يزعم اليهود أن لهم حق العودة إلى فلسطين ؛ لأنهم أخرجوا من ديارهم مكرهين وطردوا
من بلادهم بالقوة.
لكن "التلمود" يكذّب كليًّا مزاعمهم هذه ، فرواية التلمود
تؤكد أن الرب أخرج اليهود من ديارهم بمشيئته وإرادته. وفيما يلي تسجيل التلمود
لواقعة السبي البابلي وتدمير الهيكل الأصلي :
"عندما بلغت ذنوب إسرائيل مبلغها ،
وفاقت حدود ما يطيقه الإله العظيم ، وعندما رفضوا أن ينصتوا لكلمات وتحذيرات إرمياه
Jermiah ترك النبي "إرمياه" أورشليم ، وسافر إلى بلاد بنيامين. وطالما كان
النبي لا يزال في المدينة المقدسة كان يدعو للرحمة عليها فنجت ، ولكنه عندما هجرها
إلى بلاد بنيامين دمر نبوخذ نصر بلاد إسرائيل ، وحطم الهيكل المقدس ، ونهب مجوهراته
، وتركه فريسة للنيران الملتهبة ، وكان نبوذر دان Nabuzardan "الذي آثر البقاء في ريبلاه Riblah" قد أرسل نبوخذ نصر لتدمير أورشليم".
"وقبل أن يبدأ "نبوخذ نصر"
حملته العسكرية سعى
66 | 36939
لمعرفة نتائج الحملة بواسطة الإشارات نظرًا لذهوله "من الموقف" ، فرمى من
قوسه نحو الغرب فسارت السهم في اتجاه أورشليم ، ثم رمى مرة أخرى نحو الشرق ، لكن
السهم اتجهت نحو أورشليم ، ثم رمى مرة أخرى ، ليتأكَّد من محل وقوع المدينة المذنبة
التي وجب تطهيرها من الأرض ، وللمرة الثالثة اتجهت سهمه نحو أورشليم".
وبعد أن
استولى نبوخذ نصر على المدينة توجه مع أمرأته وضباط جيشه إلى داخل الهيكل ، وصاح
ساخرًا مخاطبًا إله إسرائيل :
"وهل أنت الإله العظيم الذي يرتعد أمامه العالم؟
ها نحن في مدينتك ومعبدك1".
ووجد "نبوخذ نصر" علامة لرأس سهم على أحد جدران
الهيكل كأنَّ أحدًا قتل أو أصيب بها ، فسأل : "من قتل هنا؟" فأجاب الشعب
:
"زكريا بن يهوياداه zacharia son of Yehuyadah كبير الكهنة ، لقد كان يحذرنا في كل ساعة من حساب "عقاب" اعتداء
اتنا "الوصايا" ، وقد سئمنا من كلماته فانتهينا منه".
"فذبح جنود نبوخذ نصر سكان
أورشليم ، كهنتها ، وشعبها ، كهولها وشبابها ، نساءها وأطفالها ، وعندما شاهد
67
| 36939
كبير
الكهنة هذا المنظر ألقى بنفسه في النار التي أشعلها نبوخذ نصر في الهيكل ، وتبعه
بقية الكهنة مع عودهم وآلاتهم الموسيقية الأخرى".
"ثم ضرب جنود نبوخذ نصر
السلاسل الحديدية في أيدي باقي الإسرائيليين وساقوهم إلى السبي".
"ورجع إرمياه
النبي إلى أورشليم وصحب إخوانه البؤساء ، الذين خرجوا عرايا تقريبًا ، وعند وصولهم
إلى مدينة تسمّى بيت كورو Bet
Kuru هيأ لهم إرمياه ملابس جيدة ، وتلكم مع نبوخذ نصر والكلدانيين
قائلًا لهم : "لا تظن أنك بقوتك وحدها استطعت أن تتغلب على شعب الرب المختار ، إنها
ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب".
وعندما همَّ نبوخذ نصر بقتل جميع
الإسرائيليين ؛ لأنهم رفضوا أن يغنوا أمامه تلك الأغاني التي طالما غنوها في الهيكل
، جرت محادثة بين بيلاطيا Pelatya ابن يهوياداه "أخو النبي زكريا" قال فيها :
"لقد أعطى الله
إسرائيل في يديك ، وأنت الآن مسئول أمامه عمن تقتلهم1".
___________
1
The
talmud, H. Polano, pp. 319-320.
68 | 36939
ويتضح
من هذه الشهادة التلمودية "التي نقلناها دون أي تصرف في الترجمة" أنَّ طرد اليهود
من فلسطين وتدمير الهيكل الأصلي الذي بناه الملك سليمان -عليه السلام- كان بمشيئة
الله ، وما الدعاوى اليهودية إلّا استغلالًا وكذبًا وبهتانًا بدون أساس ، ويتضح هذا
أكثر مما جاء على لسان الحاخام أوشايا Oshaya "في سفر Pesahim 87.b : "عمل الرب خيرًا لإسرائيل عندما شتت أبناء إسرائيل بين
الأمم1".
والجدير بالذكر أنَّ هذه هي الفكرة التي كانت تسود الفكر اليهودي حتى
القرن التاسع عشر ، إلى أن ظهرت بدعة الصهيونية التي نادت لأول مرة بالعمل لإقامة
دولة يهودية ، ولم يكن قادة الصهيونية قد اتفقوا فيما بينهم أول الأمر على الأرض
التي تقام عليها دولتهم اليهودية ، في أوغندا ، أو الارجنتين ، أو البرازيل ، أو
جنوب إفريقية ، أو الجزء الأوروبي من تركيا ، أو العراق ، أو سيناء ، أو أستراليا ،
وكانت خريطة أوغندا تزين منصة المؤتمرات الصهيوني حتى سنة 1904 ، وكان هناك في أول
الأمر خلاف شديد بين اليهود حول العمل لإقامة دولة يهودية ؛ إذ كان اليهود
المتدينون يؤمنون بأنّ عودتهم إلى فلسطين ستتحقق بمجيء المسيح
!!
___________
1 The
wisdom of Israel, Ed, Lewis Browne, London : 1948. p. 178.
69 | 36939
من
علاقة روحية1 كالتي تربط المسلمين بمكة المكرمة والمدينة المنورة ، والمسيحيين ببيت
لحم ، والهندوس ببناراس وماتهورا ، والسيخ بمعبدهم الكبير في لاهور ، والشيعة
بكربلاء ، وكأماكن أخرى كثيرة تتعلق بها عواطف مختلف الأمم والملل ، لكنها لا تحاول
الاستيلاء عليها ، والحقيقة هي أن الحركة الصهيونية السياسية لم تتمكن من الاستيلاء
على فلسطين العربية إلا بسبب أطماع بريطانيا في بقاء الاستعمار من ناحية ، ولإحلال
قوم غرباء في منطقة كانت ستشهد عمّا قريب حركة وحدوية غير عادية بسبب العلاقات التي
تربط بين الشعب الذي يعيش من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي.
وقد ساعدت
كراهية بريطانيا العمياء وغدرها بالعرب والمسلمين ، ووجود النزعة الصليبية الخاطئة
لدى البلدان الأوروبية وأمريكا على نجاح مخططاتها ، ولا أدل على ما أقول من الروح
التي كانت تسيطر على القواد الذين غزوا البلدان العربية في الحرب العالمية الأولى ،
فنرى القائد الفرنسي "الجنرال غورو" الذي فتح دمشق يقول وقد وضع رجله على قبر صلاح
الدين : "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين"! ونجد
___________
1 انظر للتفصيل
مقدمة :
Palestine-The Mohammedan Holy Land, dr . charles D. Matthews, Yale Oriental series, "Researches " vol
xxxiv, 1949. p. xxx
70 | 36939
الجنرال اللنبي عند دخوله القدس يقول أمام كنيسة القيامة :
اليوم قد
انتهت الحروب الصليبية ، ويسميها الزعيم الصهيوني إسرائيل زانجويل بأنها "الحرب
الصليبية الثامنة"!
71 | 36939