أحكام فرعية لصلاة النافلة: ثالثاً: كيفية أداء نوافل النهار والليل: إن شاء صلى ركعتين بتسليمة واحدة، وإن شاء أربعاً، وتكره الزيادة على ذلك (أي على الأربع من غير تسليمة). أما نوافل الليل: فقال أبو حنيفة: إن صلى ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز، وتكره الزيادة على ذلك (أي على الثمانية من غير تسليمة)، والأفضل عنده رباع أي أربعاً أربعاً ليلاً ونهاراً.
وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: لا يزيد - من حيث الأفضلية - بالليل على ركعتين بتسليمة واحدة، والأفضل في الليل مثنى مثنى، وفي النهار: أربع أربع. وبرأي الصاحبين يفتى عند الحنفية.
القراءة واجبة في جميع ركعات النفل، وفي جميع الوتر.
رابعاً: الشروع في النفل صلاة أو صوماً ملزم عند الحنفية. ودليل الحنفية قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} فيحرم قطع الصلاة وغيرها.
فيلزم النفل عندهم بالشروع في تكبيرة الإحرام، أو بالقيام للركعة الثالثة وقد أدى الشفع الأول صحيحاً، فإذا فسد الثاني لزم قضاؤه فقط، ولا يسري إلى الأول، لأن كل شفع صلاة على حدة.
وبناء عليه: من دخل في صلاة النفل، ثم أفسدها، قضاها. وإن صلى أربع ركعات، وقعد في الأوليين، ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين.
ويستثنى من ذلك ما لو شرع متنفلاً خلف مفترض ثم قطعه، أو شرع في فرض ظاناً أنه عليه، ثم تذكر أنه ليس عليه، فلا قضاء عليه.
ثانياً: يقتصر المتنفل في الجلوس الأول من الرباعية المؤكدة (وهي التي قبل الظهر والجمعة وبعدها) على التشهد، ولا يأتي في الثالثة بدعاء الاستفتاح على الأصح. أما الرباعية المندوبة (غير المؤكدة)، فإنه يقرأ في القعود الأول التشهد والصلاة الإبراهيمية ويأتي بالاستفتاح والتعوذ في ابتداء الثالثة، أي في ابتداء كل شفع من النافلة.
خامساً: إذا صلى نافلة أكثر من ركعتين، ولم يجلس إلا في آخرها، صح استحساناً، لأنها صارت صلاة واحدة من ذوات الأربع، وفيها الفرض وهو الجلوس الأخير، ويجبر ترك القعود الأول ساهياً بالسجود، ويجب العود إليه بتذكره بعد القيام ما لم يسجد.
سادساً:صلاة النفل قاعداً أو راكباً يجوز - كما بينا في بحث القيام في الصلاة - النفل قاعداً لا مضطجعاً مع القدرة على القيام، لكن له نصف أجر القائم إلا لعذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد" رواه البخاري.
وكيفية القعود في النفل كالمتشهد، ويجوز للقادر على القيام إتمام نفله قاعداً، بعد افتتاحه قائماً، بلا كراهة على الأصح.
ويصح أداء النوافل ولو كانت مؤكدة كسنة الفجر على الراحلة راكباً خارج البلد، ويومئ إلى الركوع والسجود، إلى أي جهة توجهت دابته، للحاجة، وإذا نزل عن الدابة أتم صلاته. ولا يشترط عجزه عن إيقافها لتكبيرة الإحرام. وإذا حرك رجله أو ضرب دابته، فلا بأس به، إذا لم يصنع شيئاً كثيراً.
ويجوز للمتطوع الاتكاء على شيء إن تعب، بلا كراهة، وإن كان بغير عذر كره في الأظهر، لإساءة الأدب.
سابعاً: صلاة الفرض والواجب على الدابة ولا يصح على الدابة صلاة الفرائض والواجبات، كالوتر والمنذور، وقضاء ما شرع فيه نفلاً فأفسده، ولا صلاة الجنازة، أو سجدة تليت آيتها على الأرض، إلا للضرورة أو العذر، كخوف لص أو سبع على نفسه أو دابته، أو ثيابه، لو نزل، أو وجود طين ومطر في المكان، أو لعجز لمرض أو كسر ولم يوجد من يركبه.
ثامناً: الصلاة في السفينة، ومثلها الطائرة والسيارة: تجوز صلاة الفريضة في السفينة والطائرة والسيارة قاعداً، ولو بلا عذر عند أبي حنيفة، ولكن بشرط الركوع والسجود.
وفي قول آخر: لا تصح إلا لعذر، وهو الأظهر. والعذر كدوران الرأس، وعدم القدرة على الخروج.
ويشترط التوجه للقبلة في بدء الصلاة، ويستدير إليها كلما استدارت السفينة، ولو ترك الاستقبال لا تجزئه الصلاة، وإن عجز عن الاستقبال يمسك عن الصلاة حتى يقدر على الإتمام مستقبلاً.
والسفينة المربوطة في لجة أو عرض البحر التي تحركها الريح الشديدة كالسائرة، فإن لم تحركها فهي كالواقفة على الأصح.
والمربوطة بالشط أو المرفأ لا تجوز الصلاة فيها قاعداً اتفاقاً.
والثابت في السنة وجوب القيام على من يصلي في السفينة، ولا يجوز له القعود إلا عند خشية الغرق، لقول ابن عمر: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم، كيف أصلي في السفينة ؟ قال : صلِّ فيها قائماً، إلا أن يخاف الغرق" رواه الدارقطني والحاكم.
التطوع عند المالكية:
ذهب المالكية إلى أن التطوعات عند المالكية ثلاثة أنواع: سنة، وفضيلة، ونافلة.
النوع الأول: السنة: فهي عشر صلوات:
الوتر، وهي ركعة يقرأ فيها بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين، وهي آكد السنن، وندب الجهر بوتر، وركعتا الفجر، وتسمى عند المالكية رغيبة: أي مرغب فيها، وهي ما فوق المندوب ودون السنة، ووقتها كالصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ثم تقضى إلى الزوال فقط، فإن صلى الصبح قبلها كره فعلها إلى ما بعد طلوع الشمس بقدر رمح (12 شبراً متوسطاً) ولا يقضى نفل خرج وقت سواها، ويندب صلاتها في المسجد لمن أراد التوجه للمسجد لصلاة الفريضة، ويقرأ في الأولى الكافرون وفي الثانية الإخلاص.
وصلاة عيد الفطر، وصلاة عيد الأضحى، وصلاة كسوف الشمس، وكسوف القمر، وصلاة الاستسقاء، وسجود التلاوة، وركعتا الطواف، وركعتا الإحرام بالحج.
وترتيبها: الوتر ثم العيد، ثم الكسوف، ثم الاستسقاء.
النوع الثاني: الفضائل
وهي ركعتان بعد الوضوء، وركعتان تحية المسجد لداخل يريد الجلوس به لا المرور فيه، وإن في وقت النهي، وتتأدى بفريضة، والضحى وهي مؤكدة وأقلها ركعتان وأكثرها ثمانٍ، وقيام الليل ويندب جهراً، وهو مؤكد، وأفضله الثلث الأخير، وهو عشر غير الشفع والوتر، وأكثره لا حد له، وقيام رمضان وهي التراويح سنة مؤكدة، عشرون ركعة، يسلم من كل ركعتين، غير الشفع والوتر، وهي آكد من قيام الليل، وندب ختم القرآن فيها، بأن يقرأ كل ليلة جزءاً يفرقه على العشرين ركعة. وندب الانفراد بها إن لم تعطَّل المساجد عن صلاتها جماعة، فإن لزم على الانفراد بها تعطيل المساجد عنها، فالأولى إيقاعها في المساجد جماعة، فدل على أنه يندب لأعيان (وجهاء) الناس فعلها في المساجد، لأن الشأن الاقتداء بهم، فإذا لم يصلوها في المساجد تعطلت المساجد.
ويتأكد النفل قبل صلاة الظهر وبعدها، وقبل صلاة العصر، وبعد صلاة المغرب، والعشاء، بلا تحديد بعدد معين، فيكفي في تحصيل الندب ركعتان، والأولى بعد كل صلاة عدا المغرب أربع ركعات، وبعد المغرب ست ركعات.
ويندب فصل الشفع (المراد به الركعتان قبل الوتر) عن الوتر، بسلام، وكره وصله به من غير سلام، وكره الاقتصار على الوتر من غير شفع، وصح الوتر من غير شفع، خلافاً لمن قال بعدم صحته إلا بشفع.
ويندب القراءة في الشفع بسبّح اسم ربك الأعلى عقب الفاتحة في الركعة الأولى، والكافرون في الثانية.
ويندب الإسرار بسنة الفجر وسائر نوافل النهار. ويندب الجهر بالوتر وفي سائر نوافل الليل.
وتندب تحية المسجد قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بمسجده عليه السلام، وتحية مسجد مكة: الطواف بالبيت سبعاً، إلا المكي فيكفيه الركعتان.
النوع الثالث: النوافل فهي قسمين:
1- ما لا سبب له: وهي التطوع في الأوقات الجائزة غير الخمسة المكروهة المذكورة سابقاً.
2- وما له سبب: وهي عشر: الصلاة عند الخروج إلى السفر، وعند الرجوع منه، وعند دخول المنزل، وعند الخروج منه، وصلاة الاستخارة ركعتان، وصلاة الحاجة ركعتان، وصلاة التسبيح أربع ركعات، وركعتان بين الأذان والإقامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة" والمراد بالأذانين: الأذان والإقامة.
وأربع ركعات بعد الزوال، وركعتان عند التوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم : "ما من رجل يُذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلّي، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: "والذين إذا فعلوا فاحشة، أو ظلموا أنفسهم ذكروا .. الآية" رواه الترمذي، زاد ابن حبان والبيهقي وابن خزيمة: "ثم يصلي ركعتين".
وزاد بعض المالكية ركعتين عند الدعاء، وركعتين لمن قدم للقتل.
ما يكره في أداء النوافل عند المالكية:
يكره تأخير الوتر للوقت الضروري وهو من طلوع الفجر لصلاة الصبح، بلا عذر من نوم أو غفلة أو نحوهما.
وكره كلام بالأمور الدنيوية بعد صلاة الصبح، لا بعد سنة الفجر وقبل الصبح.
وكره ضِجْعة: بأن يضطجع على شقه الأيمن بعد سنة الفجر قبل الصبح إذ لم يصحبها عمل أهل المدينة. وهذا متفق مع مذهب الحنفية.
وكره جمع كثير لصلاة النفل في غير التراويح، لأن شأن النفل الانفراد به، كما يكره صلاة النفل في جماعة قليلة بمكان مشتهر بين الناس.
ذهب الشافعية إلى أن النوافل نوعان:
النوع الأول ما تسن له الجماعة: سبع صلوات مسنونات هي:
العيدان أي صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، والكسوفان: أي صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر، والاستسقاء، والتراويح.
وكان قد انقطع الناس عن فعلها جماعة في المسجد إلى زمن عمر رضي الله عنه، وإنما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فرادى خشية الافتراض، كما مرَّ، وقد زال ذلك المعنى.
والتراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، اتباعاً للسنة، مع مواظبة الصحابة عليها.
وينوي الشخص بكل ركعتين: التراويح أو قيام رمضان، ولو صلى أربع ركعات منها بتسليمة واحدة لم تصح، ووقتها بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.
وتندب الجماعة في الوتر عقب التراويح جماعة، إلا إن وثق باستيقاظه آخر الليل، فالتأخير أفضل، لخبر مسلم: "من خاف ألا يقوم من آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره، فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة" أي تشهدها ملائكة الليل والنهار.
وهذا النوع أفضل مما لا تسن له الجماعة، لأنها تشبه الفرائض في سنة الجماعة، وأوكد ذلك صلاة العيد، لأنها راتبة بوقت كالفرائض، ثم صلاة الكسوف، لأن القرآن دل عليها، ثم صلاة الاستسقاء. لكن الأصح تفضيل الراتبة على التراويح، لمواظبته صلى الله عليه وسلم على الراتبة لا التراويح.
النوع الثاني: ما لا تسن له الجماعة: وهو نوعان:
أ- الرواتب مع الفرائض: أي السنن التابعة للفرائض، ويعبر عنها بالسنة الراتبة وهي سبع عشرة ركعة:
ركعتا الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وثلاث بعد العشاء يوتر بواحدة منهن. والواحدة هي أقل الوتر، وأكثره إحدى عشرة ركعة. ووقته بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، فلو أوتر قبل العشاء عمداً أو سهواً لم يعتد به.
ويسن قبل الجمعة أربع كما قبل الظهر، وبعدها أربع وهو الأكمل.
ب- غير الراتبة أي المستقلة عن الفرائض: وهي الصلوات التي يتطوع بها الإنسان في الليل والنهار. وأفضلها التهجد.
والنفل المطلق في الليل أفضل من النفل المطلق في النهار، والنفل وسط الليل أفضل، ثم آخره أفضل، إذا قسم المسلم الليل أثلاثاً. فإن قسمه أنصافاً فالنفل في آخره أفضل منه في أوله. والأفضل من ذلك كله: أن يقسمه أسداساً، فينام ثلاثة أسداس، ويقوم السدس الرابع والخامس، وينام السادس ليقوم للصبح بنشاط.
ويكره أن يقوم الليل كله.
وأفضل تطوع النهار: ما كان في البيت.
والسنة أن يسلم في تهجده من كل ركعتين.
وإن جمع ركعات بتسليمة واحدة، جاز.
وإن تطوع بركعة واحدة، جاز.
ويستحب أن ينوي الشخص القيام عند النوم وأن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين. والسنة أن يتوسط في نوافل الليل بين الجهر والإسرار، وإطالة القيام فيها أفضل من تكثير عدد الركعات، وأن ينام من نعس في صلاته، ويتأكد بإكثار الدعاء والاستغفار في جميع ساعات الليل، وفي النصف الأخير آكد، وعند السحر أفضل.
ومن غير الراتبة: صلاة الضحى، وأقلها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة.
ووقتها: من ارتفاع الشمس إلى زوالها.
ومن غير الراتبة: تحية المسجد ركعتين، والأصح أنها تتكرر بتكرر الدخول في المسجد مراراً، ولأنه يحصل به التحية. وتحصل التحية بفرض أو نفل آخر، وإن لم تنو، لأن القصد بها ألا ينتهك المسجد بلا صلاة. وعلى هذا فإنها تكره إذا وجد المكتوبة تقام، أو إذا دخل المسجد الحرام ففعلها قبل الطواف، أو خاف فوت الصلاة. ولا تسن التحية للخطيب إذا خرج من مكانه للخطبة، ولا لمن لو فعلها فاته أول الجمعة مع الإمام.
ومنها: صلاة التوبة: لخبر أبي داود وغيره وحسنه الترمذي: "ليس عبد يذنب ذنباً، فيقوم فيتوضأ، ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله، إلا غفر له".
ومنها: صلاة التسبيح أربع ركعات، يقول في كل ركعة بعد القراءة: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر" خمس عشرة مرة، ويقول في كل من الركوع والرفع منه والسجدتين والجلوس بينهما وجلسة الاستراحة، وما قبل التشهد عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة رواه أبو داود.
ومنها: صلاة الاستخارة ركعتان.
ويقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
ومنها: ركعتا الزوال عقبه، يقرأ فيهما بعد الفاتحة "الكافرون والإخلاص".
ومنها: ركعتان عند الرجوع من سفره في المسجد قبل دخوله بيته. اتباعاً للسنة.
ومنها: ركعتا الوضوء ولو مجدَّداً، لخبر الصحيحين "من توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين، لم يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه".
ومنها: صلاة الأوابين وتسمى صلاة الغفلة لغفلة الناس عنها بسبب عشاء أو نوم أو نحو ذلك، وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، وأقلها ركعتان لحديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى ست ركعات بين المغرب والعشاء، كتب الله له عبادة اثنتي عشرة ركعة".
السنن المؤكدة وغير المؤكدة عند الشافعية:
ذهب الشافعية إلى تقسيم السنة إلى نوعين مؤكدة وغير مؤكدة
النوع الأول السنة المؤكدة:
أ- عشر ركعات من الراتب التابع للفرض: وهي ركعتا الفجر، وركعتان قبل الظهر أو الجمعة، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
فيقرأ في أولى ركعتي الفجر والمغرب والاستخارة وتحية المسجد وركعتي الإحرام والزوال: قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية: الإخلاص.
ويسن أن يفصل بين سنة الصبح وفرضه باضطجاع أو كلام أو نحوه، لحديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة، فيخرج" متفق عليه.
ب- الوتر: وإذا أراد أن يصليه ثلاثاً فالأفضل أن يصليها مفصولة بسلامين لكثرة الأحاديث الصحيحة فيه، ولكثرة العبادات، فإنه تتجدد فيه النية، ودعاء التوجه والدعاء في آخر الصلاة، والسلام وغير ذلك.
جـ- ثلاث نوافل غير راتبة أي تابعة للفرائض : صلاة الليل (التهجد) وصلاة الضحى، وصلاة التراويح.
ترتيب أفضليتها: وآكد السنن الراتبة مع الفرائض : سنة الفجر والوتر، لأنه ورد فيهما ما لم يرد في غيرهما.
والوتر أفضل من الفجر.
والأصح تفضيل الراتبة على التراويح، ثم أفضل الصلوات بعد الرواتب والتراويح: الضحى، ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف، وركعتي الإحرام، وتحية المسجد، ثم سنة الوضوء.
وقت الرواتب: ما يفعل قبل الفرائض من سنن الرواتب يدخل وقتها بدخول وقت الفرض، ويبقى وقتها إلى أن يذهب وقت الفرض. وما كان بعد الفرض يدخل وقتها بالفراغ من الفرض، ويبقى إلى أن يذهب وقت الفرض، وبعد فعل القبلية بعد الفرض أداء، والاختيار ألا تؤخر عن وقتها إلا لمن حضر والصلاة تقام أو نحوه، وفعل البعدية قبله لا تنعقد. ويسن فعل السنن الراتبة في السفر، سواء أقصر أم أتم، لكنها في الحضر آكد.
قضاء النوافل: لو فات النفل المؤقت، ندب قضاؤه لأنها صلاة مؤقتة، فقضيت كالفرائض، سواء في السفر والحضر.
النوع الثاني: السنة غير المؤكدة:
أ- اثنتا عشرة ركعة: ركعتان قبل الظهر، سوى المؤكدتين، وركعتان بعدها كذلك، والجمعة كالظهر، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، ويسن تخفيفهما وفعلهما بعد إجابة المؤذن لحديث "بين كل أذانين صلاة" والمراد الأذان والإقامة، وركعتان قبل العشاء.
ب- كل النوافل الأخرى غير المؤكدة مما ذكر سابقاً في السنن غير الراتبة.
جـ- النفل المطلق: وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب، أي لا حصر لعدده ولا لعدد ركعاته، قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "الصلاة خير موضوع، استكثر أو أقلّ" رواه ابن ماجه.
فإن أحرم بأكثر من ركعة فله التشهد في كل ركعتين، والصحيح منعه في كل ركعة. وإذا نوى عدداً، فله أن يزيد وينقص بشرط تغيير النية قبلهما، وإلا فتبطل، فلو نوى ركعتين، ثم قام إلى ثالثة سهواً، فالأصح أنه يقعد، ثم يقوم للزيادة إن شاء الزيادة، ثم يسجد للسهو في آخر صلاته لزيادة القيام.
ويسلم في النفل من كل ركعتين، ويكره قيام كل الليل دائماً، وتخصيص ليلة الجمعة بقيام، وترك تهجد اعتاده بلا عذر، لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ثم تركه" متفق عليه.
ذهب الحنابلة إلى أن التطوعات قسمان:
القسم الأول: ما تسن له الجماعة: وهو صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح.
القسم الثاني: ما يفعل على الانفراد، وهي قسمان: سنة معينة، ونافلة مطلقة.
فأما السنة المعينة فتتنوع أنواعاً:
النوع الأول - السنن الرواتب مع الفرائض أي المؤكدة: وهي ركعة الوتر: يتأكد فعلها، ويكره تركها، ولا تقبل شهادة من داوم عليه ثم تركه. لسقوط عدالته، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل شهادته.
وعشر ركعات: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. ويخير في السفر بين فعلها وبين تركها، لأن السفر مظنة المشقة، ولذلك جاز فيه القصر، إلا سنة الفجر وسنة الوتر، فيفعلان فيه، لتأكدهما.
وفعل الرواتب في البيت أفضل، بل السنن كلها سوى ما تشرع له الجماعة، ويسن تخفيف ركعتي الفجر.
ويسن الاضطجاع بعدهما على جنبه الأيمن قبل الفرض.
ويسن أن يقرأ في ركعتي الفجر والمغرب "الكافرون" و "الإخلاص" لما روى أبو هريرة وغيره في الفجر، وابن مسعود في المغرب، أو يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى:
{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ..} [البقرة : 136]، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا .. } [آل عمران : 64]، للخبر المتقدم.
ويجوز فعل ركعتي الفجر والوتر وغيرها راكباً، لحديث مسلم عن ابن عمر في الفجر، وللبخاري "إلا الفرائض".
وآكد هذه الركعات: ركعتا الفجر، لحديث عائشة السابق: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر" متفق عليه.
ووقت السنن الرواتب القبلية: وقت الفرض قبله، والبعدية بعده، ولا يقضى منها شيء إلا ركعتي الفجر، اختار أحمد أن يقضيهما من الضحى، أي كما قال الحنفية والمالكية، وقال : إن صلاهما بعد الفجر أجزأ. ويجوز قضاء السنن الراتبة بعد العصر، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم متعين، ولأن النهي بعد العصر خفيف.
وتقضى جميع السنن الرواتب في جميع الأوقات إلا أوقات النهي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعضها، وقسنا الباقي عليه، أي كما قال الشافعية.
النوع الثاني - السنن غير الرواتب، وهي تطوعات مع الرواتب أي غير مؤكدة : وهي عشرون: أربع قبل الظهر وأربع بعدها، وأربع قبل صلاة العصر، وأربع بعد صلاة المغرب، وأربع بعد صلاة العشاء. ويباح أن يصلي ركعتين قبل المغرب.
ولا سنة راتبة للجمعة قبلها، وأقل السنة الراتبة بعدها: ركعتان، وأكثرها ست. وفعل سنة الجمعة في المسجد مكانه أفضل.
أما صلاة ركعتين بعد الوتر: فظاهر كلام أحمد : أنه لا يستحب فعلهما، وإن فعلهما إنسان جاز. والصحيح أنهما ليستا بسنة، لأن أكثر من وصف تهجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرهما، منهم ابن عباس وزيد بن خالد وعائشة.
ويسن أن يفصل بين كل فرض وسنة بقيام أو كلام، لقول معاوية: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ألا نوصل صلاة، حتى نتكلم أو نخرج".
النوع الثالث - صلوات معينة مستقلة:
أولاً: صلاة التراويح أو قيام شهر رمضان:
عشرون ركعة، وهي سنة مؤكدة، وأول من سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويجهر فيها الإمام بالقراءة لفعل الخلف عن السلف. وفعلها جماعة أفضل من فعلها فرادى.
القراءة في التراويح:
والتقدير بحال الناس أولى، فإنه لو اتفق جماعة يرضون بالتطويل ويختارونه كان أفضل.
ويستحب أن يبتدئ التراويح بسورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، لأنها أوّل ما نزل من القرآن، فإذا سجد للتلاوة في آخرها قام فقرأ من البقرة.
نية التراويح:
وينوي في كل ركعتين، فيقول سراً ندباً: أصلي ركعتين من التراويح المسنونة، أو من قيام رمضان.
ولا بأس بترك الجلسة بعد كل أربع، ولا يدعو إذا استراح، لعدم وروده، ولا يكره الدعاء بعد التراويح لعموم قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح: 7].
وقت التراويح:
ووقتها بعد صلاة العشاء وبعد سنتها قبل الوتر إلى طلوع الفجر الثاني، فلا تصح قبل صلاة العشاء، فمن صلى العشاء ثم التراويح، ثم ذكر أنه صلى العشاء محدثاً، أعاد التراويح، لأنها سنة تفعل بعد مكتوبة، فلم تصح قبلها، كسنة العشاء. وإن طلع الفجر، فات وقتها، ولا تقضى. وإن صلى التراويح بعد العشاء، وقبل سنتها، صح جزماً، ولكن الأفضل فعلها بعد السنة، على المنصوص.
فعلها في المسجد:
وفعلها في المسجد أفضل.
وفعلها أول الليل أفضل، لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر أوله.
الوتر بعد التراويح:
ويوتر بعدها في الجماعة بثلاث ركعات.
فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده استحباباً لقوله صلى الله عليه وسلم : "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" متفق عليه. وإن لم يكن له تهجد صلى الوتر مع الإمام لينال فضيلة الجماعة. فإن أحب من له تهجد متابعة الإمام في وتره، قام إذا سلم الإمام، فشفعها أي ركعة الوتر بأخرى،ثم إذا تهجد أوتر، فينال فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف، وفضيلة جعل وتره آخر صلاته.
ومن أوتر في جماعة أو منفرداً، ثم أراد الصلاة تطوعاً بعد الوتر، لم ينقص وتره أي لم يشفعه بركعة، وصلى شفعاً ما شاء إلى طلوع الفجر الثاني، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين"، ولم يوتر اكتفاء بالوتر الذي قبل تهجده، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة" رواه أبو داود وأحمد.
التطوع بين التراويح وبعدها:
ويكره التطوع بين التراويح، ولا يكره طواف بينها، ولا طواف بعدها، وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعاً، ويصلون ركعتي الطواف. ولا يكره تعقيب التطوع بعد التراويح وبعد الوتر في جماعة، سواء طال الفصل أو قصر.
ثانياً صلاة الضحى:
وهي مستحبة أي غير مؤكدة وأكثرها ثماني ركعات.
ووقتها: إذا علت الشمس واشتد حرها.
___________________
(1) حتى يجد الفصيل حر الشمس من الرمضاء.
ثالثا: صلاة التسبيح:
ليست مستحبة عند الإمام أحمد إذ لم يثبت له الحديث المروي فيها، وإن فعلها إنسان فلا بأس بها، فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها.
رابعاً: صلاة الاستخارة: هي سنة عند الحنابلة.
خامساً: تحية المسجد: هي سنة عند الحنابلة.
سادساً: صلاة الحاجة: هي سنة عند الحنابلة.
سابعاً:صلاة التوبة: هيسنة عند الحنابلة.
ثامناً صلاة الزوال: هيمستحبة الحنابلة.
النفل المطلق:
تشرع النوافل المطلقة في الليل كله، وفي النهار، فيما سوى أوقات النهي، وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار.
قال أحمد: ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل. قال تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79].
وأفضل التهجد جوف الليل الآخر.
والتطوع في البيت أفضل، لحديث "عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" رواه مسلم.
ويستحب أن يتسوك قبل التهجد.
ويستحب أن يفتح تهجده بركعتين خفيفتين.
عدد التهجد:
واختلف في عدد ركعات تهجد النبي صلى الله عليه وسلم: ففي حديثي زيد بن خالد وابن عباس: إنه ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر ثلاثاً رواه مسلم، وفي حديث عائشة : إنه إحدى عشرة ركعة، منها الوتر ثلاثاً متفق عليه.
ويحتمل أنه صلى في ليلة ثلاث عشرة، وفي ليلة إحدى عشرة.
قراءة المتهجد:
يستحب أن يقرأ المتهجد جزءاً من القرآن في تهجده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته، أو ينتفع بها، فالجهر أفضل.
وإن كان قريباً منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته، فالإسرار أولى. وإن لم يكن لا هذا ولا هذا، فليفعل ما شاء.
قضاء التهجد:
ومن كان له تهجد ففاته، استحب له قضاؤه بين صلاة الفجر والظهر.
التطوع مثنى مثنى:
وصلاة التطوع في الليل مثنى مثنى. وإن تطوع بأربع في النهار فلا بأس. والأفضل في تطوع النهار: أن يكون مثنى مثنى، كصلاة الليل.
التنفل بين المغرب والعشاء:
يستحب التنفل بين المغرب والعشاء
التطوع جالساً:
لا خلاف في إباحة التطوع جالساً، وإنه في القيام أفضل.
ويستحب للمتطوع جالساً: أن يكون في حال القيام متربعاً، كما قال المالكية، لأن القيام يخالف القعود، فينبغي أن تخالف هيئته في بدله هيئة غيره، كمخالفة القيام غيره، وهو مع هذا أبعد من السهو والاشتباه