عبودية { إيَّاك نعبدُ }
فإذا قال : { إيَّاك نعبدُ و إيَّاك
نستعين } انتظر جواب ربه له : " هذا بيني و بين عبدي ، و لعبدي ما سأل
".
و تأمل عبودية هاتين الكلمتين و حقوقهما
، و ميِّز الكلمة التي لله سبحانه و تعالى ، و الكلمة التي للعبد ، و فِقهِ
سرَّ كون إحداهما لله ، و الأخرى للعبد ،
و ميِّز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة { إيَّاك نعبدُ } و التوحيد الذي
تقتضيه كلمة { و إيَّاك نستعين } ، و فِقهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي
الثناء قبلهما ، و الدعاء بعدهما ، و فِقه تقديم { إياك نعبد } على { و
إياك نستعين } ، و تقديم المعمول على العامل مع الإتيان به مؤخراً أوجز و أخضر
، و سرَّ إعادة الضمير مرَّة بعد مرة .
تقديم العبادة على الاستعانة
قلت : أراد تقديم العبادة ـ و هي العمل
ـ على الاستعانة ، فالعبادة لله و الاستعانة للعبد ، فالله هو المعبود ، و هو
المستعان على عبادته ، فإياك نعبد ؛ أي إياك أريد بعبادتي ، و هو يتضمن العمل
الصالح الخالص ، و العلم النافع الدال على الله ، معرفة و محبة ، و صدقا و إخلاصاً
، فالعبادة حق الرب تعالى على خلقه ، و الاستعانة تتضمن استعانة العبد بربه على
جميع أموره ، و هي القول المتضمن قسم العبد.
فكل عبادة لا تكون لله و بالله فهي
باطلة مضمحلة ، و كل استعانة تكون بالله وحده فهي خذلانٌ و ذل.
و تأمل علم ما ينفع العباد و ما يدفع
عنهم كل واحد من هاتين الكلمتين من الآفة المنافية للعبودية نفعاً و دفعاً و كيف
تدخل العبد هاتان الكلمتان في صريح العبودية.