حقيقة الأحرف السبعة.
ذهب
بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراء أوجه الخلاف الواردة في
قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجه إلى سبعة أصناف، بينما عمد
آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان،
نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب
الأول:
مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد
تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح
وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث
قال: … إن
كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.
أحدها:
اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن
أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}
[المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَاتِهِمْ} بالإفراد.
ثانيها:
اختلاف
تصريف الأفعال وما يسند إليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر
والمؤنث، والمتكلم والمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا
رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}[سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ:
{رَبَّنَا بَاعَدَ}فعلا ماضيا.
ثالثها:
وجوه
الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ}[البقرة:
282] قرئ بفتح الراء وضمها. وقوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ}وجره.
رابعها:
الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء
{الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.
خامسها:
التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}[التوبة: 111]
وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون}ومثل: {وجاءت سكرة الموت
بالحق}، قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
سادسها:
القلب والإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى
الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا}[ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ:
{ننشرها}بالراء.
سابعها:
اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و
الإمالة في: {أتى}و {موسى}وغير ذلك من ترقيق
وتفخيم وإدغام…
فهذا
التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته،
وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة
المتنوعة.
المذهب
الثاني:
أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.
وذلك
لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من
الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء
من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن
كلهم، وبذلك كان القرآن نازلا بلسان قريش والعرب.
فهذان
المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها
القرآن الكريم. غير أنا نرى أن المذهب الثاني أرجح
وأقوى.