تطهير
الآبار وحكم تغويرها
ذهب
المالكية والشافعية والحنابلة
إلى أنه إذا تنجس ماء البئر فإن التكثير طريق تطهيره عند تنجسها إذا زال التغير.
ويكون التكثير بالترك حتى يزيد الماء ويصل حد الكثرة، أو بصب ماء طاهر فيه حتى يصل
هذا الحد.
وأضاف
المالكية
طرقاً أخرى، إذ يقولون: إذا تغير ماء البئر بتفسّخ الحيوان طعماً أو لوناً أو ريحاً
يطهر بالنـزح، أو بزوال أثر النجاسة بأي شيء. بل قال بعضهم: إذا زالت النجاسة من
نفسها طهر. وقالوا في بئر الدار المنتنة: طهور مائها بنـزح ما يذهب
نتنه.
وذهب
الشافعية
إلى أنَّ التطهير على التكثير فقط إذا كان الماء قليلاً (دون القلتين)، وإما بالترك
حتى يزيد الماء، أو بصب ماء عليه ليكثر، ولا يعتبرون النـزح لينبع الماء الطهور
بعده، لأنه وإن نـزح فقعر البئر يبقى نجساً كما تنجس جدران البئر بالنـزح. وقالوا:
فيما إذا وقع في البئر شيء نجس، كفأر تمعط شعرها، فإن الماء ينـزح لا لتطهير الماء،
وإنما بقصد التخلص من الشعر.
التطهير
بالتكثير، إذا كان الماء المتنجس قليلاً، أو كثيراً لا يشق نـزحه ويخصون ذلك بما
إذا كان تنجس الماء بغير بول الآدمي أو عذرته. ويكون التكثير بإضافة ماء طهور كثير،
حتى يعود الكل طهوراً بزوال التغير.
أما
إذا كان تنجس الماء ببول الآدمي أو عذرته فإنه يجب نـزح مائها، فإن شق ذلك فإنه
يطهر بزوال تغيره، سواء بنـزح ما لا يشق نـزحه، أو بإضافة ماء إليه، أو بطول المكث،
على أن النـزح إذا زال به التغير وكان الباقي من الماء كثيراً (قلتين فأكثر) يعتبر
مطهراً عند الشافعية.
وذهب
الحنفية
إلى أن التطهير لا يكون إلا بالنـزح، لكل ماء البئر، أو عدد من الدلاء على ما
سبق.
وإذا
كان المالكية والحنابلة
اعتبروا النـزح طريقاً للتطهير فإنه غير متعيّن عندهم كما أنهم لم يحددوا مقداراً
من الدلاء وإنما يتركون ذلك لتقدير النازح.
ومن
أجل هذا نجدُ الحنفية هم الذين فصلوا الكلام في النزح، وهم الذين تكلموا على آلة
النـزح، وما يكون عليه حجمها.
فإذا
وقعت في البئر نجاسة نزحت، وكان نـزح ما فيها من الماء طهارة
لها.
لو
نـزح ماء البئر، وبقي الدلو الأخير فإن لم ينفصل عن وجه الماء لا يحكم بطهارة
البئر، وإن انفصل عن وجه الماء، ونحي عن رأس البئر طهر. وأما إذا انفصل عن وجه
الماء، ولم ينح عن رأس البئر، والماء يتقاطر فيه، لا يطهر عند أبي يوسف. وعند محمد
يطهر.
وإذا
وجب نـزح جميع الماء من البئر ينبغي أن تسد جميع منابع الماء إن أمكن، ثم ينـزح ما
فيها من الماء النجس. وإن لم يمكن سد منابعه لغلبة الماء روي عن أبي حنيفة أنه
ينـزح مائة دلو، وعن محمد أنه ينـزح مائتا دلو، أو ثلثمائة دلو؟ وعن أبي يوسف
روايتان في رواية يحفر بجانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه ثم ينـزح ماؤها
ويصب في الحفرة حتى تمتلىء فإذا امتلأت حكم بطهارة البئر.
وفي
رواية: يرسل فيها قصبة، ويجعل لمبلغ الماء علامة، ثم ينـزح منها عشر دلاء مثلاً، ثم
ينظر كم انتقص، فينزح بقدر ذلك، ولكن هذا لا يستقيم إلا إذا كان دور البئر من أول
حد الماء إلى مقر البئر متساوياً، وإلا لا يلزم إذا نقص شبر بنـزح عشر دلاء من أعلى
الماء أن ينقص شبر بنزح مثله من أسفله، والأوفق أنه يؤتى برجلين لهما بصر في أمر
الماء فينـزح بقولهما، لأن ما يعرف بالاجتهاد يرجع فيه لأهل
الخبرة.
وذهب
المالكية
إلى أن النـزح طريق من طرق التطهير. ولم يحددوا قدراً للنـزح، وقالوا إنه يترك
مقدار النـزح لظن النازح. قالوا: وينبغي للتطهير أن ترفع الدلاء ناقصة، لأن الخارج
من الحيوان عند الموت مواد دهنية، وشأن الدهن أن يطفو على وجه الماء، فإذا امتلأ
الدلو خشي أن يرجع إلى البئر.
وذهب
الحنابلة إلى أن:
لا يجب غسل جوانب بئر نـزحت، ضيقة كانت أو واسعة، لا غسل أرضها، بخلاف رأسه. وقيل
يجب غسل ذلك، وقيل إن الروايتين في البئر الواسعة، وأما الضيقة فيجب غسلها رواية
واحدة.
وقد
بينا أن الشافعية لا يرون التطهير بمجرد النـزح.
آلة
النـزح
منهج
الحنفية،
القائل بمقدار معين من الدلاء للتطهير في بعض الحالات، يتطلب بيان حجم الدلو الذي
ينـزح به الماء النجس. فقال البعض: المعتبر في كل بئر دلوها، صغيراً كان أو كبيراً.
وروى عن أبي حنيفة أنه يعتبر دلو يسع قدر صاع. وقيل المعتبر هو المتوسط بين الصغير
والكبير. ولو نـزح بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلواً جاز. وقال زفر: لا يجوز لأنه
بتواتر الدلو يصير كالماء الجاري.
وبطهارة
البئر يطهر الدلو والرِّشاء والبكرة ونواحي البئر ويد المستقي. وروى عن أبي يوسف أن
نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر، فتكون طهارتها بطهارتها، نفياً
للحرج.
ولم
يتعرض فقهاء المذاهب الأخرى -على ما نعلم- لمقدار آلة النـزح. وكل ما قالوه أن ماء
البئر إذا كان قليلاً، وتنجس، فإن الدلو إذا ما غرف به من الماء النجس القليل تنجس
من الظاهر والباطن. وإذا كان الماء مقدار قلتين فقط، وفيه نجاسة جامدة، وغرف بالدلو
من هذا الماء، ولم تغرف العين النجسة في الدلو مع الماء فباطن الدلو طاهر، وظاهره
نجس، لأنه بعد غرف الدلو يكون الماء الباقي في البئر والذي احتك به ظاهر الدلو
قليلاً نجساً