موقع
الحجرات:
1- كانت
حجرات الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم محيطة بالمسجد من الركن الجنوبي الشرقي. حيث
كانت حجرة حفصة في مكان الشباكالنبي الذي عند المواجهة الشريفة الذي يقف عنده
الزائرون الآن وإلى شماله خوخة (أي زقاق أو كوريدور) تفصل بين حجرتها وحجرة
عائشة ولكل واحدة منهما عاليها كوّة صغيرة تتبادلان منهما الحديث والأسرار وعبر
هاتين الكوتين أخبرت حفصةُ عائشة بما أسَّر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من
تحريم العسل على نفسه وأظهره الله على ما أفشت حفصة من سره قال تعالى: {وَإِذْ
أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ
وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا
نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ
الْخَبِيرُ} [التحريم: 3].
فقد
ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف ببيوته كلها في كل يوم وأنأم المؤمنين زينب
بنت جحش كانت تحرص على ما يسره، فكانت تصنع له شربة عسل لأنه كان يحب العسل فإذا
مرّ بها سقته عسلاً فغارت منها حفصة وعائشة فاتفقتا على ما يجعل النبي صلى الله
يترك شرب العسل عند زينب وقالت كل واحدة للأخرى: إذا جاءك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقولي له إني أجد فيك ريح مغافير (والمغافير شيء كريه الرائحة) وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يكره الرائحة الكريهة فلما جاء إلى عائشة بعد أن شرب العسل عند زينب
قالت: إني أشم فيك رائحة مغافير يا رسول الله قال: " إنما شربت عسلاً عند زينب
" فلما ذهب إلى حفصة قالت أيضاً : يا رسول الله أشم فيك رائحة مغافير فقال صلى
الله عليه وسلم: "إنما شربت عسلاً عند زينب" ثم قال: إني حرّمت العسل على
نفسي واستكتم حفصة ذلك فما إن خرج من عندها حتى أخبرت عائشة بسر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ
مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:
1-2]، وقد أوردت الحديث بالمعنى. فجعل اللَّه كفارة من حرم على نفسه شيئاً أحله
الله أن يكفر كفَّارة يمين.
الحجرة
الشريفة:
إن
حجرة عائشة رضي الله عنها هي أول ما بنى النبي صلى الله عليه وسلم من بيوته الشريفة
بعد بناء مسجده ثم بنى بعدها حجرة سودة رضي الله عنها وتقع هذه الحجرة شرقي المسجد
النبوي ويفتح بابها على الروضة الشريفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي رأسه
لعائشة رضي الله عنها تسرحه وترجله وهو معتكف في المسجد، ولما رفع النبي صلى الله
عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كان في حجرة عائشة لأنه استأذن من أمهات المؤمنين أن
يُمرّضَ في حجرة عائشة رضي الله عنها، وتقول عائشة إنه صلى الله عليه وسلم قبض
ورأسه في حجرها، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم دهش أصحابه لوفاته إلى حد أن
عمر رضي الله عنه استل سيفه ووقف عند باب هذه الحجرة وقال: لا يقول أحد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم تُوفي إلا ضربته بهذا السيف حتى جاء أبو بكر الصديق رضي
الله عنه ودخل على رسول الله وهو مسجى في ثيابه فكشف عن وجهه الشريف وقبَّل بين
عينيه وقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنها لموتة كتبها الله عليك . ثم خرج الصديق
رضي الله عنه ووقف عند الباب إلى جانب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: (من كان
يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ دائم لا يموت)
ثم تلا قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ
يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] فارْتختْ يد عمر بالسيف واغمده وقال: واللَّه
لكأني ما سمعت هذه الآية من قبل ولإني لمن أول من حفظها بعد نزولها. وبعد ذلك تبادل
الصحابة الرأي في المكان الذي يدفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الصديق
رضي الله عنه إنه سمع حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل نبي يُدفن حيث
قُبض فعند ذلك جيء بحافرين للقبور أحدهما يحفر الشق والآخر يلحد اللحد فألحد قبر
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واللحد هو حفرة في جانب القبر من جهة القبلة يوضع
فيها الميت ثم يهال التراب في القبر. ثم فرشت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم قطيفة
حمراء في قبره وبعد أن وُضع فيه أطبقت عليه تسعُ لَبنات ثم سُوِّي التراب فوق ذلك
بارتفاع يسير عن سطح الأرض.
فاصبح
النبي صلى الله عليه وسلم في قبره في جنوبي الحجرة الشريفة وظلت عائشة رضي الله
عنها تسكن في القسم الشمالي منها ليس بينها وبين القبر ساتر فلما توفي الصديق رضي
الله عنه أذنت له أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم فحفر له القبر خلف النبي صلى
الله بذراع ورأسه مقابل كتفيه الشريفين ولم تضع عائشة بينها وبين القبرين الشريفين
ساتراً وقالت إنما هو زوجي وأبي. وبعد أن توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذنت له
بأن يدفن مع صاحبيه فحفر القبر له خلف الصديق بذراع ورأسه يقابل كتفيه ولطوله عمر
رضي الله عنه وصلت قدماه إلى الأساس الشرقي للحجرة حتى حفر لهما تحت الأساس الشرقي
للحجرة ، فعند ذلك جعلت عائشة رضي الله عنها ساتراً بينها وبين القبور الشريفة لأن
عمر رضي الله عنه ليس بمحرم فاحترمته حتى بعد وفاته فرضي الله عن الجميع وفي سنن
الترمذي عن عبد اللَّه بن سلام (أنه مكتوب في التوراة صفة دفن عيسى عليه السلام
مع النبي صلى الله عليه وسلم) ولهذا قال بعض العلماء إن المكان الخالي الموجود
في الحجرة سوف يكون مدفن عيسى عليه السلام. أما فاطمة رضي الله عنها فليس قبرها
ثَمَّ بل دفنت بالبقيع الطاهر كما سيأتي ووردت آثار وأحاديث تفيد بأن آلاف الملائكة
يحفون بالقبر الشريف ليلاً ونهاراً ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم . كما عند
الدارمي والبهيقي.