. العرش
ومعجزة الاتيان به
علم الهدهد من خلال طيرانه ورحلاته أن بلقيس
خرجت, فعاد الى سليمان وأخبره بخروجها, فأمر الجن أن يعدوا لها بنيانا تنزل فيه,
فبنوا صرحا من قوارير خضر, وجعلوا له طوابق من قوارير بيض, فصار كأنه الماء, وجعلوا
تحت الطوابق صور دواب البحر من السمك وغيره, فأصبح الذي ينظر الى أرضه الزجاجية يظن
أنها بحيرة بمائه وأسماكها.
ولما ظهر ركب " بلقيس" في الأفق البعيد, جمع
سليمان أهل الرأي من الانس والجان, وقال لهم: { أيكم
يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}.
فوقف عفريت من الجن وقال:{ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي قبل أن تنتهي
من مجلسك.
قال سليمان:{ سوف لا ينتهي مجلسي قبل
حضورها.
قال وزيره "آصف" وكان رجلا عنده علم من الله
سبحانه وتعالى:{ أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك
طرفك}.
رفع سليمان عليه السلام نظره الى السماء, وسجد
"آصف" ودعا ربه سبحانه وتعالى, فاذا العرش أمامهم, فلما نظر سليمان الى الأرض, ورأى
العرش سرّ سرورا كثيرا, وأمر بوضعه أمامه مقلوبا.
أقبلت "بلقيس" فرأت عرشها مقلوبا أمام سليمان,
وعجبت كثيرا لأنها تركته بقصرها في حراسة شديدة, ثم نظرت الى قومها فوجدتهم جميعا
في ذهول.
قال
سليمان: أهكذا عرشك؟
قالت:
كأنه هو, ولقد أتيتك بقومي مسلمين.
قال سليمان: الآن أنت وقومك, في أمان, وستظلين
مليكة قومك تصرّفين أمورهم, وتحكمينهم بما أمر الله.
طلبت "بلقيس" السماح لها بالعودة الى قومها
لتبشرهم بالدين الجديد, فعرض عليها سليمان أن تستريح من عناء السفر قبل العودة
فقبلت دعوته, وخرجت لتغير ملابسها في خيمتها, وذهب سليمان الى الصرح فجلس على كرسي
وانتظر قدومها.
أقبلت "بلقيس" في زينتها الى مدخل الصرح, ووجدت
سليمان في نهاية البهو يرحب بمقدمها, فلما نظرت الى أرضه حسبتها حوضا مملوءا
بالماء, وخشيت أن تبتل ملابسها, فكشفت عن ساقيها لتخوض الماء.
قال سليمان: {انه
صرح ممرّد} من قوارير زجاجية.
فخجلت من جهلها, وأقرّت لسليمان بالنبوّة,
ولربه بالعظمة والقوّة,وقالت في حماسة ويقين:
ربّ, اني ظلمت نفسي بعبادة الشمس, وأسلمت مع
سليمان لله رب العالمين.
ورجعت الى قومها مؤمنة, وصارت ترسل الجزية في
كل عام الى سليمان