من فوائد الصلاة القرب من الله
و لهذا تَعِدُ الملوك من أرضاهم بالأجر
و التقريب ، كما قال السحرة لفرعون : { إنَّ لَنَا لأَجراً إن كُنَّا نحنُ
الغالبينَ} [الشعراء:41] ، { قالَ نَعم و إنَّكم لَمنَ المُقرَّبين}
[الأعراف : 114].
فوعدهم بالأجر و القرب ، و هو علو
المنزلة عنده.
فالأول :
مَثَله مثل عبد دخل الدار ، دار الملك ، و لكن حيل بينه و بين رب الدار بسترٍ و
حجاب ، فهو محجوب من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه بالنظر إلى صاحب الدار و النظر
إليه ؛ لأنه محجوب بالشهوات ، و غيوم الهوى و دخان النَفس ، و بخار الأماني ،
فالقلب منه بذلك و بغيره عليل ، و النفس مُكبَّة على ما نهواه ، طالبة لحظها
العاجل.
فلهذا لا يريد أحد من هؤلاء الصلاة إلا
على إغماض ، و ليس له فيها راحة ، و لا رغبة و لا رهبة فهو في عذاب حتى يخرج منها
إلى ما فيه قرة عينه من هواه و دنياه.
و
القسم الآخر :مَثَلُهُ كمثلِ رَجُلٍ دخَل دار الملك ، و رفع الستر
بينه وبينه ، فقرَّت عينه بالنظر إلى الملك ، بقيامه في خدمته و طاعته ، و قد
أتحفه الملك بأنواع التحف ، و أدناه و قربه ، فهو لا يحب الانصراف من بين يديه ،
لما يجده من لذَّة القرب و قرة العين ، و إقبال الملك عليه ، و لذة مناجاة الملك ،
و طيب كلامه ، و تذلُّله بين يديه ، فهو في مزيد مناجاة ، و التحف وافدة عليه مِن
كلِّ جهة ، و مكتن و قد اطمأنت نفسه ، و خشع قلبه لربه و جوارحه ، فهو في سرورٍ و
راحةٍ يعبد الله ، كأنه يراه ، و تجلَّى له في كلامه ، فأشد شيء عليه انصرافه مِن
بين يديه ، و الله الموفق المُرشد المعين ، فهذه إشارة و نبذة يسيرة في ذوق الصلاة
، و سرّ من أسرارها و تجلٍّ من تجلياتها