من جهل الرافضة أنهم يعظمون أنساب الأنبياء آباءهم وأبناءهم ويقدحون في أزواجهم كل ذلك عصبية واتباعًا للهوى، حتى يعظمون فاطمة والحسن والحسين ويقدحون في عائشة أم المؤمنين؛ فيقولون أو من يقول منهم إن آزر أبا إبراهيم كان مؤمنًا، وأن أبوي النبي r كانا مؤمنين، حتى يقولون: إن النبي لا يكون أبوه كافرًا لأنه إذا كان أبوه كافرًا أمكن أن يكون ابنه كافرًا فلا يكون في مجرد النسب فضيلة.
وهذا مما يدفعون به أن ابن نوح كان كافرًا لكونه ابن نبي فلان يجعلونه كافرًا مع كونه ابنه.
ويقولون أيضًا: إن أبا طالب كان مؤمنًا. ومنهم من يقول كان اسمه عمران وهو المذكور في قوله تعالى:
} إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {([1]).
وهذا الذي فعلوه مع ما فيه من الافتراء والبهتان فيه من التناقض وعدم حصول مقصودهم ما لا يخفى.
وذلك أنَّ كون الرجل أبيه أوابنه كافرًا لا ينقصه ذلك عند الله شيئًا؛ فإن الله يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي.
ومن المعلوم أن الصحابة أفضل من آبائهم وكان آباؤهم كفارًا بخلاف كونه زوج بغية قحبة فإن هذا من أعظم ما يذم ويعاب، لأن مضرة ذلك تدخل عليه؛ بخلاف كفر أبيه أو ابنه.
وأيضًا فلو كان المؤمن لا يلد إلا مؤمنًا لكان بنو آدم كلهم مؤمنين، وقد قال الله تعالى:
}وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ إلى آخر القصة... ([2])
وأيضًا فهم يقدحون في العباس عم النبي r الذي تواتر إيمانه. ويمدحون أبا طالب الذي مات كافرًا باتفاق أهل العلم، كما اتفقت عليه الأحاديث الصحيحة، ففي الصحيحين عن ابن المسيب بن حزن عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله r فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله r: «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله r يعرضها عليه ويعود له ويعودون عليه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي r لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك فأنزل الله تعالى:
} مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {([3]).
وأنزل في أبي طالب:
} إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {([4]).
وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا، وقال فيه «قال أبو طالب لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى: } إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ {»([5]).
وفي الصحيحين عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله: هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك وينصرك ويغضب لك؟ فقال: «نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار»([6]).
وفي حديث أبي سعيد لما ذكر عنده قال: «لعله تنفعه شفاعتي فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منهما دماغه» أخرجاه في الصحيحين([7]).([8]).
رميهم عائشة رضي الله عنها وامرأة نوح
يرمون عائشة بالعظائم، ثم منهم من يرميها بالفاحشة التي برأها الله منها وأنزل القرآن في ذلك.
ثم إنهم لفرط جهلهم يدعون في غيرها من نساء الأنبياء، فيزعمون أن امرأة نوح كانت بغيًّا، وأن الابن الذي دعاه نوح لم يكن منه وإنما كان منها، وأن معنى قوله: } إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ {([9]) أن هذا الولد من عمل غير صالح. ومنهم من يقرأ: } وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ {([10]) يريدون ابنها، ويحتجون بقوله: } إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ {([11]) ويتأولون قوله تعالى: } ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا {([12]) على أن امرأة نوح خانته في الفراش وأنها كانت قحبة. وضاهوا في ذلك المنافقين والفاسقين أهل الإفك الذين رموا عائشة بالإفك والفاحشة ثم لم يتوبوا، وفيهم خطب النبي r فقال: «أيها الناس من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا رجلاً والله ما علمت عليه إلا خيرًا»([13]).
ومن المعلوم أن أعظم أنواع الأذى للإنسان أن يكذب على امرأته رجل فيقول: إنها بغي، ويجعل الزوج أنه زوج قحبة، فإن هذا من أعظم ما يشتم به الناس بعضهم بعضًا...([14]).
قدحهم في فاطمة رضي الله عنها
ثم هؤلاء الشيعة وغيرهم يحكون عن فاطمة من حزنها على النبي r ما لا يوصف، وأنها بَنَتْ بَيْتَ الأحزان، مع أنه حُزْنٌ على أمر فائت.
ويذكرون عن على وفاطمة من الجزع والحزن على فوت مال فدك وغيرها من الميراث ما يقتضي أنه صاحبه إنما يحزن على فوت الدنيا وقد قال الله تعالى:
} لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ {([15]).
وهؤلاء الرافضة من أجهل الناس يذكرون فيمن يوالونه من أخبار المدح وفيمن يعادونه من أخبار الذم ما هو بالعكس أولى.
ومنها ما ذكروه عن فاطمة أنها أوصت أن تدفن ليلاً ولا يصلي عليها أحد منهم لا يحكيه عن فاطمة ويحتج به إلا رجل جاهل يطلق على فاطمة ما لا يليق بها. وهذا لو صح لكان بالذنب المغفور أولى منه بالسعي المشكور([16]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سورة آل عمران آية: (33).
([2]) سورة المائدة الآيات: (27- 31).
([3]) سورة التوبة آية: (113).
([4]) سورة القصص آية (56) أخرجه مسلم ص (54) والبخاري ك (23) ب (81).
([5]) أخرجه مسلم ص (55)
([6]) صحيح مسلم ص (195) والبخاري ك (78) ب (115).
([7]) صحيح مسلم ص (195) والبخاري ك (81) ب (51) إلا أنه قال: «يغلي منه أم دماغه».
([8]) ج (2) ص (248، 249).
([9]) سورة هود الآية: (46).
([10]) سورة هود الآية: (42).
([11]) سورة هود الآية: (46).
([12]) سورة التحريم الآية: (10).
([13]) أخرجه البخاري ك(42) ب (2، 15) و ك (64) ب (34) ومسلم ك (49) ح (56 - 58).
([14]) ج(2) ص(246، 249، 250) وانظر بعض فضائل عائشة ج(2) ص(228، 241، 242).
([15]) سورة الحديد آية (23).
([16]) ج (4) ص (263) ج (2) ص (215