الفرقة الناجية وصف أهل السنة والجماعة
لا وصف الرافضة ولا غيرها من الفرق
حديث الفرقة الناجية رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجه، ورواه أهل الأسانيد كالإمام أحمد وغيره([1]).
والحديث روي تفسيره فيه من وجهين: أحدهما أنه r سُئل عن الفرقة الناجية فقال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، والرواية الأخرى قال: «هم الجماعة».
وكل من التفسيرين يناقض قول الإمامية، ويقتضي أنهم خارجون عن الفرقة الناجية، فإنهم خارجون عن جماعة المسلمين يكفرون أو يفسقون أئمة الجماعة كأبي بكر وعمر وعثمان دع معاوية وملوك بني أمية وبني العباس، وكذلك يكفرون أو يفسقون علماء الجماعة وعبادهم كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء.
وهم أبعد الناس عن معرفة سير الصحابة والاقتداء بهم في حياة النبي r؛ فإن هذا لا يعرفه إلا أهل العلم بالحديث والمنقولات والمعرفة بأخبار الثقات.
وهم من أعظم الناس جهلاً بالحديث لفظًا له ومعاداة لأهله.
فإذا كان وصف الفرقة الناجية اتباع الصحابة على عهد رسول الله r وذلك شعار السنة والجماعة كانت الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة.
فالسنة ما كان r هو وأصحابه عليها في عهده مما أمرهم به أو أقرهم عليه أو فعله هو.
وأما الجماعة فهم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعًا.
وأما الذين فرقوا دينهم وكانوا خارجين عن الفرقة الناجية قد برأ الله نبيه منهم.
فعلم بذلك أن هذا وصف أهل السنة والجماعة لا وصف الرافضة، وأن الحديث وصف الفرقة الناجية باتباع السنة التي كان عليها هو وأصحابه وبلزوم جماعة المسلمين.
فإن قيل: فقد قال في الحديث: «على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» فمن خرج عن تلك الطريقة بعده لم يكن على طريقة الفرقة الناجية، وقد ارتد ناس بعده فليسوا من الفرقة الناجية.
قلنا نعم. وأشهر الناس بالردة خصوم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأتباعه كمسيلمة الكذاب وأتباعه وغيرهم. وهؤلاء تتولاهم الرافضة، ويقولون إنهم كانوا على الحق وأن الصديق قاتلهم بغير حق.
ثم أظْهَرُ الناس ردةً الذين حرقهم علي رضي الله عنه بالنار لما ادعوا فيه الإلهية وهم السبأية أتباع عبدالله بن سبأ الذين أظهروا سب أبي بكر وعمر.
وأول من ظهر عنه دعوى النبوة من المنتسبين إلى الإسلام المختار بن أبي عبيد وكان من الشيعة.
فعلم أن أعظم الناس ردة هم في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف، ولهذا لا تعرف ردة أسوأ حالاً من ردة الغالية كالنصيرية ومن ردة الإسماعيلية الباطنية ونحوهم.
فدل على أن المرتدين الذين لم يزالوا مرتدين على أعقابهم هم بالرافضة أوْلى منهم بأهل السنة والجماعة إن كان فيهم مرتد.
ويدل الحديث على أنه لابد أن تفارق هذه الواحدة سائر الثنتين والسبعين.
ويدل على مفارقة الثنتين والسبعين بعضها بعضًا كما فارقت هذه الواحدة. فليس في الحديث ما يدل على اشتراك الثنتين والسبعين في أصول العقائد؛ بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين كل طائفة للأخرى. وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جه ذم لا جهة مدح؛ فإن الله أمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف فقال تعالى:
} وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا {([2]).
وقال تعالى: } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ {([3]) الآيات.
وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقًا في نفسها أوْلى الطوائف بالذم؛ وأقلها افتراقًا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق.
وإذا كانت الإمامية أوْلى بمفارقة سائر الطوائف فهم أبعد من الحق لا سيما وهم في أنفسهم أكثر اختلافًا من جميع فرق الأمة حتى يقال إنها ثنتان وسبعون فرقة.
وقد صنف الحسن بن موسى النوبختي وغيره في تعديد فرق الشيعة.
وأما أهل الجماعة فهم أقل اختلافًا في أصول دينهم من كل طائفة إلى ضدها فهم الوسط في أهل الإسلام، كما أن أهل الإسلام هم الوسط في أهل الملل.
وهم في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل وأهل التمثيل، وقد قال رسول الله r: «خير الأمور أوساطها» وحينئذ أهل السنة والجماعة خير الفرق.
وفي باب القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به.
وفي باب الأسماء والأحكام بين الوعيدية والمرجئة.
وفي باب الصحابة بين الغلاة والجفاة.
فلا يغلون في علي غلو الرافضة، ولا يكفرونه تكفير الخوارج.
ولا يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان كما تفكرهم الرافضة.
ولا يكفرون عثمان وعليًا كما تكفرهما الخوارج.
وأبعد الناس عن هذه الطائفة المهدية المنصورة هم الرافضة لأنهم أجهل وأظلم طوائف أهل الأهواء المنتسبين إلى القبلة ...
فليس الضلال والبغي في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في الرافضة، كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة الذين لا ينتصرون إلا للرسول r فإنهم خاصته وهو إمامهم المطلق الذين لا يغضبون لقول غيرهم إلا إذا اتبع قوله، ومقصودهم نصر الله ورسوله.
وإن كان الصحابة ثم أهل الحديث والسنة المحضة أوْلى بالهدى ودين الحق أبعد الطوائف عن الضلال والبغي فالرافضة بالعكس.
ودعوى الرافضة أو غيرهم من أهل الأهواء الكفر في كثير ممن سواهم كالخوارج وكثير من المعتزلة والجهمية أنهم هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من سواهم كقول اليهود والنصارى:
}لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{([4]) وهذا عام لكل من عمل لله بما أمره الله فالعمل الصالح هو المأمور به، وإسلام الوجه لله إخلاص وجهه.
ولفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة.
وقد يراد به أهل الحديث وأهل السنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول إن القرآن غير مخلوق وأن الله يُرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة([5]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) رواية أبي داود عن معاوية رضي الله عنه قال:قام فينا رسول الله r فقال: «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة» أخرجه أبو داود برقم (4596) في السنة باب شرح السنة، والترمذي برقم (2642) في الإيمان وفي رواية الترمذي عن عمرو بن العاص «كلها في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي» أخرجه الترمذي برقم (2643). وأخرجه في مسند الإمام أحمد ج (2) ص(332) وانظر «كنز العمال» رقم (1053، 1055، 1057، 1059، 1060).
([2]) سورة آل عمران آية: (103).
([3]) سورة آل عمران آية: (105- 107),
([4]) سورة البقرة الآيتان: (111، 112).
([5]) ج (2) ص (125- 129، 140) ج (3) ص (241، 242) ج (1) ص(272) ج (4).