تعريف
الآبار وبيان أحكامها العامة:
الآبار
جمع بئر، مأخوذ من "بأر" أي حفر.
والأصل
في ماء الآبار الطهورية (أي كونه طاهراً في نفسه مطهراً لغيره)، فيصح التطهير به
اتفاقاً، إلا إذا تنجس الماء أو تغير أحد أوصافه على تفصيل في التغير في أحكام
المياه. غير أن هناك آباراً تكلم الفقهاء عن كراهية التطهير بمائها لأنها في أرض
مغضوب عليها. وهناك من الآبار ما نص الفقهاء على اختصاصها بالفضل، ورتبوا على ذلك
بعض الأحكام.
حد
الكثرة في ماء البئر وأثر اختلاطه بطاهر وانغماس أو مَنْ به نجاسة آدمي في
طاهر.
اتفق
فقهاء المذاهب
على أن الماء الكثير لا ينجسه شيء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه. واختلفوا في
حد الكثرة.
ذهب
الحنفية
إلى أنها تقدر بما يوازي عشر أذرع في عشر دون اعتبار للعمق ما دام القاع لا يظهر
بالاغتراف.
والذراع
سبع قبضات، لأنها لو كانت عشراً في عشر فإن الماء لا يتنجس بشيء ما لم يتغير لونه
أو طعمه أو ريحه، اعتباراً بالماء الجاري.
والقياس
أن لا تطهر لكن ترك القياس للآثار، ومسائل الآبار مبنية على
الآثار.
والمفتى
به القول بالعشر ولو حكماً ليعم ما له طول بلا عرض في الأصح. وقيل المعتبر في القدر
الكثير رأي المتبلى به، بناء على عدم صحة ثبوت تقديره شرعاً.
وذهب
المالكية
إلى أن الكثير ما زاد قدره عن آنية الغسل، وكذا ما زاد عن قدر آنية الوضوء، على
الراجح.
ويتفق
الشافعية، والحنابلة
في ظاهر المذهب، على أن الكثير ما بلغ قلتين فأكثر، لحديث "إذا بلغ الماء قلتين لم
ينجسه شيء" [رواه ابن ماجه] وفي رواية "لم يحمل الخبث." [رواه أحمد] وإن نقص عن
القلتين برطل أو رطلين فهو حكم القلتين.
انغماس
الآدمي في ماء البئر:
اتفق
فقهاء المذاهب
على أن الآدمي إذا انغمس في البئر، وكان طاهراً من الحدث والخبث، وكان الماء
كثيراً، فإن الماء لا يعتبر مستعملاً، ويبقى على أصل
طهوريته.
ومذهب
الشافعية،
والصحيح عند الحنابلة،أن الآدمي طاهر حياً أو ميتاً، وأن موت الآدمي
في الماء لا ينجسه إلا إن تغير أحد أوصاف الماء تغيراً فاحشا. لقول النبي صلى الله
عليه وسلم: "المؤمن لا يَنْجُسُ". ولأنه لا ينجس بالموت، كالشهيد، لأنه لو نجس
بالموت لم يطهر بالغسل، ولا فرق بين المسلم والكافر، لاستوائهما في
الآدمية.
وذهب
الحنفية
إلى أنه ينزح كل ماء البئر بموت الآدمي فيه، إذ نصوا على أنه ينـزح ماء البئر كله
بموت سِنَّورَيْن أو كلب أو شاة أو آدمي. وموت الكلب ليس بشرط حتى لو انغمس وأخرج
حيا ينـزح جميع الماء.
وإذا
انغمس في البئر من به نجاسة حكمية، بأن كان جنباً أو محدثاً، فإنه ينظر: إم أن يكون
ماء البئر كثيراً أو قليلاً، وإما أن يكون قد نوى بالانغماس رفع الحدث. وإما أن
يكون بقصد التبرد أو إحضار الدلو.
فإن
كان البئر مَعيناً، أي ماؤه جار، فإن انغماس الجنب ومن في حكمه لا ينجسه عند
المالكية وهو مذهب الحنابلة إن لم ينو رفع الحدث. وهو اتجاه من قال من الحنفية:
إن الماء المستعمل طاهر لغلبة غير المستعمل، أو لأن الانغماس لا يصيره مستعملاً،
وعلى هذا فلا ينـزح منه شيء.
ويرى
الشافعية
كراهة انغماس الجنب ومن في حكمه في البئر، وإن كان مَعيناً، لخبر أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَغْتَسِلُ أحدُكم في الماء الدائم وهو جنب.
[رواه مسلم].
ومذهب
الحنابلة
إن نوى رفع الحدث. وإلى هذا يتجه من يرى من الحنفية أن الماء بالانغماس يصير
مستعملاً.
وإذا
كان ماء البئر قليلاً وانغمس فيه بغير نيّة رفع الحدث.
فالمالكية
على أن الماء المجاور فقط يصير مستعملاً.
وعند
الشافعية والحنابلة
الماء على طهوريته.
واختلف
الحنفية
على ثلاثة أقوال ترمز لها كتبهم: "مسألة البئر جحط". ويرمزون بالجيم إلى ما قاله
الإمام من أن الماء نجس بإسقاط الفرض عن البعض بأول الملاقاة، والرجل نجس لبقاء
الحدث في بقية الأعضاء، أو لنجاسة الماء المستعمل.
ويرمزون
بالحاء لرأي أبي يوسف من أن الرجل على حاله من الحدث، لعدم الصب، وهو شرط عنده،
والماء على حاله لعدم نية القربة، وعدم إزالة الحدث.
ويرمزون
بالطاء لرأي محمد بن الحسن من أن الرجل طاهر لعدم اشتراط الصب، وكذا الماء لعدم نية
القربة.
أما
إذا انغمس في الماء القليل بنية رفع الحدث كان الماء كله مستعملاً عند الحنفية
والمالكية والشافعية، ولكن عند الحنابلة يبقى الماء على طهوريته ولا يرفع
الحدث. وكذلك يكون الماء مستعملاً عند الحنفية لو تدلّك ولو لم ينو رفع الحدث، لأن
التدلك فعل منه يقوم مقام نية رفع الحدث.
أما
إذا انغمس إنسان في ماء البئر وعلى بدنه نجاسة حقيقية، أو ألقي فيه شيء نجس، فمن
المتفق عليه أن الماء الكثير لا يتنجس بشيء، ما لم يتغير لونه أو طعمه أو
ريحه.
ذهب
الحنابلة،
في أشهر روايتين عندهم، أن ما يمكن نـزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من
النجاسات، إلا ببول الآدميين أو عَذرتهم المائعة.
وكذلك
إذا ما سقط فيه شيء نجس، وفي مقابل المشهور في مذهب أحمد أن الماء لا ينجس إلا
بالتغير قليلة وكثيرة.
وقد
فصل الحنفية
هذا بما لم يفصله غيرهم، ونصوا على أن الماء لا ينجس بخرء الحمام والعصفور، ولو كان
كثيراً، لأنه طاهر استحساناً، بدلالة الإجماع، فإن الصدر الأول ومن بعدهم أجمعوا
على جواز اقتناء الحمام في المساجد، حتى المسجد الحرام، مع ورود الأمر بتطهيرها.
وفي ذلك دلالة ظاهرة على عدم نجاسته. وخرء العصفور كخرء الحمامة، فما يدل على طهارة
هذا يدل على طهارة ذاك. وكذلك خرء جميع ما يؤكل لحمه من الطيور على
الأرجح.