التيمم
بدل عن الماء:
ذهب
عامة الفقهاء
إلى أن التيمم ينوب عن الوضوء من الحدث الأصغر، وعن الغسل من الجنابة والحيض
والنفاس فيصح به ما يصح بهما من صلاة فرض أو سنة وطواف وقراءة للجنب ومس مصحف وغير
ذلك.
وقد
اختلفوا في مرجع الضمير في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا} بناء على اختلافهم فيقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمْ
النِّسَاءَ} [المائدة:6] فمن ذهب من العلماء إلى أن الملامسة هي الجماع. قال:
إن الضمير يعود على المحدث مطلقاً، سواء أكان الحدث أصغر أم
أكبر.
أما
من ذهب منهم إلى أن الملامسة بمعنى اللمس باليد قال: إن الضمير يعود على المحدث
حدثاً أصغر فقط، وبذلك تكون مشروعية التيمم للجنب ثابتة بالسنة، كحديث عمران بن
حصين قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس، فإذا هو برجل
معتزل فقال: ما منعك أن تصلي؟ قال: أصابني جنابة ولا ماء. قال: "عليك بالصعيد فإنه
يكفيك". [رواه البخاري].
نوع
بدلية التيمم عن الماء:
اختلف
الفقهاء في نوع البدل هل هو بدل ضروري أو بدل مطلق؟
فذهب
جمهور الفقهاء
إلى أن التيمم بدل ضروري ولذلك فإن الحدث لا يرتفع بالتيمم، فيباح للمتيمم الصلاة
مع قيام الحدث حقيقة للضرورة، كطهارة المستحاضة لحديث أبي ذر: "فإذا وجدت الماء
فأمسه جلدك فإنه خيرٌ لك". ولو رفع التيمم الحدث لم يحتج إلى الماء إذا وجده، وإذا
رأى الماء عاد الحدث، مما يدل على أن الحدث لم يرتفع، وأبيحت له الصلاة
للضرورة.
إلا
أن الحنابلة أجازوا بالتيمم الواحد صلاة ما عليه من فوائت في الوقت إن كانت
عليه خلافاً للمالكية والشافعية.
وذهب
الحنفية
إلى أن التيمم بدل مطلق، وليس ببدل ضروري، فالحدث يرتفع بالتيمم إلى وقت وجود الماء
في حق الصلاة المؤداة لقوله صلى الله عليه وسلم "التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر
حجج ما لم يجد الماء أو يحدث".
أطلق
النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء على التيمم وسماه به. والوضوء مزيل للحدث فكذا
التيمم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" والطهور اسم
للمطهر، والحديث يدل على أن الحدث يزول بالتيمم إلى حين وجود الماء، فإذا وجد الماء
عاد حكم الحدث.
ثمرة
هذا الخلاف:
يترتب
على خلاف الفقهاء في نوع بدلية التيمم ما يلي:
أ-
وقت التيمم:
ذهب
الجمهور إلى
عدم صحة التيمم إلا بعد دخول وقت ما يتيمم له من فرض أو نفل له وقت
مخصوص.
وذهب
الحنفية
إلى جواز التيمم قبل الوقت ولأكثر من فرض ولغير الفرض أيضاً لأن التيمم يرتفع به
الحدث إلى وجود الماء، وليس بمبيح فقط، وقاسوا ذلك على الوضوء، لأن التوقيت لا يكون
إلا بدليل سمعي، ولا دليل فيه.
تأخير
الصلاة بالتيمم إلى آخر الوقت:
اتفق
الفقهاء
في الجملة على أن تأخير الصلاة بالتيمم لآخر الوقت أفضل من تقديمه لمن كان يرجو
الماء آخر الوقت، أما إذا يئس من وجوده فيستحب له تقديمه أول الوقت عند
الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية) وبعض
الحنابلة.
وقيد
الحنفية
أفضلية التأخير إلى آخر الوقت بأن لا يخرج وقت الفضيلة لا مطلقا، حتى لا يقع المصلي
في كراهة الصلاة بعد وقت الفضيلة.
واختلفوا
في صلاة المغرب هل يؤخر أم لا؟ ذهب إلى ذلك فريق من
الحنفية.
وأما
المالكية
فقد فصلوا في هذه المسألة، فقالوا: استحباب التأخير لمن كان يرجو وجود الماء ظناً
أو يقيناً، أما إذا كان متردداً أو راجياً له فيتوسط في فعل
الصلاة.
والشافعية
خصوا أفضلية تأخير الصلاة بالتيمم بحالة تيقن وجود الماء آخر الوقت -مع جوازه في
أثنائه- لأن الوضوء هو الأصل والأكمل، فإن الصلاة به -ولو آخر الوقت- أفضل منها
بالتيمم أوله.
أما
إذا ظن وجود الماء في آخره، فتعجيل الصلاة بالتيمم أفضل في الأظهر، لأن فضيلة
التقديم محققة بخلاف فضيلة الوضوء.
والقول
الثاني: التأخير أفضل.
أما
إذا شك فالمذهب تعجيل الصلاة بالتيمم.
ومحل
الخلاف إذا اقتصر على صلاة واحدة، فإن صلى أول الوقت بالتيمم وبالوضوء في أثنائه
فهو النهاية في إحراز الفضيلة.
وذهب
الحنابلة
إلى أن تأخير الصلاة بالتيمم أولى بكل حال وهو المنصوص عن أحمد، لقول علي -رضي الله
عنه- في الجنب: يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء وإلا تيمم، ولأنه
يستحب التأخير للصلاة إلى ما بعد العشاء وقضاء الحاجة كيلا يذهب خشوعها، وحضور
القلب فيها، ويستحب تأخيرها لإدراك الجماعة، فتأخيرها لإدراك الطهارة المشترطة
أولى.