهر([11]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أخرجه مسلم (2540) والبخاري ك (62) ب (5) وفي رواية «كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله r: لا تسبوا أصحابي».
([2]) أخرجه البخاري ك (92) ب (
ومسلم ص (81).
([3]) سورة الحجرات آية: (11).
([4]) سورة التوبة آية: (58).
([5]) سورة محمد آية: (19).
([6]) فكان النبي r يصلي على كل من مات من المسلمين وقد نهي عن الصلاة على المنافقين كما قال تعالى: } وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ {.
([7]) } اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ { الآية.
([8]) ج (3) ص (58، 59) ج (2) ص (294، 295).
([9]) ج (1) ص (345، 346) لعله: القائمين بواجباته.
([10]) رواه مسلم رقم (78) باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي عنهم منهم من الإيمان أوله «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه .. إلخ» رواه الترمذي والنسائي.
([11]) ج 2 ص (329، 320، 311).