الجمع الثاني في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه.
عن
زيد بن ثابت
قال: أرسل
إليَّ أبو بكر، مقتلَ أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده،
فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال : إن القتل قد استحر بقراء
القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني
أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر : كيف تفعل شيئاَ لم يفعله رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك،
ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل، لا
نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتّبع القرآن فأجمعه -
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن-
قلت كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال: والله خير،
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر
وعمر.
فتتبعت
القرآن أجمعه من العُسُب و اللِّخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة
التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، ولم أجدها مع غيره:
{لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ...} [التوبة: 128- 129]. حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف
عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت
عمر رضي الله عنهم.
وبهذا
جمعت نسخة المصحف بأدق توثق ومحافظة، وأودعت لدى الخليفة لتكون إماماً تواجه الأمة
به ما يحدث في المستقبل، ولم يبق الأمر موكلاً إلى النسخ التي بين أيدي كَتّاب
الوحي، أو إلى حفظ الحفاظ وحدهم.
وقد
اعتمد الصحابة كلهم وبالإجماع القطعي هذا العمل وهذا المصحف الذي جمعه
أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتتابع عليه الخلفاء الراشدون كلهم
والمسلمون كلهم من بعده، وسجلوها لأبي بكر الصديق منقبة فاضلة عظيمة من
مناقبه وفضائله. وحسبنا في ذلك ما ثبت عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه
قال: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر،
هو أول من جمع كتاب الله.
منهج زيد بن ثابت في جمع القرآن:
تتبع
زيد في جمع القرآن من العُسُب و اللَّخاف وصدور الرجال، فكان منهجه
أن يسمع من الرجال ثم يعرض ما سمعه على ما كان مجموعاً في العُسُب
والأكتاف، فكان رضي الله عنه لا يكتفي بالسماع فقط دون الرجوع إلى الكتابة،
وكذلك من منهجه في جمع القرآن أنه لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد عليه شاهدان، وهذا
زيادة في التحفظ، مع أن زيداً كان من حفظة القرآن .
وبهذا
التثبت والتحفظ تم جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق في مصحف واحد مرتب
الآيات والسور.