صلاة
الجماعة:
1- مشروعية
صلاة الجماعة:
الجماعة
مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما
الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ
الصَّلاةَ..} [النساء: 102] الآية، أمر الله بالجماعة في حالة الخوف أثناء
الجهاد، ففي الأمن أولى، ولو لم تكن مطلوبة لرخص فيها حالة الخوف، ولم يجز الإخلال
بواجبات الصلاة من أجلها.
وأما
السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ، بسبع وعشرين
درجة" متفق عليه.
وأما
الإجماع: فقد أجمع الصحابة على مشروعيتها بعد الهجرة.
2- فضل
صلاة الجماعة: ففي
حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "من سره أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً، فليحافظ على
هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن
الهدى، وأنهن من سُنَن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلف في
بيته، لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من
رجل يتطهر فيحسن الطُّهور، ثم يَعْمَد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له
بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه سيئة، ولقد رأتنا وما يتخلف عنها
إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في
الصف" رواه مسلم وأبو داود.
وهي
أيضاً نور المسلم يوم القيامة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "بشر المشاءين في
الظُلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو داود
والترمذي.
وآكد
الجماعات في غير الجمعة: جماعة الصبح ثم العشاء ثم العصر، للحديثين الآتيين: عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في
النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا عليه، ولو يعلمون
ما في التهجير، لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتَمة والصبح لأتوها، ولو
حَبْواً" متفق عليه.
وعن
عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى
العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل
كله" رواه مسلم. أما العصر فلأنها الصلاة الوسطى.
3- حكمة
صلاة الجماعة: تحقيق
التآلف والتعارف والتعاون بين المسلمين، وغرس أصول المحبة والود في قلوبهم،
وإشعارهم بأنهم إخوة متساوون متضامنون في السراء والضراء، دون فارق بينهم في الدرجة
أو الرتبة أو الحرفة أو الثروة والجاه، أو الغنى والفقر.
وفيها
تعويد على النظام والانضباط وحب الطاعة في البر والمعروف، وتنعكس آثار ذلك كله على
الحياة العامة والخاصة، فتثمر الصلاة جماعة أطيب الثمرات، وتحقق أبعد الأهداف،
وتربي الناس على أفضل أصول التربية، وتربط أبناء المجتمع بأقوى الروابط، لأن ربهم
واحد، وإمامهم واحد، وغايتهم واحدة، وسبيلهم واحدة.
4- حكم
صلاة الجماعة:
ذهب
الحنفية والمالكية
إلى أن: الجماعة في الفرائض غير الجمعة سنة مؤكدة، للرجال العاقلين القادرين عليها
من غير حرج، فلا تجب على النساء والصبيان والمجانين والعبيد والمقعد والمريض والشيخ
الهرم ومقطوع اليد والرجل من خلاف. وكونها سنة، لأن ظاهر الحديث السابق "صلاة
الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" يدل على أن الصلاة في الجماعات من جنس
المندوب إليه، وكأنها كمال زائد على الصلاة الواجبة.
وذهب
الشافعية
إلى أن: الجماعة فرض كفاية، لرجال أحرار مقيمين، لا عراة، في أداء مكتوبة، بحيث
يظهر الشعار أي شعار الجماعة بإقامتها، في كل بلد صغير أو كبير. فإن امتنعوا كلُّهم
من إقامتها قوتلوا (أي قاتلهم الإمام أو نائبه دون آحاد الناس)، ولا يتأكد الندب
للنساء تأكده للرجال في الأصح.
وذهب
الحنابلة
إلى أن: الجماعة واجبة وجوب عين. لقوله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيدهن
لقد هممت أن آمر بحطب ليحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً، فيؤم الناس،
ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم" متفق
عليه.
5- أقل
الجماعة أو من تنعقد به الجماعة:
ذهب
الحنفية والشافعية
إلى أنَّ أقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم ولو مع صبي ذهب المالكية والحنابلة
إلى أن الجماعة لا تنعقد مع صبي مميز لكن عند الحنابلة في فرض لا نفل فتصح
به، لأن الصبي لا يصلح إماماً في الفرض. ويصح أن يؤم صغيراً في نفل، لأن النبي صلى
الله عليه وسلم أمَّ ابن عباس، وهو صبي في التهجد.
6 - أفضل
الجماعة:
الجماعة
في المسجد لغير المرأة أو الخنثى أفضل منها في غير المسجد، كالبيت لأن المسجد مشتمل
على الشرف والطهارة وإظهار الشعائر.
7-أفضلية
المساجد التي تقام فيها الجماعة:
فقال
الحنابلة:
إن كان البلد ثغراً، وهو المكان المخوف، فالأفضل لأهله الاجتماع في مسجد واحد، لأنه
أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة. والأفضل لغيرهم: الصلاة في المسجد، وتحصيل الجماعة لمن
يصلي فيه، وذلك معدوم في غيره، أو تقام فيه الجماعة بدون حضوره، لكن فيه جبر قلوب
الإمام أو الجماعة. ثم المسجد العتيق (مسجد مكة)، لأن الطاعة فيه
أسبق.
الأفضل
من المساجد: ما كان أكثر جماعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل مع الرجل
أولى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أولى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو
أحب إلى الله" رواه أحمد وأبو داود.
ثم
المسجد الأبعد أفضل من الصلاة في الأقرب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الناس
في الصلاة أجراً أبعدهم فأبعدهم ممشى" رواه مسلم ولكثرة حسناته بكثرة
خطاه.
8- حضور
النساء إلى المساجد:
ذهب
أبو حنيفة
إلى أن: يكره للنساء الشوابّ حضور الجماعة مطلقاً، لما فيه من خوف الفتنة، ولا بأس
بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء.
وذهب
المالكية
إلى أنه: يجوز خلافاً للأولى خروج امرأة متجالَّة لا أرب للرجال فيها للمسجد
ولجماعة العيد والجنازة والاستسقاء والكسوف، كما يجوز خروج شابة غير مُفتنة لمسجد
وجنازة قريب من أهلها، أما التي يخشى منها الفتنة فلا يجوز لها الخروج
مطلقاً.
وذهب
الشافعية والحنابلة
إلى أنه: يكره للحسناء أو ذات الهيئة شابة أو غيرها حضور جماعة الرجال، لأنها مظنة
الفتنة، وتصلي في بيتها. ويباح الحضور لغير الحسناء إذا خرجت (غير متعطرة) بإذن
زوجها، وبيتها خير لها. لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد
الله، وليخرجن تَفِلات" رواه أحمد وأبو داود أي غير متطيبات. وعن أم سلمة : أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير مساجد النساء قعر
بيوتهن".
9- إدراك
ثواب الجماعة:
وذهب
الحنابلة والحنفية إلى أنه:
من كبر قبل سلام الإمام التسليمة الأولى، أدرك الجماعة، ولو لم يجلس معه، لأنه أدرك
جزءاً من صلاة الإمام، فأشبه ما لو أدرك ركعة. لكنه دون فضل من يدركها من
أولها.
وذهب
الشافعية
إلى أن: إدراك فضيلة الجماعة ما لم يسلم الإمام، وإن لم يقعد معه، بأن انتهى سلامه
عقب تحرّمه، وإن بدأ بالسلام قبله، لإدراكه ركناً معه، لكنه دون فضل من يدركها من
أولها. واستثنوا صلاة الجمعة فإن جماعتها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة مع
الإمام.
وذهب
المالكية
إلى أنه: إنما يحصل فضل الجماعة الوارد به الخبر المتضمن كون ثوابها بخمس أو بسبع
وعشرين درجة، بإدراك ركعة كاملة يدركها مع الإمام، بأن يمكن يديه من ركبتيه أو مما
قاربهما قبل رفع الإمام وإن لم يطمئن إلا بعد رفعه. أما مدرك ما دون الركعة فلا
يحصل له فضل الجماعة، وإن كان مأموراً بالدخول مع الإمام، وأنه مأجور بلا
نزاع.
10- إدراك
الفريضة مع الإمام:
ذهب
أئمة المذاهب
إلى الاتفاق: على أن من أدرك الإمام راكعاً في ركوعه، فإنه يدرك الركعة مع الإمام،
وتسقط عنه القراءة، فإن ركع بعد رفع الإمام رأسه من الركوع، لم تحسب الركعة. لكن
المالكية قالوا: إنما تدرك الركعة مع الإمام بانحناء المأموم في أول ركعة له مع
الإمام قبل اعتدال الإمام من ركوعه، ولو حال رفعه، ولو لم يطمئن المأموم في ركوعه
إلا بعد اعتدال الإمام مطمئناً، ثم يكبر لركوع أو سجود بعد تكبيرة الإحرام، ولا
يؤخر الدخول مع الإمام في أي حالة من الحالات حتى يقوم للركعة التي تليها، وإن شك
هل ركع قبل اعتدال الإمام أو بعده لم تحسب له الركعة.
وقال
الحنابلة:
من أدرك الإمام راكعاً، أجزأته تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، لأنه فعل زيد بن
ثابت وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة، ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد،
فأجزأ الركن عن الواجب، كطواف الزيارة والوداع.
واشترط
الشافعية كالمالكية
تكبيرة الركوع عدا تكبيرة الإحرام ليدرك جزءاً من القيام.
11 - المشي
للجماعة:
يستحب
لمن قصد الجماعة أن يمشي إليها، وعليه السكينة والوقار، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة، وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما
أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا" متفق عليه.
وذهب
المالكية
إلى أنه: أنه يجوز الإسراع لإدراك الصلاة مع الجماعة، بلا خَبَب (أي هرولة: وهي ما
دون الجري) وتكره الهرولة، لأنها تذهب الخشوع، والجري أولى.
12-المبادرة
للاقتداء مع الإمام:
ذهب
أئمة المذاهب
إلى أن المصلي يبادر للاقتداء بالإمام، سواء أكان قائماً أم راكعاً أم ساجداً أم
نحوه.
تاسعاً
- تكرار الجماعة في المسجد:
ذهب
الحنفية
إلى أنه: يكره تكرار الجماعة بأذان وإقامة في المسجد، إلا إذا كان مسجد طريف، أو
مسجداً لا إمام له ولا مؤذن، ويصلي الناس فيه فوجاً فوجاً.
أما
مسجد الشارع، فالناس فيه سواء، لا اختصاص له بفريق دون فريق. وعلى هذا لا يكره
تكرار الجماعة في مساجد الطرق: وهي ما ليس لها إمام وجماعة
معينون.
وذهب
المالكية
إلى أنه: يكره تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب، وكذلك يكره إقامة الجماعة قبل
الإمام الراتب، ويحرم إقامة جماعة الإمام الراتب. والقاعدة عندهم: أنه متى أقيمت
الصلاة مع الإمام الراتب، فلا يجوز إقامة صلاة أخرى فرضاً أو نفلاً، لا جماعة ولا
فرادى. ومن صلى جماعة مع الإمام الراتب، وجب عليه الخروج من المسجد، لئلا يؤدي إلى
الطعن في الإمام. وإذا دخل جماعة مسجداً، فوجدوا الإمام الراتب قد صلى، ندب لهم
الخروج ليصلوا جماعة خارج المسجد، إلا المساجد الثلاثة (المسجد الحرام ومسجد
المدينة والمسجد الأقصى)، فيصلون فيها فرادى، إن دخلوها، لأن الصلاة المنفردة فيها
أفضل من جماعة غيرها.
وذهب
الشافعية
إلى أنه: يكره إقامة الجماعة في مسجد بغير إذن الإمام الراتب، ولا يكره تكرار
الجماعة في المسجد المطروق في ممر الناس، أو في السوق، أو فيما ليس له إمام راتب،
أو له وضاق المسجد عن الجميع، أو خيف خروج الوقت، لأنه لا يحمل التكرار على
المكيدة.
وذهب
الحنابلة
إلى أنه: يحرم إقامة جماعة في مسجد له إمام الراتب إلا بإذنه، ولأنه يؤدي إلى
التنفير عنه، وكذلك يحرم إقامة جماعة أخرى أثناء صلاة الإمام الراتب، ولا تصح
الصلاة في كلتا الحالتين. وعلى هذا فلا يحرم ولا تكره الجماعة بإذن الإمام الراتب،
لأنه مع الإذن يكون المأذون نائباً عن الراتب، ولا تحرم ولا تكره أيضاً إذا تأخر
الإمام الراتب لعذر، أو ظن عدم حضوره، أو ظن حضوره ولم يكن يكره أن يصلي غيره في
حال غيبته.
ولا
يكره تكرار الجماعة بإمامة غير الراتب بعد انتهاء الإمام الراتب إلا في مسجدي مكة
والمدينة فقط، فإنه تكره إعادة الجماعة فيهما، رغبة في توفير الجماعة، أي لئلا
يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الراتب في المسجدين إذا أمكنهم الصلاة في جماعة
أخرى، وذلك إلا لعذر كنوم ونحوه عن الجماعة، فلا يكره لمن فاتته إعادتها
بالمسجدين.
14 - إعادة
المنفرد الصلاة جماعة:
ذهب
الحنفية
إلى أنه: يجوز للمنفرد إعادة الصلاة مع إمام جماعة، وتكون صلاته الثانية نفلاً.
وإذا كانت نفلاً، أعطيت حكم النافلة، فتكره إعادة صلاة العصر، لأن النفل ممنوع بعد
العصر، وتكره صلاة النفل خلف النفل إذا كانت الجماعة أكثر من ثلاثة، وإلا فلا تكره
إن أعادوها بدون أذان، وتكره مطلقاً إن أعادوها بأذان. وتجوز إذا كان إمامه يصلي
فرضاً، لا نفلاً، لأن صلاة النافلة خلف الفرض غير مكروهة.
وذهب
المالكية
إلى أنه: من صلى في جماعة لم يعد في أخرى إلا إذا دخل أحد المساجد الثلاثة فيندب له
الإعادة. ومن صلى منفرداً جازت له الإعادة في جماعة: اثنين فأكثر، لا مع واحد، إلا
إذا كان إماماً راتباً بمسجد فيعيد معه: لأن الراتب كالجماعة، ويعيد كل الصلوات غير
المغرب، والعشاء بعد الوتر، فتحرم إعادتهما لتحصيل فضل الجماعة، أما المغرب فلا
تعاد، لأنها تصير مع الأول شفعاً، لأن المعادة في حكم النفل، والعشاء تعاد قبل
الوتر، ولا تعاد بعده، لأنه إن أعاد الوتر يلزم مخالفة قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا وتران في ليلة"، وإن لم يعده، لزم مخالفة: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل
وتراً".
ولكل
منفرد إعادة الصلاة إلا من صلى منفرداً في أحد المساجد الثلاثة، فلا يندب له
إعادتها جماعة خارجها، ويندب إعادتها جماعة فيها.
ويعيد
إذا كان مأموماً، ولا يصح أن يكون إماماً كما قال الحنفية. وينوي المعيد
الفرض، مفوضاً لله تعالى في قبول أي الصلاتين.
وذهب
الشافعية
إلى أنه: يسن للمصلي وحده، وكذا للجماعة: إعادة الفرض بنية الفرض منفرداً أو مع
جماعة يدركها في الوقت ولو ركعة فيه، ولو كان الوقت وقت كراهة، وتكون الإعادة مرة
واحدة على الراجح، ولا يندب أن يعيد الصلاة المنذورة ولا صلاة الجنازة، إذا لا
يتنفل بها، ويشترط أن تكون الصلاة الثانية صحيحة وإن لم تغن عن القضاء، وألا ينفرد
وقت الإحرام بالصلاة الثانية عن الصف مع إمكان دخوله فيه، وأن تكون الصلاة الثانية
من قيام لقادر، وأن تكون الجماعة مطلوبة في حق من يعيدها، فإن كان عارياً فلا
يعيدها في غير ظلام، ويصح أن يكون المعيد إماماً.
وإذا
صلى وأعاد مع الجماعة، فالفرض هو الأول، ولأنه أسقط الفرض بالصلاة الأولى، فوجب أن
تكون الثانية نفلاً. وينوي إعادة الصلاة المفروضة، حتى لا تكون نفلاً
مبتدءاً.
وذهب
الحنابلة
إلى أنه: يستحب لمن صلى فرضه منفرداً أو في جماعة أن يعيد الصلاة إذا أقيمت الجماعة
وهو في المسجد، ولو كان وقت الإعادة وقت نهي، سواء أكانت الإعادة مع الإمام الراتب
أو غيره إلا المغرب، فلا تسن إعادتها، لأن المعادة تطوع، وهو لا يكون بوتر. وتكون
صلاته الأولى فرضه، لحديث يزيد ابن الأسود السابق. وينوي بالثانية كونها معادة، لأن
الأولى أسقطت الفرض. وإن نوى المعادة نفلاً صح، لمطابقته الواقع، وإن نواها ظهراً
مثلاً، صحت، وكانت نفلاً.
أما
من كان خارج المسجد فوجد جماعة تقام: فإن كان الوقت وقت نهي، لم يستحب له الدخول،
حتى تفرغ الصلاة، وتحرم عليه الإعادة ولم تصح، سواء قصد بدخوله المسجد تحصيل
الجماعة أم لا. وأما إذا لم يكن الوقت وقت نهي، وقصد المسجد للإعادة، فلا تسن له
الإعادة، وإن لم يقصد ذلك، كانت الإعادة مسنونة.
15 - وقت
استحباب القيام للجماعة أو للصلاة:
ذهب
الحنفية
إلى أن المصلي يقوم عند "حي على الفلاح" وبعد قيام الإمام.
وذهب
الحنابلة
إلى أنه يقوم عند "قد قامت الصلاة".
وذهب
الشافعية
إلى أنه يقوم بعد انتهاء المقيم من الإقامة.
16 - أعذار
ترك الجماعة والجمعة:
يعذر
المرء بترك الجمعة والجماعة، فلا تجبان للأسباب الآتية:
-
المرض
الذي يشق معه الحضور كمشقة المطر، وإن لم يبلغ حداً يسقط القيام في الفرض، بخلاف
المرض الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر. ومثله تمريض من لا متعهد له ولو غير
قريب ونحوه، لأن دفع الضرر عن الآدمي من المهمات، ولأنه يتألم على القريب أكثر مما
يتألم بذهاب المال. وغير القريب كالزوجة والصهر والصديق
والأستاذ.
فلا
تجب الجماعة على مريض ومقعد وزَمِن ومقطوع يد ورجل من خلاف أو رجل فقط، ومفلوج وشيخ
كبير عاجز وأعمى وإن وجد قائداً في رأي الحنفية، ولا يعذر حينئذ عند الحنابلة
والمالكية والشافعية في ترك الجمعة دون الجماعة.
-
أن
يخاف ضرراً في نفسه أو ماله أو عرضه أو مرضاً يشق معه
الذهاب.
فلا
تجب الجماعة والجمعة بسبب خوف ظالم، وحبس معسر، أو ملازمة غريم معسر، وعُرْي، وخوف
عقوبة يرجى تركها كتعزير لله تعالى، أو لآدمي، وقَوَد (قصاص) وحد قذف مما يقبل
العفو إن تغيب أياماً، وخوف زيادة المرض أو تباطئه. فإن لم يتضرر المريض بإتيانه
المسجد راكباً أو محمولاً أو تبرع أحد بأن يركبه أو يحمله أو يقوده إن كان أعمى،
لزمته عند الحنابلة والمالكية والشافعية الجمعة لعدم تكررها دون الجماعة.
ولا تجب الجماعة والجمعة بسبب الخوف عن الانقطاع عن الرفقة في السفر ولو سفر نزهة.
أو بسبب الخوف من تلف مال كخبز في تنور، وطبيخ على نار ونحوه، أو الخوف من فوات
فرصة كالخوف من ذهاب شخص يدله على ضائع في مكان ما.
-
المطر،
والوَحَل (الطين) والبرد الشديد، والحر ظهراً، والريح الشديدة في الليل لا في
النهار، والظلمة الشديدة، لدليل ما روى ابن عمر رضي الله عنه، قال: "كنا إذا كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكانت ليلة مظلمة أو مطيرة، نادى مناديه: أن
صلوا في رحالكم" متفق عليه، والثلج والجليد كالمطر.
-
مدافعة
الأخبثين (البول أو الغائط) أو أحدهما، لأن ذلك يمنعه من إكمال الصلاة وخشوعها.
وحضور طعام تتوقه نفسه، أي جوع وعطش شديدان لخبر أنس في الصحيحين: "لا تعجلن حتى
تفرغ منه"، وإرادة سفر، ويخشى أن تفوته القافلة أي تأهب لسفر مع رفقة ترحل، أما
السفر نفسه فليس بعذر، وغلبة نعاس ومشقة، لأن رجلاً صلى مع معاذ، ثم انفرد، فصلى
وحده عند تطويل معاذ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره. لكن الصبر
والتجلد على دفع النعاس، والصلاة جماعة أفضل، لما فيه من نيل فضل الجماعة. وأضاف
الحنفية: واشتغاله بالفقه لا بغيره.
-
أكل
منتن نيء إن لم يمكنه إزالته، ويكره حضور المسجد لمن أكل ثوماً أو بصلاً ونحوه، حتى
يذهب ريحه، لتأذي الملائكة بريحه، ولحديث: "من أكل ثوماً أو بصلاً، فليعتزلنا،
وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته" متفق عليه. ومثله جزار له رائحة منتنة، ونحوه من
كل ذي رائحة منتنة، لأن العلة الأذى. وكذا من به برص أو جذام يتأذى به قياساً على
أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى.
-
الحبس
في مكان، لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}
[البقرة: 286].
-
أضاف
الشافعية:
تقطير سقوف الأسواق والزلزلة، والسموم: وهي ريح حارة ليلاً أو نهاراً، والبحث عن
ضالة يرجوها، والسعي في استرداد مغصوب، والسمن المفرط، والهم المانع من الخشوع،
والاشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه أو في المسجد، وزفاف زوجته إليه في
الصلاة الليلية، وتطويل الإمام على المشروع، وترك سنة مقصودة، وكونه سريع القراءة
والمأموم بطيئاً، أو ممن يكره الاقتداء به، وكونه يخشى وقوع فتنة له أو
به.
وأيدهم
الحنابلة في عذر تطويل الإمام، وزفاف الزوجة أو العروس. وتسقط الجمعة والجماعة
عند المالكية لمدة ستة أيام بسبب الزفاف، ولا تسقط عن العروس في السابع
وأضافوا كالشافعية: يعذر من عليه قصاص (قَوَد) إن رجا العفو عنه، ومن عليه
حد القذف، إن رجا العفو أيضاً، لأنه حق آدمي. أما من عليه حد لله تعالى كحد الزنا
وشرب الخمر وقطع السرقة، فلا يعذر في ترك الجمعة ولا الجماعة، لأن الحدود لا يدخلها
المصالحة، بخلاف القصاص.
يسقط
حضور الجماعة عند الحنفية: واحد من ثمانية عشر أمراً: مطر، وبرد، وخوف،
وظلمة، وحبس، وعمى، وفلج، وقطع يد ورجل، وسقام، وإقعاد، ووحل، وزمانة، وشيخوخة،
وتكرار فقه بجماعة تفوته، وحضور طعام تتوقه نفسه، وإرادة سفر، وقيامه بمريض، وشدة
ريح ليلاً لا نهاراً. وإذا انقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها المبيحة للتخلف يحصل
له ثوابها