افتضاح الأمر:
مضت هذه المدة كلها وليس عند بني أمية علم بمن تدعو إليه
الشيعة فإنهم كانوا يدعون إلى الرضا من آل محمد اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا
يعلم السر إلا النقباء والدعاة أما العامة فمبلغ علمها أنها تدعى لرجل من آل البيت
حتى وقع في يد مروان بن محمد كتاب لإبراهيم إلى أبي مسلم جواب كتاب لأبي مسلم يأمره
فيه بقتل كل من يتكلم بالعربية بخراسان فأرسل مروان في الحال إلى عامله بدمشق يأمره
بالكتاب إلى صاحبه بالبلقاء أن يسير الحميمة ويأخذ إبراهيم بن محمد يوجه به إليه
ففعل العامل ما أمر به وقبض على إبراهيم ولما أحس إبراهيم بما يراد به نعى نفسه إلى
أهل بيته وأوصى إلى أخيه أبي العباس وأمر أهله بالسير إلى الكوفة والسمع والطاعة
لأبي العباس. أما إبراهيم فحبس في سجن حران مع جماعة من أعداء
مروان من بني أمية ولم يزل في سجنه حتى مات.
وأما أهل بيته فتجهزوا يريدون الكوفة حتى قدموها في صفر
سنة132 ورئيس القوم وقائدهم أبو سلمة الخلال الذي كان يعرف في ذلك الوقت بوزير آل
محمد فأنزلوهم في إحدى دور الكوفة وكتم أمرهم عن سائر القواد أربعين ليلة وكان لا
يزال في معسكره بحمام أعين خارج الكوفة.
خرج أبو العباس يوم الجمعة13 ربيع الأول فصلى بالناس وكان
في خطبته بعد حمد اللَّه والثناء عليه أن افتخر بقرابته من رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم ثم ذكر الخلفاء الراشدين وأثنى عليهم ونعى على بني حرب وبني مروان أثرتهم
وظلمهم ثم قال: وإني لأرجو ألا يأتيكم الجور من حيث أتاكم الخير ولا الفساد من حيث
جاءكم الصلاح وما توفيقنا أهل البيت إلا باللَّه. يا أهل
الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا أنتم الذين لم تتغيروا عن علي ذلك ولم يثنكم
عنه تحامل أهل الجور عليكم حتى أدركتم زمننا وأتاكم اللَّه بدولتنا فأنتم أسعد
الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا فأنا السفاح
المبيح والثائر المتيح وبهذه الجملة الأخيرة لقب السفاح.
بعد أن بلغوا هذا المبلغ بقي عليهم أن يقضوا على مروان بن
محمد والقوة العظمى التي بالجزيرة وعلى ابن هبيرة والقوة التي معه
بواسط.
كان مروان بحران معه قوة عظيمة ومنها سار حتى أتى الموصل
فاختار أبو العباس من أهل بيته عمه عبد اللَّه بن علي ليكون قائداً للجنود التي
اختيرت لحرب مروان. وكان ملتقى هذين الجيشين على نهر الزاب الأعلى
وهو أحد روافد نهر دجلة يأتيها من الشرق وكانت الواقعة شديدة جداً انتهت بانتصار
عبد اللَّه وجنده فهرب مروان واحتوى عبد اللَّه معسكره كله وذلك لإحدى عشرة خلون من
جمادى الآخرة سنة132 وكان مع مروان من الجنود120 ألفاً من نخبة أهل الشام وخيرة
جنودها. انهزم مروان حتى أتى حران وعاملها ابن أخيه أبان
بن يزيد بن محمد فأقام بها نيفاً وعشرين يوماً ولما دنا منه عبد اللَّه رحل عنها
بأهله وولده وقدم عبد اللَّه فلقيه أبان مسوداً مبايعاً له ودخل في طاعته فأمنه ومن
كان بحران والجزيرة.
مضى مروان حتى أتى قنسرين وعبد اللَّه يتبعه ثم مضى منها
إلى حمص ثم أتى دمشق وعليها الوليد بن معاوية بن مروان فلما أحس باقتراب عبد اللَّه
رحل عنها فجاءها عبد اللَّه ودخلها عنوة معترضاً أهلها وقتل الوليد بن معاوية
أميرها فيمن قتل.
مر مروان بالأردن وفلسطين ومضى حتى أتى الفسطاط ومنها خرج
إلى بوصير وهي قرية من مركز الواسطي ببني سويف.
أما عبد اللَّه بن علي فجاءه كتاب من أبي العباس يأمره أن
يوجه صالح بن علي في ملاحقة مروان فسار صالح في ذي القعدة سنة132 وكان يسير على
ساحل البحر والسفن حذاءه حتى وصل إلى مصر ومن هناك سار حتى أتى بوصير وهناك قتل
مروان بن محمد لثلاث بقين من ذي الحجة سنة132 وبقتله انتهت دولة بني أمية من المشرق
وتوطدت دعائم الدولة.
وأما يزيد بن عمير بن هبيرة فإنه لما انهزم من جيش خراسان
أتى واسطاً وتحصن بها وكان مشيروه قد أشاروا عليه بأن يذهب إلى الكوفة فيقاتل حتى
يقتل أو يظفر وحذروه واسطاً كيلا يصير في حصار وليس بعد الحصار إلا القتل فخالف تلك
الشورى فسير أبو سلمة الجيوش تحت قيادة الحسن بن قحطبة فكانت بينهم وقائع ثم احتمى
ابن هبيرة ومن معه بحصونهم. ولما طال الأمر أرسل أبو العباس أخاه أبا جعفر
على الجيش فاحتدم القتال بين الفريقين وظلوا هكذا أحد عشر شهراً. ولما
أتى ابن هبيرة قتل مروان بن محمد طلب بمن معه الصلح وجرت السفراء بينه وبين أبي
جعفر حتى جعل له أماناً وكتب به كتاباً مكث يشاور العلماء فيه أربعين ليلة حتى رضيه
ابن هبيرة ثم أنفذه إلى أبي جعفر فأنفذه أبو جعفر إلى السفاح فأمر بإمضائه وكان رأي
أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه وكان السفاح لا يقطع أمراً دون أبي مسلم فكتب أبو
مسلم إلى السفاح يقول له إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد لا واللَّه لا
يصلح طريق فيه ابن هبيرة.
ولما تم الكتاب خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر فدخل عليه
وحادثه ساعة وبعد أيام أمر أبو جعفر بقتل ابن هبيرة ومداد الأمان لم يجف وقتل معه
عدة من وجوه أصحابه.