مقتل علي :
اجتمع عدد من الخوارج
فتذاكروا فيما آل إليه أمر المسلمين، وتذكروا قتلاهم يوم النهروان، فثارت بهم
الحمية، ورأوا أن علياً ومعاوية وعمراً من أسباب بلاء الأمة -حسب رأيهم وما توصلوا
اليه- لذا قرروا التخلص منهم. فتعهد عبدالرحمن بن ملجم المرادي علياً، وأخذ البرك
بن عبدالله على عاتقه قتل معاوية، ووعد عمرو بن بكر التميمي بالتخلص من عمرو بن
العاص، وتواعدوا كتم أمرهم، وأن يسير كل حسب جهته الموكل بها، وأن يكون موعدهم
لتنفيذ الخطة صلاة الفجر من يوم 17 رمضان سنة 40 هـ.
ومرّ عبدالرحمن بن
ملجم على تيم الرباب فوجد بينهم فتاة رائعة الجمال تدعى قطام ابنة الشجنة وكانت ممن
أصابها وأصاب قومها النكبات يوم النهروان : فخطبها ابن ملجم، فاشترطت عليه مهراً
كبيراً مقداره ثلاث آلاف دينار وعبد وقينة ثم رأس علي، فوافقها وأسرّ لها مهمته بعد
أن قال لها : هذا طلب من لا تريد العيش مع زوجها، فأجابته : إن نجوت عشنا خير حياة،
وإلا فزت بالجنة -حسب زعمها- وهو في الواقع أشقى من عليها. وجاء اليوم الذي اتفقوا
عليه، فضرب ابن ملجم علي بسيفه المسموم فقتله، وأما معاوية فأصابه يومها البرك بن
عبدالله في إليته، فنجا بعد مداواة، فاتخذ بعدها المقصورة، وأما عمرو بن العاص فلم
يخرج يومها للصلاة لمرض أصابه، وكلّف مكانه صاحب شرطته خارجة بن حذافة
فقتل.
ودخل جندب بن عبدالله
على علي بعد إصابته فقال له : يا أمير المؤمنين إن فقدناك ولا نفقدك فنبايع الحسن،
فقال : ما آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر. ونهى علي عن المثلة بقاتله وقال : إن مت
فاقتلوه بي، وإن عشت رأيت رأيي فيه. ثم لم يلبث أن توفي، وغسله الحسن والحسين
وعبدالله بن جعفر، وكفن، وكثرت الروايات حول دفنه، الأمر الذي جعل قبره مجهول
المكان.
واتجه الناس إلى الحسن
فبايعوه وكان أول من بايعه قيس بن سعد، وبقي الحسن في الخلافة ستة أشهر رأى خلالها
تخاذل أصحابه، وضرورة اتفاق الأمة، فآثر الصلح، ودعا معاوية إليه فوافق، وتنازل
الحسن له في 25 ربيع الأول عام 41 هـ، ودخل معاوية الكوفة، وانتقل الحسن والحسين
إلى المدينة. ويبدو أن الحسين لم يكن برأي أخيه وكذا قيس بن
سعد.
وهكذا انتهت مدة
الخلافة الراشدة التي سارت على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأت بعدها
زاوية الانحراف تنفرج تدريجياً.