النوع
الثالث: علوم الحديث من حيث القبول أو الرّد
ونقسم
أبحاث هذا النوع إلى قسمين:
أ-القسم
الأول: أنواع الحديث المقبول.
الحديث
الصحيح
الحديث
الصحيح: هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط ضبطاً كاملاً عن العدل الضابط
إلى منتهاه، وخلا من الشذوذ والعلة.
شرح
التعريف:
1-الاتصال:
ومعناه أن يكون كل واحد من رواة الحديث سمع ممن فوقه حتى يبلغ
قائله.
2-العدالة
في الرواة: الملكة التي تحث على التقوى، وتحجز صاحبها عن المعاصي والكذب وما يخل
بالمروءة.
3- الضبط:
نوعان: ضبط صدر: وهو أن يسمع الراوي الحديث من الشيخ ثم يحفظه في صدره، ويستحضره
متى شاء.
وضبط
كتاب: وهو أن يسمع الراوي الحديث من الشيخ ثم يكتبه في كتاب عنده ويصونه من التحريف
والتبديل.
4- الخلو
من الشذوذ بأن لا يخالف الثقة من هو أوثق منه من الرواة.
5- الخلو
من العلة: وهي سبب يطرأ على الحديث فيقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة
منها.
ووجه
دلالة هذه الشروط الخمسة على صحة الحديث:
أن
العدالة والضبط يحققان أداء الحديث كما سمع من قائله، واتصال السند على هذا الوصف
في الرواة يمنع اختلال ذلك في أثناء السند، وعدم الشذوذ يحقق ويؤكد ضبط هذا الحديث
الذي نبحثه بعينه وأنه لم يدخله وهم، وعدم الإعلال يدل على سلامته من القوادح
الخفية.
حكم
الحديث الصحيح:
أجمع
العلماء من أهل الحديث ومَنْ يُعْتَدُ به من الفقهاء والأصوليين على أن الحديث
الصحيح حجةْ يجب العمل به، سواء كان راويه واحدا لم يروه غيره، أو رواه معه راو
آخر، أو اشتهر برواية ثلاثة فأكثر.
الصحيح
لغيره
الصحيح
الذي سبق تعريفه هو الذي بلغ درجة الصحة بنفسه دون أن يحتاج إلى ما يقويه، ويسميه
العلماء الصحيح لذاته. وهذا لا يشترط للحكم بصحته أن يكون عَزيزاً أي أن يُرْوّى من
وجه آخر.
أما
الصحيح لغيره: فهو الحديث الحسن لذاته إذا روي من وجه آخر مثله أو أقوى منه بلفظه
أو بمعناه، فإنه يقوى ويرتقي من درجة الحسن إلى الصحيح، ويسمى الصحيح لغيره لأن
الصحة لم تأت من ذات السند، وإنما جاءت من انضمام غيره له.
مرتبته:
هو أعلى مرتبة من الحسن لذاته، ودون الصحيح لذاته.
أصح
الأسانيد:
واختلفوا
في ذلك على أقوال كثيرة، والصحيح في هذه المسألة أنه لا يقال عن إسناد: إنه أصح
الأسانيد مطلقاً، إلا مع التقييد بالصحابي أو بالبلد.
مقيداً
بالصحابي:مثاله: أصح الأسانيد عن أبي بكر: ما رواه إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن
حازم، عن أبي بكر.
مقيداً
بالبلد: أصح أسانيد المكيين: ما رواه سفيان بن عينية، عن عمر بن دينار، جابر بن عبد
الله. وهناك من يقول:
1- أصح
الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر.
2- أصحها
: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن
أبيه.
3-4 أصحها:
محمد بن سيرين بن عَبِيدة السلماني عن علي.
5- سفيان
الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود.
أصح
أحاديث الباب وأحسن:
يوجد
في كلام المحدثين قولهم: "أصح شيء في الباب كذا" أو "أحسن شيء في الباب كذا". ويكثر
ذلك في جامع الترمذي، وفي تاريخ البخاري.
ولا
يلزم صحة الحديث ولكن قد يكون ضعيفاً ومرادهم بذلك الأرجح أو الأقل ضعفاً أو الأحسن
أو الأمثل.
مصادر
الحديث الصحيح
1- الموطأ:
مؤلفه
الإمام مالك بن أنس الفقيه المجتهد نجم الآثار النبوية ، من كبار أئمة المسلمين ،
ومن فقهاء المدينة الذين تحققت بهم كلمة النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يضرب
الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة " [ أخرجه
تانرمذي ].
2- الجامع
الصحيح للبخاري:
مؤلفه:
الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجُعْفيّ
وَلاءً .
ولد
سنة 194 بخزتنك قرية قرب بخارَى ، وتوفي فيها سنة 256 هـ.
وبدت
عليه علائم الذكاء والبراعة منذ حداثته: حفظ القرآن - وهو صبي- ثم استوفى حفظ حديث
شيوخه البخاريين ونظر في الرأي وقرأ كتب ابن المبارك حين استكمل ست عشرة سنة، فرحل
في هذه السن إلى البلدان وسمع من العلماء وأكب عليه الناس وتزاحموا عليه ولم تطلع
لحيته.
2-
صحيح
مسلم:
مصنفه
الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري ولد بمدينة نيسابور سنة 206 هـ وتوفى بها سنة
261هـ. كان إماما جليلا مهابا، وكان غيوراً على السنة والذب عنها، تتلمذ على
البخاري وأفاد منه ولازمه. وهجر مِنْ أجله من خالفه، وكان في غاية الأدب مع إمامه
البخاري.
-
4صحيح
ابن خُزَيْمَة :للإمام
المحدث الكبير أبي عبد الله أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، المتوفى سنة إحدى عشرة
وثلاثمائة (311هـ). وقد عُرِفَ بالتحري، حتى انه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في
الإسناد، فيقول: ((
إن صح الخبر ))
أو ((
إن ثبت كذا ))
ونحو ذلك.
5-
صحيح
ابن حِبّان:
للإمام
المحدث الحافظ أبي حاتم محمد بن حِبّان البُسْتي، المتوفى سنة (354هـ) تلميذ ابن
خزيمة، ويسمى كتابه هذا: ((التقاسيم
والأنواع )).
هذان
الكتابان صحيحا ابن خزيمة وابن حبان اشترط صاحباهما الصحة فيما يخرجانه فيهما، إلا
أن العلماء لم يجمعوا عليهما بل وقعت انتقادات لأحاديث فيهما تساهلا في
تصحيحها.
6-
المختارة،
للحافظ
ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة (643هـ)، وهو كتاب التزم ما
يصلح للحجية.
لكن
انتقد على الكتاب تصحيح أحاديث لا تبلغ رتبة الصحة، بل ولا رتبة
الحسن.
2-
الحديث
الحسن:
الحديث
الحسن: هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الذي قل (خفَّ) ضبطه عن مثله إلى منتهى
من غير شذوذ ولا علة.
الحسن
لغيره: هو الحديث الضعيف إذا روى من طريق أخرى أقوى منه.
حكم
الحسن: الحسن بنوعيه يشارك الصحيح في الاحتجاج والعمل به عند جميع الفقهاء وأكثر
المحدثين، وإن كان دونه في القوة.
الحسن
لغيره:
هو
الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه، ولم يكن سبب ضعفه فسق الراوي أو
كذِبهُ.
يستفاد
من هذا التعريف أن الضعيف يرتقي إلى درجة الحسن لغيره بأمرين
هما:
أ)
أي يُروى من طريق آخر فأكثر، على أن يكون الطريق الآخر مثله أو أقوى
منه.
ب)
أن يكون سبب ضعف الحديث إما سوء حفظ راويه أو انقطاع في سنده أو جهالة في
رجاله.
مرتبته:
الحسن
لغيره أدنى مرتبة من الحسن لذاته.
وينبني
على ذلك أنه لو تعارض الحسن لذاته مع الحسن لغيره قُدِّمَ الحسنُ
لذاته.
ألقاب
الحديث المقبول:
كثيراً
ما يستعمل المحدثون للدلالة على قبول الحديث ألقاباً غير قولهم: ((صحيح))،
أو قولهم: ((حسن))،
مثل ((الجيد))،
و((القوي))،
و ((الصالح))،
و ((المعروف))،
و ((المحفوظ))،
و ((المُجَوَّد))،
و ((الثابت)).
فأما
الجيد، فقد قرر الحافظ ابن حجر أنه لا مغايرة بين صحيح وجيد عندهم، إلا أن الجهبذ
منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، كأن يرتقى الحديث عنده عن الحسن لذاته،
ويتردد في بلوغه الصحيح، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح، وكذا القوي.
وأما
الصالح، فيشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج بهما، ويستعمل أيضاً في ضعيف
ضعفاً يسيراً لأنه يصلح للاعتبار.
وأما
المعروف فهو مقابل المنكر، والمحفوظ مقابل الشاذ.
والمجوّد
والثابت يشملان أيضاً الصحيح والحسن.
مصادر
الحديث الحسن
وأهم
مصادر الحديث الحسن: السنن الأربعة، والمسند للإمام أحمد، ومسند أبي يعلى الموصلى،
نعرف بها فيما يلي:
1- "الجامع"
للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة الترمذي، المولودسنة 209 هـ والمتوفى سنة
279 هـ.
وكان
الترمذي من خواص تلامذة البخاري، شهد له العلماء بالعلم والحفظ والمعرفة، وبالديانة
والورع، حتى إنه لغلبه الخشية عليه كُفَّ بصره آخر عمره بسبب البكاء من خشية الله
تعالى.
2- "السنن"
للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المولود سنة (202 هـ) والمتوفى سنة
(273هـ).
وأبو داود من تلامذة البخاري أيضاً، أفاد منه وسلك في العلم سبيله، وكان يشبه
الإمام أحمد في هديه ودله وسمته.
3- "المجْتَبَى"
للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المولود سنة (215هـ) والمتوفى (303هـ)
.
قال
الدارقطني: ((
أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره )).
))كان
النسائي إماماً حافظاً ثبتا )).
4-"سنن
المصطفى" لابن ماجه محمد بن يزيد القزويني الحافظ الكبير المفسر، ولد
سنة (209هـ) وتوفي سنة (273).((
ابن ماجة ثقة كبير متفق عليه، محتج به، له معرفة وحفظ
...)).
5- "المسند"
للإمام المبجل أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة والحديث، ولد
سنة (164) وتوفي (241).
قال
الشافعي: ((خرجت
من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل )).
6- "المسند"
لأبي يعلي الموصلي أحمد بن علي بن المثنى،
ولد سنة عشر ومئتين، وارتحل في طلب الحديث وهو ابن خمس عشرة سنة، وعمِّر وتفرد ورحل
إليه الناس. وتوفي سنة (307هـ) .
أثنى
عليه العلماء ووصفوه بالحفظ والإتقان والدين .
ب-
القسم الثاني : أنواع الحديث المردود.
1- الضعيف.
الضعيف
هو: ما لم يجمع صفة الحسن، بفقد شرط من شروطه.
قال
البيقوني في منظومته:
وكل
ما عن رتبة الحُسْنِ قَصُر فهو الضعيف وهو أقسام كُثُر
وشروط
الحديث المقبول ستة هي:
اتصال
السند، والعدالة، والضبط، وعدم الشذوذ وعدم العلة القادحة، وعدم وجود العاضد عند
الاحتياج إليه.
أنواع
الضعيف:
الحديث
الضعيف له أنواع كثيرة، منها ما له لقب خاص، ومنها ما ليس له لقب خاص، وقد كثرت
أقوال المحدثين في تقسيماته، فذكر الحافظ ابن الصلاح للضعيف تقسيمات باعتبار فقدان
صفة واحدة من صفات القبول أو صفتين أو أكثر، فبلغت أقسامه عنده اثنين
وأربعين،وأوصلها بعضهم إلى ثلاثة وستين، وبعضهم إلى تسعة وعشرين ومائة باعتبار
التقسيم العقلي، وإلى واحد وثمانين باعتبار ممكن الوجود وإن لم يتحقق وقوعه، وقد
بسط ذلك الحافظ العراقي. وكل ذلك كما قال الحافظ ابن حجر: تعب ليس وراءه أرب.
ويمكننا
أن نذكر جملة مشهورة من أنواع الضعيف ونبين وجه تنوعها، تقريباً لفهم المبتدىء
فنقول:
إذا
فقد شرط اتصال السند: فان كان من أول السند ولو إلى آخره فهو المعلق، وإن كان من
آخره فهو المرسل -على خلاف في الاحتجاج به- وإن كان من وسط السند: فان كان الساقط
من الرواة واحداً فهو المنقطع. وإن كان اثنين إِثرَ بعضِهم فهو المعضل. ويدخل في
هذه الزمرة أيضاً المعنعن الذي لم يحكم باتصاله.
وأما
إذا فقد شرط العدالة: فان كان ذلك بسبب الجهالة بعين الراوي أو حاله فيقال فيه ضعيف
للجهل بعين الراوي أو بحاله، وإن سمي الراوي باسم غير معين فهو المبهم، وإن كان فقد
العدالة لفسق الراوي أو كذبه فانه تحت لقب المتروك، وإن كان ذلك مع المخالفة فهو
المنكر -على رأي من يشترط فيه المخالفة-.
وأما
إذا فقد الضبط: فان كان ذلك بسبب غفلة الراوي أو كثرة نسيانه أو خطأه في الحديث
فيدخل تحت لقب المتروك أيضاً، وإن كان لاضطراب رواياته فهو
المضطرب.
وأما
إذا كان في الحديث علة قادحة فهو المعلل.
وإذا
كان فيه شذوذ -أي مخالفة للثقات- فهو الشاذ.
وهناك
أنواع للضعيف منها ما له لقب يخصه، ومنها ما ليس له لقب خاص، وإنما يذكر فيه وجه
الضعف فقط.
ضعف
الإسناد لا يقتضي ضعف المتن:
وههنا
مسألة هامة جداً تدل على دقة نظر المحدثين في تطبيق أصول النقد، حيث نبهوا على أنه
لا يلزم من ضعف السند ضعف المتن، كما أنه لا يلزم من صحة السند صحة
المتن.
فقد
يضعف السند و يصح المتن لوروده من طريق آخر، كما أنه قد يصح السند ولا يصح المتن
لشذوذ أو علة.
حكم
العمل بالحديث الضعيف:
اختلف
العلماء في الأخذ بالضعيف على ثلاثة مذاهب:
المذهب
الأول: أنه لا يجوز العمل به مطلقاً.
المذهب
الثاني: أنه يعمل به مطلقاً
المذهب
الثالث: أنه يعمل به في الفضائل العملية والمواعظ والقصص ونحو ذلك مما ليس له تعلق
بالعقائد والأحكام.
يستحب
العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال من المستحبات والمكروهات، وهو مذهب جماهير
العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم، وقد أوضح الحافظ ابن حجر شروطه خير إيضاح
فقال: "إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:
الأول:
متفق عليه، وهو أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين
بالكذب ومن فحش غلطه.
الثاني:
أن يكون مندرجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل
أصلاً.
الثالث:
ألا يُعْتَقَدَ عند العمل به ثبوته، لئلا ينسبَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم
يقله)).
2- المضعف
وهو
الذي لم يجمع على ضعفه، بل ضعفه بعضهم وقواه آخرون: إما في المتن أو في المسند.
3-
المتروك
هو
الحديث الذي يرويه من يتهم بالكذب ولا يعرف ذلك الحديث إلا من جهته ويكون مخالفاً
للقواعد المعلومة، وكذا من عرف بالكذب في كلامه وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث
النبوي.
وهذا
النوع يسمى متروكاً ولم يسم موضوعاً، لأن مجرد الاتهام بالكذب لا يُسَوِّغُ الحكم
بالوضع.
4-
المطروح
ما
نزل عن الضعيف وارتفع عن الموضوع.
5- الحديث
الموضوع: هو المختلق المصنوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم،
وهو
بالحقيقة ليس بحديث، لكنهم سموه حديثاً بالنظر إلى زعم راويه.
وكثيراً
ما يكون اللفظ المزعوم من كلام الحكماء أو الأمثال، أو من آثار الصحابة ينسبه
الواضع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يكون من نسج خياله وإنشائه.
والحديث
الموضوع هو شر الأحاديث الضعيفة، وأشدها خطراً، وضرراً على الدين وأهله.
أسباب
الوضع:
الأسباب
التي حملت الوضاعين على اختلاق الأحاديث هي كثيرة نذكر أهمها:
الأول:
قصدالواضع إلى إفساد الدين على أهله، كما فعلت الزنادقة إذ وضعوا أربعة عشر
ألف حديث كما رواه العقيلي. منهم عبد الكريم ابن أبي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن
المهدي. قال ابن عدي: لما أخذ يضرب عنقه قال: وضعت فيكم أربعة آلاف حديث
أحرّم فيها الحلال وأحلِّل الحرام. ومنهم محمد بن سعيد الشامي المصلوب روى عن حميد
عن أنسمرفوعاً: أنا خاتم النبيين لا نبيَّ بعدي إلا أن يشاء الله وضع هذا
الاستثناء لما يدعو إليه من التنبؤ والإلحاد.
الثاني:
قصد الواضع نصرة مذهبه.
كما
روى ابن أبي حاتم عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعد ما تاب: انظروا عمن تأخذون
دينكم! فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً.
الثالث:
قصد الواضع التقرب إلى الرؤساء والأمراء بما يوافق فعلهم، كما في قصة غياث بن
إبراهيم مع المهدي.
الرابع:
رغبة الواضع في التكسب والارتزاق، كأبي سعيد المدائني.
الخامس:
قصد الأجر والثواب في زعم الواضع. كما فعله قوم من الجهلة حيث وضعوا أحاديث في
الترغيب احتساباً في زعمهم الباطل.
قال
في التدريب: من أمثله ما وضع حِسبة: ما رواه الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه
قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن
سورةً سورةً وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن،
واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن اسحاق، فوضعت هذا الحديث حِسبةً. وكان يقال
لأبي عصمة هذا "نوح الجامع" قال ابن حبان: جمع كل شيء إلا
الصدق.
السادس:
قصد الواضع الاغراب لأجل الاشتهار.
محاربة
الوضع وأهم وسائلها:
انبرى
العلماء لمحاربة الوضع ودرء مفاسد الوضاعين، واتبعوا من أجل ذلك وسائل علمية دقيقة
نلخصها.
لك
فيما يلي:
1- البحث
في أحوال الرجال وتتبع سلوكهم ورواياتهم، حتى فارقوا من أجل ذلك الأهل والأوطان .
2- التحذير
من الكذابين وفضحهم، والإعلان بكذبهم على رؤوس الخلائق.
3- البحث
عن الأسانيد: فلا يقبل حديث لا يوجد له إسناد.
4- اختبار
الحديث بعرضه على الروايات الأخرى والأحاديث الثابتة.
5- وضع
ضوابط يكشف بها الحديث الموضوع.
6- التصنيف
في الأحاديث الموضوع، للتنبيه عليها، والتحذير منها.
علامات
الحديث الموضوع
وهي
علامات استخلصها المحدثون من أبحاثهم وتنقيبهم عن الأحاديث الموضوعة واحداً واحداً،
تيسر معرفة الحديث الموضوع وتكفي مؤونة التطويل، وقد شملت هذه الضوابط النظر في حال
الراوي، وفي حال المروي، كما نفصله فيما يلي :
علامات
الوضع في الراوي:
1- إقراره
بأنه وضعه.
2- أن
يكذبه التاريخ.
3- أن
تقوم قرينه في حال الراوي على أن ذلك المروي موضوع.
4- أن
يتفرد برواية عن شيخه وشأن مرويات شيخه أن تشتهر.
علامات
الوضع في المروي
:
1- كون
ذلك المروي ركيك المتن، لفظاً أو معنىً.
2- أن
ينقب عن الحديث ثم لا يوجد عند أهله من صدور الرواة وبطون الكتب، بعد أن تم استقراء
الأحاديث وتدوينها.
3- أن
يكون الحديث مخالفاً للقضايا المقررة، كأن يكون مخالفاً للعقل ولا يقبل التأويل، أو
اشتمل على أمر يدفعه الحس والمشاهدة أو الواقع التاريخي.
4- أن
يخالف المروي دلالة الكتاب القطعية، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي، أو
دليل العقل، ولم يقبل التأويل ليوافق ما خالفه، فأما إن قبل التأويل فلا.
5- استقراء
الأبواب: أي قولهم لم يصح في الباب شيء أو إلا حديث كذا، وذلك لما قاموا به من
استقراء للأحاديث وتبويبها. وهو ضابط هام رأينا التنبيه عليه لعظيم
فائدته.
6- أن
يكون المروي قد تضمن الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو الوعيد العظيم
على الفعل الحقير، ويكون هذا في أحاديث القصص.
7- أن
يكون خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله بمحمل الجمع العظيم، ثم لا يرويه
إلا واحد.
حكم
الوضع:
الوضع بأنواعه حرام بإجماع المسلمين الذين يُعتد بهم.
أحكام
الموضوع:
اتفق العلماء على أن الموضوع ساقط الاعتبار بكل اعتبار، لأنه كذب
مختلق.
حكم
رواية الموضوع:
تحرم روايته مع العلم بوضعه في أي معنى كان، سواء الأحكام والقصص والترغيب
والترهيب، وغير ذلك، إلا أن يقرنه ببيان وضعه، لحديث مسلم:
" من
حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
مصادر
الحديث الموضوع:
وإليك
أهم هذه المصادر فيما يلي:
1- الموضاعات:
للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة ( 597)
.
2- ((اللآليء
المصنوعة في الأحاديث الموضوعة))
للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة (911 هـ ).
3- ((
تنزيه
الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة)).
للحافظ أبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني المتوفى ( 963
هـ).
4- ((المنار
المنيف في الصحيح والضعيف))
للحافظ ابن قيم الجوزية (المتوفى سنة 751 هـ ).
5- ((المصنوع
في الحديث الموضوع)).
للحافظ علي القاري (المتوفى سنة 1014هـ).