عناية العلماء بالمكي و المدني :
قام أعلام الهدى من الصحابة و التابعين بضبط منازل القرآن ضبطاً يحدد الزمان و المكان، فكانوا يؤرخون كل آية بوقت و مكان نزولها. روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلَت؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا و أنا أعلم فيم نزلت؟ ولو أعلم أنَّ أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبتُ إليه ". وقد عني العلماء بتحقيق المكي والمدني بدقة و عناية فائقة، فتتبعوا القرآن آية آية وسورة سورة ، لترتيبها وفق نزولها، مراعين في ذلك الزمان والمكان والخطاب حتى اكتمل بذلك علم سمي " بـ: "علم المكي و المدني ".
الفرق بين المكي و المدني :
أصح الأقوال أن:
المكي: ما نزل قبل الهجرة و إن كان بغير مكة.
المدني: ما نزل بعد الهجرة و إن كان بغير المدينة، بأن نزلت آية ما في مكة بعد الهجرة مثلاً عندما فتح النبي صلى الله تعالى عليه و سلم مكة، فتُسمّى مدنية و لا تُسمّى مكية.
أهمية معرفة المكي و المدني:
1- الاستعانةبها في تفسير القرآن: فإنَّ معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية و تفسيرها تفسيراً دقيقاً.
مثال ذلك: من قرأ سورة " الكافرون " و لم يعلم زمن نزولها و هل هي مكية أم مدنية، فإنه يحار في معناها، و قد يستخرج منها أنَّ المسلمين غير مكلفين بالجهاد في أي الأحوال و إنما عليهم أن يقولوا للآخرين لكم دينكم و لي دينِ.
فإذا علم أنَّ هذه السورة إنما نزلت في مكة عندما قال بعض صناديد الشِّرك لرسول الله صلى الله عليه و سلم: " تعالَ يا محمد نعبد إلهك يوماً و تعبد إلهنا يوماً " ، إذا علم هذا ، أدرك أنَّ هذه السورة إنما هي علاج لتلك المرحلة ذاتها و ليست دليلاً على عدم مشروعية الجهاد الذي نزلت فيه آيات كثيرة أخرى في المدينة.