ما
يحرم بالحدث الأصغر أو ما يمنع منه غير المتوضئ:
يحرم
بالحدث الأصغر ثلاثة أمور: الصلاة ونحوها، والطواف، ومس المصحف وتوابعه، على تفصيل
بين المذاهب.
1- الصلاة
ونحوها:
يحرم على المحدث غير المتوضئ الصلاة فرضاً أو نفلاً، ونحوها، كسجود التلاوة، وسجود
الشكر، وخطبة الجمعة، وصلاة الجنازة. لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يقبل الله
صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" متفق عليه "لا صلاة لمن لا وضوء له ..." رواه أبو
داود وابن ماجه وأحمد.
2- الطواف
بالبيت الحرام فرضاً أو نفلاً، لأنه صلاة، لقوله صلى الله عليه
وسلم:
"الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير". رواه
الحاكم والبيهقي.
إلا
أن الحنفية
جعلوا الطهارة للطواف واجباً لا شرطاً في صحته، فيصح مع الكراهة التحريمية الطواف
محدثاً، لأن الطواف بالبيت شبيه بالصلاة بنص الحديث السابق، ومعلوم أنه ليس بصلاة
حقيقة، فلكونه طوافاً حقيقة يحكم بالجواز، ولكونه شبيهاً بالصلاة يحكم
بالكراهة.
3- مس
المصحف كله أو بعضه ولو آية:
والمحرم هو لمس الآية ولو بغير أعضاء الطهارة لقوله تعالى:{لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] أي المتطهرون، وهو خبر بمعنى النهي، ولقوله صلى
الله عليه وسلم : "لا يمس القرآن إلا طاهر" رواه أبو داود والنسائي، ولأن تعظيم
القرآن واجب، وليس من التعظيم مس المصحف بيد حلَّها الحدث. واتفق الفقهاء على أن
غير المتوضئ يجوز له تلاوة القرآن أو النظر إليه دون لمسه، كما أجازوا للصبي لمس
القرآن للتعلم، لأنه غير مكلف، والأفضل التوضؤ.
وقد
حرم المالكية والشافعية مس القرآن بالحدث الأصغر ولو بحائل أو عود، وأجاز الحنفية
والحنابلة مسه بحائل أو عود طاهرين.
وهذه
عبارات الفقهاء :
قال
الحنفية : يحرم مس المصحف كله أو بعضه أي مس المكتوب منه، ولو آية على نقود (درهم
ونحوه) أو جدار، كما يحرم مس غلاف المصحف المتصل به، لأنه تبع له، فكان مسه مساً
للقرآن، ولا يحرم مس الغلاف المنفصل عن القرآن كالكيس والصندوق، ويجوز مسه بنحو عود
أو قلم أو غلاف منفصل عنه، ويكره لمسه بالكم تحريماً لتبعيته
للابس.
ولا
يجوز لغير المسلم مس المصحف ويجوز له تعلمه وتعلم الفقه ونحوه، ويجوز للصبي مس
القرآن أو لوح منه للضرورة من أجل التعلم والحفظ. ولا تحرم كتابة آية على ورقة، لأن
المحرم هو مس المكتوب باليد، أما القلم فهو واسطة منفصلة، كالثوب المنفصل الذي يمس
به القرآن، لأن المفتى به جواز مس المصحف بغلاف منفصل أو
بصرة.
ولا
يكره مس كتب التفسير إن كان التفسير أكثر، ويكره المس إن كان القرآن أكثر من
التفسير أو مساوياً له.
ولا
مانع من مس بقية الكتب الشرعية من فقه وحديث وتوحيد بغير وضوء، والمستحب له ألا
يفعل. كما لا مانع من لمس الكتب السماوية الأخرى المبدلة، لكن يكره قراءة توارة
وإنجيل وزبور، لأن الكل كلام الله، وما بدل منها غير معين.
ويجوز
قربان المرأة في بيت فيه مصحف مستور، ويكره وضع المصحف تحت رأسه إلا للحفظ. ويكره
لف شيء في ورق فيه فقه ونحوه من علوم الشرع. ويدفن المصحف كالمسلم إذا صار بحال لا
يقرأ فيه، ولا بأس أن تدفن كتب الشرع، أو تلقى في ماء جارٍ، أو تحرق، والأول أحسن.
ويجوز محو بعض الكتابة ولو قرآناً بالريق، ويجوز حمل الحجب المشتملة على آيات
قرآنية ودخول الخلاء بها ومسها ولو للجنب إذا كانت محفوظة بغلاف منفصل عنها كالمشمع
ونحوه.
وقال
المالكية : يمنع المحدث حدثاً أصغر من مس مصحف أو جزئه، أو كتَبْه، أو حمله ولو
بعلاقة أو ثوب أو وسادة، أو كرسي تحته، ولو كان المس بحائل أو عود، أو كان الحمل مع
أمتعة أخرى غير مقصودة بالحمل. أما إن قصد حمل الأمتعة وفيها قرآن تابع لها كصندوق
ونحوه، فيجوز الحمل، أي إن قصد المصحف فقط أو قصده مع الأمتعة حرم الحمل، وإن قصد
الأمتعة بالحمل جاز.
ويجوز
المس والحمل لمعلم ومتعلم بالغ، وإن كان حائضاً أو نفساء، لعدم قدرتهما على إزالة
المانع، ولا يجوز ذلك للجنب لقدرته على إزالة المانع بالغسل أو
التيمم.
وقال
الشافعية : يحرم حمل المصحف ومس ورقه وحواشيه، وجلده، المتصل به (لا المنفصل عنه)،
ووعائه وعلاقته، وصندوقه، وما كتب من الألواح لدارس قرآن، ولو بخرقة، أو بحائل.
ويحل حمل القرآن في أمتعة لا بقصده، وحمل التفسير الأكثر منه، أما إذا كانا
متساويين أو كان القرآن أكثر فلا يجوز، ويجوز حمل كتب العلم الأخرى غير التفسير
المشتملة على آيات قرآنية.
ويباح
قلب ورقه بعود. ولا يمنع الصبي المميز من حمله ومسه للدراسة.
ويجوز
حمل التمائم، وما على النقد، وما على الثياب المطرزة بالآيات القرآنية ككسوة الكعبة
لأنه لم يقصد به القرآن.
ويجوز
للمحدث كتابة القرآن بدون مس.
ويحرم
وضع شيء على المصحف كخبز وملح، لأن فيه إزراء وامتهاناً له. ويحرم تصغير المصحف
والسورة لما فيه من إيهام النقص، وإن قصد به التعظيم.
وقال
الحنابلة : يحرم مس المصحف ولو آية منه، بشيء من جسده، ويجوز مسه بحائل أو عود
طاهرين، وحمله بعلاقة أو وعاء، ولو كان المصحف مقصوداً بالحمل، وكتابته ولو لذمي من
غير مس، وحمله بحرز ساتر طاهر.
ولا
يجوز لولي الصبي تمكينه من مس المصحف أو لوح الدرس القرآني ولو للحفظ أو التعلم، ما
دام الصبي محدثاً، أي أن حرمة مس القرآن إلا بطهارة تشمل عندهم
الصبي.
ويجوز
مس كتب التفسير والفقه وغيرها وإن كان فيها آيات من القرآن، بدليل "أن النبي صلى
الله عليه وسلم كتب إلى قيصر كتاباً فيه آية" متفق عليه. ويجوز في أرجح الوجهين :
مس الدراهم المكتوب عليها القرآن، والثوب المرقوم بالقرآن، لأنها لا تسمى قرآناً،
ولأن في الاحتراز منها مشقة، فأشبهت ألواح الصبيان على أحد
الوجهين.
وإن
احتاج المحدث إلى مس المصحف عند عدم الماء، تيمم وجاز مسه.
ويمنع
الكافر (الذمي أو غيره) من مس القرآن ومن قراءته ومن تملكه ويمنع المسلم من تمليكه
له، ويحرم بيع المصحف ولو لمسلم، ويحرم توسد المصحف والوزن به والاتكاء عليه أو على
كتب العلم التي فيها القرآن. فإن لم يكن فيها القرآن، كره توسدها والوزن بها
والاتكاء عليها، إلا إن خاف عليها سرقة، فلا بأس أن يتوسدها
للحاجة.
والخلاصة
: أنه وقع الإجماع ما عدا داود الظاهري على أنه لا يجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمس
المصحف. وأما المحدث حدثاً أصغر فلم تدل الأدلة قطعاً على منعه من مس القرآن، لكن
أكثر الفقهاء على أنه لا يجوز له. وأجاز ابن عباس مس الصحف. والظاهر أن المراد من
آية "لا يمسه إلا المطهرون" [الواقعة : 79] هو اللوح المحفوظ، والمطهرون :
الملائكة، فإن لم يكن ظاهراً فهو احتمال، كاحتمال أن المراد من كلمة "طاهر" في
الحديث "لا يمس القرآن إلا طاهر" : هو المؤمن، والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر،
ومن ليس على بدنه نجاسة