موقف عبدالله بن حذافة رضي الله عنه مع قيصر:
أمر قيصر رجاله إذا ظفروا بأسيرٍ من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه وأن يأتوا به
حياً وشاء الله أن يقع عبدالله بن حذافة رضي الله عنه أسيراً في أيدي الروم فحملوه إلى
ملكهم, وقالوا: إن هذا من أصحاب محمد السابقين إلى دينه قد وقع أسيراً في
أيدينا فأتيناك به، نظر ملك الروم إلى عبدالله بن حذافة رضي الله عنه طويلاً ثم بادره
قائلاً: أني أعرض عليك أمراً، قال عبدالله : وما هو ؟ فقال قيصر: أعرض عليك
النصرانية فإن فعلت خليت سبيلك وأكرمت مثواك. فقال عبدالله في أَنَفَةٍ وحزمٍ:
هيهات إن الموت لأحب إليَّ ألف مرةٍ مما تدعوني إليه. فقال قيصر: إني لأراك
رجلاً شهماً فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري وقاسمتك سلطاني.
فتبسم الأسير المكبل بقيوده, وقال: والله لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما
ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عينٍ ما فعلت.قال قيصر: إذن أقتلك.
قال عبدالله: أنت وما تريد ثم أمر به فصلب, وقال لقناصته: ارموا قريباً من يديه
وهو يعرض عليه النصرانية فأبى. فقال قيصر: ارموه قريباً من رجليه وهو يعرض عليه
مفارقة دينه فأبى. عند ذلك أمرهم أن يكفوا عنه وطلب أن ينزلوه عن خشبة الصلب ثم
دعا بقدرٍ عظيمةٍ فصُبَّ فيها الزيت ورفعت على النار حتى غلت ثم دعا بأسيرين من
أسارى المسلمين فأمر بأحدهما أن يُلقى فيها فألقي فإذا لحمه يتفتت وإذا عظامه
تبدوا عاريةً ثم التفت إلى عبدالله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية فكان أشد
إباءً لها من قبل. فلما يئس منه أمر به أن يلقى في القدر التي ألقي فيها صاحباه
فلما ذهب به دمعت عيناه, فقال رجال قيصر لملكهم: إنه بكى فظن أنه جزع, وقال:
ردوه إليَّ. فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأباها. فقال قيصر: ويحك فما
الذي أبكاك إذن ؟ فقال عبدالله: أبكاني أني قلت في نفسي تُلقى الآن في هذا
القدر فتذهب نفسك وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعرٍ أنفس فتلقى
كلها في هذا القدر في سبيل الله. فقال الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك ؟
فقال له عبدالله: وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً ؟ قال: وعن جميع أسارى
المسلمين أيضاً. قال عبدالله:فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله أقبل رأسه فيخلي
سبيلي وسبيل المسلمين لا ضير في ذلك عليَّ ثم دنا وقبل رأسه فأمر ملك الروم أن
يجمعوا له أسارى المسلمين وأن يدفعوهم إليه فدُفِعوا له.