السؤال:
انتشر
في كثير من المنتديات ما عرف باسم " رسالة إبليس " ، وهي مذيلة باسمه !
وفيها خطابات للناس ولشياطين الإنس ، فنرجو النظر فيها والتعليق عليها .
الجواب:
الحمد لله
قد
وقفنا على تلك النشرة ، ورأيناها في كثير من المنتديات ، وتعرف باسم "
وصية إبليس " أو " وصيتي قبل الاعتقال " أو " رسالة إبليس " وهي مذكورة على
لسان الشيطان يخاطب فيها الناس قبل تصفيده في رمضان ، ويحث فيها شياطين
الإنس على القيام بمهماته ، وسنذكر نص هذه الرسالة ، وما يتيسر من التعليق
عليها .
نص الرسالة :
" يقول إبليس في الرسالة : أبعث إليكم بأشواقي وتحياتي قبل سويعات من الاعتقال الذي تأكد لي خبره وطار أمره .
ثلاثون يوماً بعيداً عنكم بعد أن كنت معكم على مدار العام ، ولعل عزائي أن فيكم من سيعوض غيابي ويسد فراغي من اللئام .
لا يخفاكم ما حدث في رمضان الماضي ، فعلى الرغم من كل الجهود الذي بذلتها معكم ،
وكل الأفكار التي صببتها في آذانكم : فقد رأينا الملايين من كل مكان يرتادون المساجد ،
والملايين يرتدين الحجاب ، وكنت أنا وقتها في معتقلي أكتوي بنار الغضب .
فهذا
جهدُ عامٍ مع تلك الفتاة الضائعة يضيع في ليلة القدر ، وهذا الذي ما تركت
كبيرة إلا وأوقعته فيها تنزل من عينه دمعة تطفئ غضب الرب عليه ، وتفتح باب
التوبة إليه .
يا
شياطين الإنس : في خضم غياب فارسكم أمامكم دور كبير ، فافعلوا ما تؤمرون ،
أريدهم في رمضان لا يعرفون سوى السهر حتى الصباح في الخيام الرمضانية ،
والنوم حتى موعد وجبة الإفطار الشهية حتى تمتلأ بطونهم وكروشهم المتدليّة ،
ثم أتموا عليهم بنعمة البرامج التلفزيونية ، نريد رقصا ، نريد هجصا ،
نريد شهوة ، نريد نزوة ، نريد أفكاراً إبليسية ، ولا تنسوا حتى تكتمل التمثيلية : اختموا بثَّكم بالتلاوات القرآنية !
يا
شياطين الإنس : أكثروا من اللقاءات مع الفنانات والراقصات ، وكل جميلة
فتيّة ليحدثوهم عن روحانية رمضان وما يقمن به من نضال على عتبات المسارح
والمراقص الهرمية ،
نريد
الجميع أن يتحدث عن ذلك المسلسل اليومي ، والفيلم الأسبوعي ، والمسرحية
النصف شهرية ، نريد مباريات كروية ، وأغان عربية ، وقنوات فضائية ، لا أريد
أن أرى أحدكم يتوقف ولو لثانية ، فكما تعلمون وقتنا غال وأهدافنا دنيّة .
يا شياطين الإنس : أتريدون لهم أن يدخلوا الجنة التي حُرمنا حتى من شم رائحتها النديّة ؟
أتريدون
أن تمرَّ عليهم لحظات توبة فيضيع كل ما بذلناه في عشرات السنين الضنيّة ،
أما حذرتكم أن من أدرك منهم ليلة القدر غفر له كل ماضيه والبقية ، لا وألف
لا ، خبتم وخسرتم إذا فعلتم .
ستستبدلون
بغيركم أيها الأباليس الغثائية ، ألا تريدون للجحيم سكاناً ؟ وللدرك
الأسفل رعيّة ؟ أما من أحباب لسقر والشجرة الزقومية ؟ أين قلوبكم الميتة ؟
وعقولكم الشيطانية ؟
أما
أنت يا حواء : فدورك في الأمة فعّال ، فأنت أقوى مخدّر للرجال ، أعلق عليك
الآمال ، فأنت الجواب لكل سؤال ، نريد سهرة ، نريد رقصة وضحكة ، نريدها -
باختصار - إثارة ومتعة ، اطرحي التراويح جانبا ، وانسَيْ ثواب القائمة ،
ألا يكفي يا حبيبتي أنك صائمة ؟!
يا
بني آدم أجمعين : اسمعوا لي فما أنا لكم إلا ناصح أمين ، لا تهتموا في
رمضان إلا بكل لذيذ سمين ، ولتنسوا الصلاة لرب العالمين ، وإياكم وقراءة
آيات الذكر الحكيم ؛ فإنه المنكر الأثيم في منطق سكان الجحيم ، رمضان
سيتكرر سنين بعد سنين فتوبوا حينها لرب غفور رحيم ، أما الآن فامضوا وقتكم
تسبحون بحمد بوش وبنيامين عليهم رحمة الأبالسة أجمعين .
التوقيع : إبليس اللعين " .
ولنا على هذه الرسالة ملاحظات ، ومنها :
1.
أنها طريقة مبتدعة في الدعوة والوعظ ، فيمكن للداعية والواعظ أن يوصل
رسائل للعصاة لترك معاصيهم ، وللطائعين للازدياد من طاعاتهم بغير تلك
الرسالة السمجة الهزلية ، التي حويت أصنافا من الجهل والتكلف والهزل .
2.
أن هذه الطريقة في الوعظ والتذكير تفتح الباب للكلام على لسان غير إبليس
كالملائكة أو الأنبياء أو الشهداء أو الدجال أو الجنة أو النار وغيرها ،
وهو مما يجعل الأمر فوضى ، ويفتح الباب لكل عابث بتوجيه تلك الرسائل على
لسان من يشاء ، فتنقلب الدعوة إلى مباريات كتابية خيالية ، ويصير الوعظ
تنافساً في اختيار الشخصية التي يتكلمون بلسان حالها .
3.
ونحن نجزم أن كاتبها ليس عالما ولا طالب علم ، ولم نرَ هذه الرسالة إلا في
منتديات يرتادها العامة ، ومن شروط الدعوة إلى الله أن يكون المتكلم صاحب
علم يعرف ما يقول لأنه يوقع عن رب العالمين ، ويتكلم باسم الدين ، فلا يجوز
أن يكون هذا المجال لكل صاحب خيال واسع .
4.
وهذه الرسالة ليس فيها آية ولا حديث ، ففيها صرف الناس عن الوعظ بالقرآن ،
وكأن الشرع المطهَّر ليس فيه ما يُخاطب به الناس من القوارع والزلازل من
الآيات البينات والأحاديث الصحيحة الواضحات ، والأحكام الشرعية البيِّنة .
5.
وفي الرسالة تعظيم للشيطان ؛ حيث جُعل هو المتكلم والناس تستمع وتنقل
رسائله المذيلة بتوقيعه ! ولا شك أن في هذا تشريفاً لذلك المطرود من رحمة
الله ، والذي شأنه أحقر من أن يكون صاحب رسائل ينقلها المسلمون في
منتدياتهم وجوالاتهم ، ويمكن لأحد الدعاة أو طلبة العلم أن يكتب رسالة يوضح
فيها حال الشيطان مع العصاة ، وحاله مع العبَّاد ، وأن يجعل بين الحالين
مقارنة ، ويوضح ذلك بالآيات والأحاديث دون أن يجعل المتكلم هو الشيطان ،
ويكون بذلك أدَّى الغرض الذي من أجله كُتبت هذه الرسالة .
6.
وفي الرسالة جهل بالأحكام الشرعية ، وافتراء على الشرع ، ومنه قوله " أما
حذرتكم أن من أدرك منهم ليلة القدر غفر له كل ماضيه والبقية " ، وفي هذه
الجملة جهل من وجهين : الأول : أن المعلوم أن مجرد إدراك ليلة القدر ليس
فيه فضل ، وقد نصَّ الحديث الصحيح على فضل من قام ليلة القدر ، لا من
أدركها ، والثاني : أن الفضل لمن قام ليلة القدر أنه يغفر له ما تقدم من
ذنبه دون " البقية " أي : ما تأخر ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ
قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري ( 1802 ) ولم يقل النبي صلى الله
عليه وسلم : وما تأخر .
7.
وفي الرسالة بيان أن شياطين الجن جميعها تصفَّد وتسلسل ، والظاهر أن الذي
يصفَّد هو مردتهم ، كما جاء في بعض الروايات الصحيحة ، وقد بيَّنا هذا في
أجوبة كثيرة ، منها ( 39736 ) و ( 12653 ) و ( 14253 ) ، وفي بعض تلك
الأجوبة أن تصفيد أولئك المردة لا يعني عدم وسوستهم ، وهو ما يقضي على
الرسالة من أصلها .
والخلاصة :
أننا
لا نرى جواز نشر هذه الرسالة ؛ لما فيها من مخالفات للشرع ؛ ولما فيها من
سماجة وهزلية ، ونرى أن مثل هذه الأساليب فيها صرف للناس عن القرآن والسنة ،
وأن نفعها المزعوم قد يتركز في الفكرة والأسلوب دون المعنى والمضمون .
والله أعلم .